بعد وفاة هيثم أحمد زكي.. خبراء يجيبون: هل الوحدة قاتلة بالفعل؟

الفنان هيثم أحمد زكي
الفنان هيثم أحمد زكي

تسببت وفاة الفنان الشاب هيثم أحمد زكي عن عمر يناهز الـ35 عاما، في صدمة كبيرة لجمهوره وزملائه وأصدقائه داخل وخارج الوسط الفني، حيث شعر الجميع أن الوحدة التي عانى منها «هيثم» لسنوات بعد وفاة والده الفنان أحمد زكي، وأمه الفنانة هالة فؤاد، عامل كبير في وفاته.

كان للفنان هيثم أحمد زكي لقاء مع الإعلامي عمرو الليثي منذ عدة سنوات، قال خلاله إن عائلته توفيت بالكامل ومنهم أقرب الناس له سواء والدته هالة فؤاد التي توفت عن عمر 35 سنة أو والده الفنان الراحل أحمد زكي، وجده، وجدته وخاله، وإنه ظل وحيدا في بيت والده القديم إلى أن ارتبط بفتاة من سنة تقريبا. 

«بوابة أخبار اليوم» توضح التأثيرات النفسية التي تسببها الوحدة وكيف يعيش الإنسان وحيدا؟ ويجيب عليها خبراء نفسيين، حيث قال د. عاصم عبد المجيد حجازي مدرس علم النفس التربوي كلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة: «إننا نعيش في عصر مليء بالتغيرات التي تفرض ضغوطا متنوعة تؤثر بدورها على الحالة النفسية والجسدية للأفراد، ويختلف الناس في قدرتهم على مواجهة هذه الضغوط والتكيف مع مشكلات الحياة التي تواجه الفقراء والأغنياء والمشهورين والمغمورين من الناس».

وأضاف د. عاصم أن الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية أحد أهم الأسباب التي تؤثر على الحالة النفسية والجسدية للفرد في كل المجتمعات وفي كل المستويات الاجتماعية، مشيرا إلى أن الضغوط النفسية بما تسببه من شعور بالقلق والاكتئاب والعزلة النفسية وانعكاساتها على الصحة العامة للفرد تعتبر من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة.

وأشار إلى أن تأثيرات الضغوط النفسية تزداد سوءا إذا كان الفرد يعاني من عزلة وجدانية ولا يجد من يشاركه أفراحه وأحزانه أو من يكون أمينا على سره تربطه به علاقة شخصية قوية يستشيره في كل أموره ويخفف عنه آلامه ويواسيه في ما يؤرق تفكيره ويشغل باله.


وأضاف أنه في هذا الإطار ينبغي التأكيد على الدور المحوري للترابط الأسري والعائلي في التخفيف من حدة العزلة النفسية وآثارها السلبية على النفس والجسم، فالقرب من الأسرة الصغيرة والعائلة ووجود علاقات قوية تربط الفرد بأسرته وعائلته يعد من أهم مصادر الشعور بالراحة النفسية والثقة في النفس، ومن ناحية أخرى يجب تدريب الأطفال والشباب على المرونة النفسية والتي تعني القدرة على مواجهة المشكلات بكافة أنواعها، والتكيف مع التغيرات النفسية التي تواجه الفرد.

واستطرد أن هناك مجموعة من المبادئ التي يجب الأخذ بها للبدء في التخلص من العزلة النفسية وتحقيق أكبر قدر من المرونة النفسية وهي:

-الحرص على تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية القوية، والتي تشمل أفراد الأسرة والأصدقاء المقربين، والحرص على التواصل الدائم والمستمر معهم والاندماج معهم في أنشطة اجتماعية وترفيهية، ورياضية.

- يجب أن يشعر الفرد بذاته وبقدرته على المواجهة والتأثير في المجتمع وأن يثق بقدراته ويؤمن بأهدافه وأن يكون طموحا ولديه قائمة بأهداف يسعى لتحقيقها؛ فالطموح يغرس الحياة في النفوس ويشجع على العمل وبذل النشاط، ويجعل لحياة الفرد معنى وقيمة.

- يجب أن يعيد الفرد تنظيم معتقداته وأفكاره وفق أسس علمية ومنطقية تعترف بضرورة التغيير وبأن الحياة لابد من استمرارها وأن لكل فرد دورا يؤديه منفردا أو مع جماعة ولكن في النهاية لا تقف الحياة لفقدان عزيز، والنجاح في تحقيق الأهداف لا يتوقف على دعم ومشاركة الآخرين بقدر ما يتوقف على إصرار الفرد وطموحه وسعيه الدؤوب للوصول إلى النجاح .

