حرب الأفيون| 120 مليون مدمن صيني ضحايا الحرب الأقذر في التاريخ

إدمان الشعب الصيني للأفيون
إدمان الشعب الصيني للأفيون

 

لم يأتي إطلاق لقب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس على دولة إنجلترا من فراغ، لكن هذا اللقب كان بسبب اتساع حجم أركان الدولة الإنجليزية آنذاك التي كانت في أوج قوتها، نظرًا لامتداد واتساع رقعة الأراضي الخاضعة لسيطرتها في كافة أرجاء العالم بما يؤكد أن الشمس كانت دائما مشرقة على أراضيها.

اغتصاب إرادة الشعوب

استولت بريطانيا على كثير من الأراضي، احتلت عشرات البلدان، اغتصبت الحقوق من أجل الفوز بثرواتها وخيرات كل الدول التي استعمرتها، ومخطئ من يظن أن احتلال بريطانيا العظمى لعشرات البلدان كان عن طريق الحروب الاستعمارية فقط التي تستخدم فيها الآلة العسكرية فقط، وإنما استعملت بريطانيا كل السُبل الشرعية وغير الشرعية والأخلاقية وغير الأخلاقية منها لتحقيق مصالحها الخاصة، كان من بين هذه الطرق التي استخدمتها بريطانيا «تغييب» إرادة الشعوب للسيطرة على أفكارها وإضعافها وإنهاكها على كافة المستويات والأصعدة من أجل تركعيها، تجاريًا واقتصاديًا وعسكريًا وصحيًا.

الطمع في الثروات

بدأت المحاولات البريطانية للسيطرة على منابع الثروات وخيرات الدول خلال عصر الاستكشاف الذي بدأ أواخر القرن الخامس عشر وقتها كان لكل من دولتي  اسبانيا والبرتغال الريادة في استكشاف الكرة الأرضية، ما أدى إلى إنشاء إمبراطوريتين ضخمتين في الخارج، لكن لم يمر الأمر مرور الكرام على الإمبراطوريات الكبيرة الموجودة بالفعل وقتها وهما كل من الإمبراطورية البريطانية والفرنسية، بمرور الوقت أصبحت بريطانيا العظمى هي القوة الاستعمارية المهيمنة في أمريكا الشمالية، ثم أصبحت القوة المهيمنة في شبه القارة الهندية بعد غزو شركة الهند الشرقية للمغول البنغال في معركة «بلاسي» سنة 1757.

استقلال أمريكا

خاضت بريطانيا خلال الفترة ما بين أعوام 1775 وحتى 1783م، حرب ضروس ضد دعوات الاستقلال في مستعمراتها بأمريكا الشمالية، وبعد 8 سنوات من الحروب العنيفة التي أنهكت الخزانة البريطانية والاقتصاد الانجليزي، خسرت بريطانيا الحرب وحصلت أمريكا على استقلالها ما أدى إلى فقدان بريطانيا أقدم وأكثر مستعمراتها اكتظاظا بالسكان وبالتبعية خسرت اقتصاديًا وتجاريًا بشكل غير مسبوق منفذًا هامًا.

الجائزة الكبرى

وجهت بريطانيا أنظارها بعد خسارة مستعمراتها في أمريكا الشمالية إلى آسيا وأفريقيا والمحيط الهادئ، بعد قيام الثورة الصناعية أصبحت بريطانيا الدولة الأقوى في العالم، وبدأ الإعصار الانجليزي فسرعان ما اكتسحت بريطانيا الأمم والشعوب حتى وصلت إلى الهند، كانت بريطانيا هي أعظم قوة بحرية على وجه الأرض ووصفت بأنها القوة التي لا تهزم في البحر أبدًا، كانت بريطانيا في حاجة ماسة لتعويض خسائرها التجارية والاقتصادية في أمريكا لذا توسعت لتشمل معظم الهند ومناطق أفريقية كبرى وأجزاء عديدة من أنحاء العالم، لكن تبقى لها أن تحصل على الجائزة الكبرى وهو العملاق الصيني القابع في آخر العالم.

