صور| تعرف على حكاية «المشكاوات الإسلامية» التي صنعت لـ سلاطين المماليك

المشكاوات إلاسلامية
المشكاوات إلاسلامية

تعتبر «المشكاة» من أبرز معالم العصر الاسلامي، فضلا عن ذكرها في القرآن الكريم، في قوله تعالي: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»، سورة النور.

وتسلط «بوابة أخبار اليوم»، الضوء على حكاية المشكاوات الإسلامية التي صنعت للسلاطين في السطور التالية..

أستخدام المشكاوات

كانت تستخدم المشكاة لإنارة المساجد والأضرحة، وهي من الأمور الهامة التي أولاها سلاطين المماليك عناية فائقة، وتشبه المشكاة في شكلها العام الزهرية، فهي ذات بدن منتفخ أو كروي أو بيضاوي ينساب إلى أسفل، وينتهي بقاعدة ولها رقبة على هيئة قمع متسع وتستدق قليلا عند التصاقها بالبدن، وبداخل المشكاة كان يوضع إناء صغير به الزيت والفتيل الذي يوقد للإضاءة.

كشف علاء الدين محمود، مدير إدارة البحث العلمي، عن زخرفت المشكاة بالزخارف الكتابية ، تنقسم الي قسمين: كتابات دينية تتضمن جمل دعائية أو آيات قرآنية وخاصة سورة النور وآية الكرسي وسورة التوبة، و كتابات تاريخية تشتمل أم السلطان وألقابه وصفاته.

طريقة الزخارف الخطية

وقد كتبت هذه الزخارف الخطية بالخط الثلث المملوكي أو الخط الكوفي المضفور علي أرضية مؤرقة جميلة، واستخدمت المشكاوات في العصور الوسطى وخاصة في مصر والشام، وقد احتلت مكانًا أثيرًا في أوقات الاستزادة من الإضاءة خلال شهر رمضان.

المشكاوات التي صنعت للسلاطين

كان من السهل التعرف على المشكاوات التي صنعت للسلاطين، فإن الأمر لم يكن كذلك دائمًا بالنسبة للأمراء، فألقاب السلطان واسمه كانت تكتب بخط واضح على بدن المشكاة، ويوضع اسمه في أشرطة كتابية بأسفل وأعلى المشكاة أيضًا، أما بعض الأمراء فكانوا يكتفون بوضع "رنكهم"، و"الرنك" كلمة فارسية تعني "اللون"، وهي تعني في العصر المملوكي "الشارة" التي توضع على البيوت والأماكن والأشياء المنسوبة إلى صاحب "الرنك"، ومعظم الرنوك يدل على وظائف أصحابها، فشعار "الدوادار" الدواة، وشعار "السلحدار" السيف، والساقي شعاره الكأس، و" البريدي" شعاره درع مقسم إلى ثلاثة أقسام أفقية ثم اتخذ من "بغل البريد" رنكًا له بعد ذلك.

وأشار إلى أن هذه الوظائف حقًا مشاعًا بين أمراء المماليك جميعًا فإنه يصعب معرفة صاحب المشكاة التي يرد عليها "الرنك" دونما ذكر لاسمه.

عدد «المشكاوات الإسلامية»

ويبلغ إجمالي ما وصلنا من مشكاوات إسلامية نحو 300 مشكاة كاملة يرجع معظمها إلى عصر المماليك، ومن الصعوبة بمكان تحديد مكان صناعتها سواء في مصر أو سوريا لتشابه طرق الصناعة والزخرفة بالبلدين في هذا العصر.

تدهور المشكاوات

وأصيبت صناعة المشكاوات المذهبة والمموهة بالمينا بالتدهور مع مطلع القرن 10هـ /16 م، بعد أن تدهورت مجمل الأحوال الاقتصادية لدولة المماليك من جراء اكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح، الذي تحولت إليه تجارة الشرق الأقصى والهند مع أوروبا، فحرمت مصر والشام من رسوم "الترانزيت" الهائلة التي كانت تحصل على هذه التجارة أثناء عبورها إلى أوروبا، ونظرًا لأن المشكاوات كانت من البضائع والتحف التي يقبل الأوروبيون على شرائها في بداية عصر النهضة الأوروبية، فقد قامت المدن الإيطالية وخاصة البندقية، بتقليد المشكاوات المملوكية لسد العجز الناجم عن توقف مصر والشام عن إنتاجها.

تصدير المشكاوات

ولم يكتف أهل البندقية ببيع هذه المشكاوات في أوروبا بل قاموا بتصديرها إلى مصر والشام، وتحولت البلاد في غضون سنوات قليلة إلى "مستورد" لهذه "التحف" التي جاءت أكثر خشونة وغلظًا وأبعد عن الذوق الفني والثراء الزخرفي الذي كان يميز المشكاوات المملوكية ولكنها "عقدة الخواجة" التي أمسكت بتلابيب المسلمين في عصور الانحدار والتدهور.

صناعة الزجاج في مصر

وتشهد صناعة الزجاج في مصر الآن على وجه الخصوص، محاولات جادة لاستحياء أشكال المشكاوات في إنارة المساجد والجوامع والأماكن السياحية وإن حل المصباح الكهربائي مكان مصباح الزيت والفتيل، ولا بد من الاعتراف بأن هذه المحاولات لم تتجاوز بعد حيز "الشكل" أو "الهيكل"، إلى استخدام ألوان الذهب والمينا والأشكال والموضوعات الزخرفية التي اشتهرت بها المشكاوات المملوكية.