وأشار د. عاصم إلى أن من أهم أسباب المرونة النفسية الشعور بالتفاؤل والتفكير الإيجابي؛ فعدم القدرة على مواجهة الأفكار السلبية والتفكير الدائم في المستقبل بشكل سلبي، والتخوف الدائم من المجهول، كل هذه الأسباب من أهم مصادر الضغوط النفسية، لافتا إلى أن الشخص الذي يعيش وحيدا ويفكر دائما في هذا الأمر ويخشى أن يموت وحيدا ولا يشعر به أحد، يعرض نفسه بدون أن يدري لضغوط نفسية كبيرة تؤثر على حالته النفسية والجسدية بشكل كبير، لذلك من الأفضل النظر دائما للجانب الإيجابي المشرق وتجاهل الجانب المظلم، والإيمان بأن لكل شخص ما يؤرقه، وأن لدى كل فرد ضغوط من نوع ما تواجهه، ولكن ما يميز شخصا عن آخر هو قدرته على مواجهة الضغوط وإدارتها.

وعن الشعور بالوحدة، قالت استشاري صحة نفسية وأسرية د.ولاء شبانة، إن الوحدة شيء محزن جداً لاسيما كان الوحيد شاباً أو كهلاً، رجلاً أم امرأة تعددت أشكال الوحدة والألم واحدُ، موضحة أن واقعة وفاة الفنان هيثم أحمد زكي خير مثال على هذا الأمر فقد عاش وحيداً في بيت عائلته بعد وفاه أبيه الفنان أحمد ذكي، ومن قبله أمه الفنانة هالة فؤاد، حيث أصر على استكمال حياته في هذا البيت، حاملا كل ذكريات أبيه ومرضه وكذلك أمه.


وأضافت د.ولاء شبانة، أن البعض قد يستهين بأثر المرض النفسي الذي قد يودي بحياة صاحبه، لافتة إلى أن علماء النفس فسروا الأمراض الناتجة عن سوء النفسية، وأطلقوا عليها "النفس جسمانية" أي الأمراض الجسيمة المرتبطة بالحالة النفسية وتصل خطورة الأمر إلى التشخيص الخاطئ، ومن ثم العلاج الخاطئ وآثاره على الصحة العامة والسبب الرئيسي هو النفسية.


وأوضحت د. ولاء، أن الكثيرين لا يقدرون مدى تأثر الجسم بالنفس إلى الحد الذي قد يسبب جلطات أو ارتفاع في ضغط الدم، وعدم انتظام ضربات القلب، وزيادة نسبة الكورتيزون، والصداع، والتشنج العضلي والكثير من الأمراض التي قد تظهر يوما تلو الآخر، والبداية سوء النفسية.


وأشارت إلى أن إحدى السيدات كانت تشكو من زيادة في وزنها كلما كانت تشعر بالاكتئاب، وفيما اشتكت أخرى من كونها لا تستطيع تناول أي طعام، حينما تكون في حالة مزاجية سيئة، وهذه أسباب بسيطة يتضح من خلالها أن النفسية تمثل خطورة شديدة على الصحة العامة، مؤكدة أن الوحدة مرض قاتل، فهي موت بالبطئ ولابد من مقاومتها بأي شكل من أشكال المحاكاة والنشاط المجتمعي، مضيفة: «يجب علينا كمجتمع زملاء وأقارب وأصدقاء أن نتكاتف مع من نجده وحيدا أو منطويا ونأخذ بأزره حتى يخرج من هذه الحالة التي قد يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار».


وأكدت د. ولاء: «لا وقت للحزن فالحزن يميت القلب ولابد أن نسعد ونمرح ونعيش لحظات السعادة بكل ما فيها ومع كل من حولنا باختلاف الظروف والأعمار، وليسعد كلا منا نفسه بطريقته الخاصة التي تخرج طاقته السلبية بداية من قراءة القرآن والصلاة، أو ممارسة الرياضة أو بالتنزه وتبادل الزيارات فالسعادة قرارك وحدك».


وأشارت استشاري نفسي د. إلهام الكومي، إلى أن هناك دراسات نفسية تؤكد على إن احتمالية الوفاة تزيد بنسبة 32% مع الشخص الذي يعيش وحيدا وتزيد نسبة المشاكل النفسية والصحية مقارنة مع الشخص الذي  يعيش مع ناس، لافتة إلى أن الرسول الكريم "ص" نهي عن الوحدة في قوله:  قَالَ صل الله عليه وسلم "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ ..مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ"، وهنا نشير إلى أن هيثم أحمد زكي عاش سنين كثيرة وحيدا من غير أم أو أب أو جد أو خال.


وطرحت  إلهام الكومي مثالًا لامرأة كانت تعيش وحيدة ومن كثرة ضيقتها من الوحدة كانت تقول: "بطلب من ربنا يعجل أجلي لأن إحساس الوحدة صعب، ويارب ما يكتب على أحد الوحدة".


وفي النهاية وجهت استشاري نفسي د. إلهام الكومي، نصيحة للجميع، قائلة: أن تجبروا خاطر بعض وتبادلوا الزيارات واسألوا عن بعض لأن الموت يأتي فجأة ووقتها الندم والألم يكون كبيرا.