الحرب القذرة

قامت بريطانيا باستخدام حرب من نوع مختلف آنذاك، حرب غير أخلاقية بالمرة للدرجة التي دفعت جميع المؤرخين وكُتاب التاريخ أن يطلقوا عليها أقذر حرب في التاريخ وهي حرب «الأفيون» التي خاضتها بريطانيا ضد دولة الصين ونجحت إنجلترا في دفع ما ملايين المواطنين الصينيين للإدمان، وعرفت تاريخيًا هذه الحرب باسم حرب «الأفيون الأولى» والتي دارت وقائعها بين المملكة المتحدة وأسرة «تشينغ الصينية»، بسبب تضارب المصالح التجارية ورغبة بريطانيا في تقويض قوة الصين عبر نشر إدمان الأفيون فيها، أوعزت بريطانيا إلى شركة «الهند الشرقية» التابعة لها والمُحتكرة الوحيدة للتجارة مع الصين بزراعة مساحات كبيرة من المناطق الوسطي والشمالية الهندية بالأفيون وتهريبه إلى الصين.

إدمان جماعي

بدأت بشائر نجاح الخطة البريطانية الجُهنميّة في الظهور حيث تم تصدير أول شحنة من الأفيون عام 1781، ولاقت تجارة «الأفيون» رواجًا كبيرًا في الصين حتى وصلت كمية «الأفيون» المهربة في عام واحد إلى 272 طن، ‏وغرق دولة الصين كلها في مستنقع الـ«الأفيون»، وبدأ الشعب الصينيّ شيئًا فشيئًا في إدمان «الأفيون»، كان المواطن الصيني يبيع أرضه ومنزله، ويعرض زوجته وأبنائه للبيع في سوق النخاسة من أجل الحصول على «الأفيون»، كانت الصين وقتها لا تستورد أي شيء من بريطانيا وفى المقابل كان البريطانيون يشترون السلع الصينية نقدًا بالفضة وتحديدًا بريطانيا كانت تستورد من الصين الحرير والشاي الذي كان يستنزف مواردها من الفضة والبورسلين.

 

احتفالية حرق الأفيون

ظهرت آثار الحالة الاجتماعية والاقتصادية على الشعب الصينيّ، أصبح 90% من الرجال دون سن الأربعين أدمنوا «الأفيون»، وتجاوز إجمالي مُدمني الأفيون 12 مليون صيني خلال هذه الفترة، وصارت واردات «الأفيون» تُمثل 57% من واردات الصين، وبدأ نزوح الفضة من الصين لدفع قيمة ذلك «الأفيون»، لذا انزعجت الصين لهذا الخطر المدمر فاضطر الإمبراطور «يونغ تشينج» إلى إصدار مرسومٍ يقضي بتجريم استيراد «مُخدر الأفيون»، وقام بحرقة في احتفالية كبرى عام 1829، لكن شركة «الهند الشرقية» لم تلتفت إلى هذا المنع واستطاعت أن تحصد ما يُقدر بـ 34 مليون دولار من الفضة خلال الفترة من1830-1840م، ما دفع بريطانيا لإعلان الحرب على الصين.

حرب الأفيون الأولى1840 - 1842 م

 استمرت هذه الحرب ما بين أعوام 1839م وحتى 1842م، بعدها اضطرت الصين لتوقيع اتفاقية مُذله نصت أهم بنودها على تنازل الصين عن جزر «هونغ كونغ» لبريطانيا والتي أصبحت فيما بعد قاعدة عسكرية وسياسية لها وتم فتح خمسة موانئ للتجارة البريطانية ودفع تعويضات للبريطانيين عن نفقات الحرب، وتحديد تعريفة جمركية علي الواردات البريطانية باتفاق الجانبين، ما أفقد الصين سيادتها في فرض الضرائب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل دفعت الصين 9 ملايين دولار كتعويض للتجار الذين أُحرق أفيونهم، وذهبت بريطانيا إلى أبعد من ذلك وحصلت على تحصينٍ للتجار التابعين لها من الخضوع أمام القضاء الصيني، كما نصت الاتفاقية علي تطبيق نص الدولة الأولى بالرعاية في التجارة، وفي العام التالي، أجبرت بريطانيا الصين علي توقيع ملحق لهذه الاتفاقية ينص بتحديد نسبة5% علي الصادرات البريطانية إلى الصين، واعتبرت اتفاقية «فان جينج» بداية سلسلة من الاتفاقات غير المتكافئة والمهينة التي وقعتها الصين مع الدول الغربية في ذلك الوقت.