المشكاة فى اللغة

وأضاف ، أن المشكاة فى اللغة ما يحمل عليه، أو يوضع فيه القنديل أو المصباح، أو هي الكوة أو الدخلة التي بالجدار الغير نافذة ، ورحم الله شيخنا الشعراوي حيث قال فيها أنها الطاقة التي بالجدار وعندنا في الريف في الزمن الجميل الذي ولى أن هذه الطاقة كانت من العناصر الأساسية في بيوتنا المبنية بالطوب اللبن، فكانت هذه الطاقة من مكونات البييت لأجل أن يوضع بداخلها المصباح، فالمشكاة اذن هى الطاقة.

لماذا أطلق على المصباح المشكاة

وأوضح مدير إدارة البحث العلمي، الي أن معظم ما حملته هذه التحفة الفنية من كتابات قراءنية ينحصر في جزء من أية سورة النور ، الآية رقم 35 «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة ، فيها مصباح».

المادة المصنوعة للمشكاة

والأصل في مادة الصنع للمشكاة هي أن تصنع من الزجاج حتى يشع النور من خلاله بل كلما أخذ البدن الشكل الدائري كلما توزع الضوء ومن ثم زاد انتشاره في المكان، إلا أن الفنان من حبه لهذه التحفة الفنية بدأ يصنع شكلها التي استقرت عليه في العصر المملوكى وهو شكل المزهرية، واحد من أشكال أو من طرز المشكاة أو القنديل في العصر المملوكي ، وصنعت من مواد أخرى كـ الخزف و المعدن، ولم تكن الكتابات القراءنية التي حملتها المشكاة هي كل مكوناتها بل رأينا الفنان يوسع دائرة الكتابات بإضافة نوعية أخرى من الكتابات التسجيلية، حيث أسماء و ألقاب السلاطين والأمراء ، فضلا عن ذلك رأينا الفنان يزين مشكاته أو قنديله بالزخارف النباتية ، والهندسية، حتى تخرج تحفته هذه فى أبهى ثوب لها.

توزيع المشكاوات حول العالم

ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة بمعظم هذه المشكاوات، ويليه في المرتبة الثانية متحف المتروبليتان بنيويورك، وتتوزع بعض المشكاوات أيضًا على الكنائس الأوروبية، حيث حملها الحجاج الأوروبيون في طريق عودتهم من بيت المقدس ووضعوها "كنذور" في هذه الكنائس، ولعل ذلك يوضح ما كان لهذه المشكاوات من قيمة مادية وفنية في العصور الوسطى، كما أن هناك بعض من هذه المشكاوات وصلت إلى أوروبا ضمن ما سلبه الصليبيون في حملاتهم على بلاد الشام من كنوز وتحف.

أما عن متحف الفن الإسلامي فيعتبر المشكاوات الزجاجية من أهم وسائل الإضاءة في العصر المملوكي، وتتكون المشكاة بشكل عام من قاعدة صغيرة ثم بدن منتفخ وفوهة مخروطية الشكل، وتمت زخرفة هذه المشكاوات بزخارف كتابية قرآنية مقتبسة من سورة النور، بالإضافة إلي العبارات الدعائية المألوفة في مدح سلاطين المماليك.

قال عبد الحميد عبد السلام، رئيس قسم الزجاج في المتحف الإسلامي، إن المتحف يحتفظ بأكبر مجموعة من المشكاوات الزجاجية في العالم، مشيرًا إلي أنه من أهمها المشكاوات المنسوبة إلي السلطان المملوكي "الناصر حسن" والتي نقلت من مدرسته بميدان القلعة.

وأشار عبد السلام إلى أنه في بعض المشكاوات تم تسجيل اسم السلطان صريح ويزخرف بعض هذه المشكاوات زخارف نباتية وهندسية غاية في الدقة والإبداع،وتم تنفيذ كل هذه الزخارف بأسلوب المينا متعددة الألوان، ويعد هذا الأسلوب من أشهر الأساليب الفنية المتبعة في زخرفة التحف الزجاجية في العصر المملوكي.

وصف المشكاوات

وأضاف عبد السلام ، أنه كان لكل مشكاه مقابض أو اذان قد تكون ثلاثه أو أكثر تعلق بها سلاسل معدنية تجتمع كلها عند كرة بيضاوية الشكل تشبه النعامة.

وتابع ،أن المشكاة هي عبارة عن كرة صغيرة من الزجاج تعمل علي اتزان المشكاة، كما أنها تساعد في عملية توزيع الإضاءة في جنبات المكان.

الموضوعات الزخرفية هي التي كانت تزين أبدان المشكاوات بألوان المينا المتعددة والخطوط المذهبة، فقد خلت من الرسوم الآدمية والحيوانية، واقتصرت على الزخارف الكتابية، ورسوم النباتات والأزهار مثل زهره اللوتس وزهره نبات الخشخاش وزهرة عود الصليب وغيرها، وقد تكون هذه الرسوم محصورة في اشكال هندسية، او تكون منشورة في بدن المشكاة، والأشكال الهندسية المتعددة، ولا يخرج عن هذه القاعدة سوى بضع مشكاوات صنعت لبعض سلاطين المماليك من آل قلاوون، واستخدمت في زخارفها رسوم (البط)، كما حظيت المشكاوات برسم الرنوك الحيوانية التي ترمز الي القوة والشجاعة واهمها النسور والفهد، او رنوك كتابية وهي خاصة بالسلاطين، او رنوك وظائفية مثل الكأس والبقجة والسلاح.