طلب بريطاني مرفوض فتح أبواب الجحيم على الصين

عانت انجلترا اقتصاديًا بشكل كبير، كما تأثرت تجارتها العالمية بشكل واضح، وفي المقابل امتلأت الخزينة الصينية بالأموال، ما دفع الملك البريطاني جورج الثالث لأن يطلب من الإمبراطور الصيني «شيان لونج» السماح لبريطانيا بتصدير منتجاتها إلى الصين، لكن الإمبراطور الصيني رفض هذا الطلب بشكل حاد وقاطع وحاسم قائلًا، «إن إمبراطورية الصين السماوية تنتج ما يكفيها من السلع ولا تحتاج إلى شيء من البرابرة»، وبهذا لم تستطع بريطانيا تصدير سوى عدد قليل جدًا من المنتجات إلى الجانب الصيني، إضافةً إلى اضطرار التجار البريطانيين لدفع ثمن ما يشترونه من الصينيين نقدًا بالفضة بدلًا من المقايضة التي اعتادوها، ما تسبب في فرار مخزون كبير من الفضة إلى الصين واستنزافها من الجانب البريطاني.

لم ترتفع حجم التجارة البريطانية مع الصين، خصوصًا وأن الحظر على «الأفيون» مازال ساريًا، كما أن اتفاقية «فان جينج» بين بريطانيا والصين إبان حرب «الأفيون» الأولى خلال الفترة من 1839 وحتى 1842م، لم تحقق للمستعمر البريطاني والقوى الغربية ما كانوا يصبوا إليه، لذا قررت بريطانيا وفرنسا استخدام القوة مرة أخرى، وبدأت الآلة العسكرية البريطانية والفرنسية تدكان الصين، لكن حملاتهما العسكرية باءت بالفشل، وكما سبق وأوضحنا كانت الصين في هذا التوقيت تتمتع بالاكتفاء الذاتي ولا تستورد أي شيء من بريطانيا وفى المقابل كان البريطانيون يشترون السلع الصينية وتحديدًا الشاي والحرير نقدًا بالفضة والبورسلين، ما أثر بشكل مباشر على الخزانة البريطانية وعلى موارد الدولة.

  حرب الأفيون الثانية 1856 - 1860 م

شعرت بريطانيا بالتهديد أمام هذه الإمبراطورية الصينية المُنغلقة، والتي تبتلع الفضة البريطانية دون أن تستطيع بريطانيا الاقتصاص منها وهذا الأمر ساهم في إشعال الغضب الانجليزي الفرنسي، وتذرعت الدول الاستعمارية الكبرى بعدم التزام الصين وتأخرها في التصديق على اتفاقية «فان جينج»، ودفعهم لاحتلال ميناء «جوانج شو»‏، ما دفع الإمبراطور الصيني إلى التوقيع على اتفاقية «تيان جين» مُضطرًا عام 1858م، ومنحت هذه الاتفاقية لأوروبا مزيدًا من الامتيازات منها السماح بدخول المسيحية في أرجاء الصين، ثم تقدمت الجيوش الاستعمارية نحو «بكين» ودخلوها في عام ‏1860م‏ وتوجهوا إلى القصر الصيفي للإمبراطور الصيني وهذا القصر يعتبر من أعظم وأفخم قصور العالم ويحتوي على آثار تاريخية وتحف وذهب لا تُقدر بثمن، حيث قام الضباط البريطانيون والفرنسيون بنهب محتوياته لمدة أربعة أيام وأضرموا فيه النار بعد ذلك.

120 مليون مدمن صيني

وصلت البعثتان الرسميتان البريطانية والفرنسية إلى الصين عام 1861م، وتبعتهما بعثة روسيا ثم الولايات المُتحدة، ولجأت الدول الاستعمارية وتحديدًا انجلترا إلى أقذر الأسلحة على الإطلاق، سلاح المخدرات ذلك السلاح الرهيب الذي فتك بالشعب الصيني لتتحول الصين بذلك من إمبراطورية مستقلة ذات اكتفاء ذاتي إلى مستعمرة تحكمها الدول الأربعة، حتى وصل عدد المُدمنين إلى « 120 مليون مُدمن بحلول عام 1878م »، وحولهم الإدمان إلى خرق بالية، لكن «حروب الأفيون» لم تنته نهائياً إلا في عام 1911م، مع اندلاع الثورة الجمهورية المسماة بالثورة الصينية الأولى، وتوقيع اتفاقية 8 مايو 1911م، وإعلان قيام الجمهورية الصينية بعد سنوات طوال من الوقوع تحت براثن الاحتلال البريطاني عن طريق الأفيون والآلة العسكرية مجتمعين لتكون بحق «حروب الأفيون» هي أقذر أنواع الحروب التي خاضتها بريطانيا  لتحقيق مصالحها.