حوار| الهواري: النبي كان يشاور زوجاته ويقبل مراجعتهن له

الدكتور محمود الهواري
الدكتور محمود الهواري

يظل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، النموذج المثالي في الأخلاق كلها، وخاصة في التعامل مع المرأة والزوجة، فهو، صلي الله عليه وسلم، بمثابة المُعلم الذي أرسى قواعد المثالية في التعامل في كل المواقف.

وفي ذكرى ميلاد النبي عليه الصلاة والسلام، كان لـ«بوابة أخبار اليوم»، حوار خاص مع د. محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر وعضو فريق «حملة جنة»، حول المرأة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وإليكم نص الحوار..

- البعض يتهم الإسلام والمسلمين بانتقاص المرأة وإهدار كرامتها فكيف نوجه هذه الأفكار المغلوطة؟


موضوع المرأة في الإسلام قديم جديد، كلما أفلس أولئك المزيفون بعثوه من جديد، ونفخوا فيه حتى يؤججوا منه نارا تحرق وتدمر، ومناقشة هؤلاء يسيرة جدا.
وذلك أننا لا نحاكم المناهج إلى أتباعها، ولا نحكم على الأفكار بسوء فعل وتطبيق من ينادي بها، وأعني بذلك أننا قد نجد من الناس من يسيء إلى المرأة فهل تكون هذا الإساءة دليلا على فساد المنهج؟، هذا تعنت غريب، والذي لا بد من إعلانه في كل حين أننا مطالبون بالاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله تعالى:«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة».
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم حُسنُ معاشرة النساء، والإحسان إليهنَّ، فهذا هديُه قولاَّ وعملاً، حتى إنه صلى الله عليه وسلم يقول: «خيركم خيركم لأهله»، فجعل بهذا القول من أمارات الخيرية وعلاماتها أن يظهر خير الرجل لأهله.

- لكن في ظل ما نسمع عنه من أحداث خصومة وشقاق بين الزوجين.. ما هي الطريقة التي تعمل على دوام الألفة والعشرة بالمعروف بين الرجل والمرأة ؟


الطريقة أن يكون الرجل إيجابيا والمرأة كذلك، فيكتشف كل واحد منهما في صاحبه مواطن الجمال.
وبالنسبة للرجل ينبغي أن يعرف أنه لا تخلو المرأة من جوانب مضيئةٍ متعددة، سواء ما يتعلَّق بجمالها الحسِّي أو المعنوي، من ديانة، وأدبٍ، وحُسن تصرُّف، أو حُسن عمل في البيت، طبخًا وترتيبًا وإصلاحًا، وغير ذلك، فيُثني الزوج على الزوجة في هذا الجانب، ويدعو لها، فهذا مظنَّة الخير بينهما.
 أما كثرة الوقوف على الملاحظات، التي لا يخلو منها أحد، والمعاتبة عليها، فهذا مظنة الشقاق والنّزاع؛ ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى النَّظَر إلى الجوانب الحَسَنَة في المرأة، وهي كثيرةٌ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كَرِه منها خلقًا رضيَ منها آخر»؛ رواه مسلم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم انطلاقا من حسن المعاشرة لأزواجه يمدْحهن، ويثني عليهن، ويبين فضلهن، وما لهن من مزايا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل منَ النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام»؛ رواه البخاري، ومسلم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ لأزواجه ودَّهُنَّ، ويعترف بِجَمِيلهنَّ حتى بعد وفاتهنَّ، فحينما عاتَبَتْه عائشة رضي الله عنها قائلة له: كأنَّه لم يكنْ في الدنيا امرأة إلاَّ خديجة، أجابَهَا بقوله: «إنها كانتْ وكانتْ، وكان لي منها ولد»، رواه البخاري فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحفظ لها جميلها؛ حيث سانَدَتْه في بداية دعوته، وَوَقَفَتْ معه، وَخَفَّفَتْ عنه آلام الدعوة، وَوَاسَتْه بمالِها.

- من أغرب ما يسمع البعض أن المرأة لا رأي لها.. وشاعت بين الرجال أقوال تدعو إلى مخالفة رأي المرأة.. فهل في سيرة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلم ما يعارض هذا؟


هذا فهم سقيم ووجهة نظر عليلة، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يستمع لوجهة نظرِهن، ويقبل منهن المراجعة له، فيعاتبنه ويرددن القول عليه، بل ربما هجرتْه الواحدة منهن، وهو في ذلك لا يقابِل الإساءةَ بالإساءة، بل بالصبر والإحسان، فعن عمر بن الخطاب قال: كنا - معشر قريش - نغلب النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجِعَنِي، فقالتْ: ولِمَ تُنكر أن أراجعكَ؟ فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُرَاجِعنه، وإن إحداهنَّ لتهجره اليوم حتى الليل؛ رواه البخاري ومسلم، ونحن لا نتحرج من أن نتناول حياة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، فهو قدوة لنا في كل أحواله، وهذا هو هَدْيُه في محاورته ومعاملته مع أهلِه، فما بال البعض منَّا لا يحتمل أن يسمعَ الكلمة مِن زوجته، وإن كانت مُحقَّة؟ لا يريد النِّقاش فيما يتَّخذه من قرارات، حتى ما يخص الزوجة والأولاد والبيت، بل ربما صبَّ جام غضبه على زوجته ثم لا يحتمل منها أن تردَّ عليه خطأه، وتُبَين له وجهة نظرها، سبحان الله، مَنِ الذي أباح لكَ أن تقولَ لها ما شِئْتَ منَ الكلام، وتحرم عليها أن تردَّ عليك وقد تكون محقة.


- وماذا عن مشاورة النبي لزوجاته؟


الثابت من حسن أدب النبي عليه الصلاة والسلام مع زوجاته أنه كان يشاورهن، ومن ذلك استِشارة زوجِه أمِّ سلمة - رضي الله تعالى عنها - في أمر مِن أهمِّ أمور المسلمين يوم الحُديبيَة؛ فقد عاهَد النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين على تركِ القتال عشر سِنين، ووافقَهم على شروط ظاهِرها فيه الإجحاف بالمسلمين، فكَرِهَ ذلك أصحابه، وأبوا أن يتحلَّلوا بالحَلْق أو التقصير من إحرامهم بالعمرة ليعودوا إلى المدينة، وتأخروا في تنفيذ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأحزنَه ذلك، وشقَّ عليه.
 فذهب إلى أمِّ سلمة يَستشيرُها، فقال: «هلك الناس»، فأشارَت عليه بأن يَخرج إليهم ويَحلِق رأسه، فعند ذلك يُسرعون إلى حلقِ رؤوسهم، وقد أصابَت في قولِها، فإنهم سارَعوا إلى طاعته، وامتثَلوا أمر نبيِّهم واعتَذروا عما كان منهم، وفي هذا دليل على أنه يرى للرجل أن يَستشير أهله ليَستطلِع ما عندهم مِن حلِّ ما تعقَّد مِن الأمور، وهذا مِن سماحَة أخلاقه وشريعته - عليه الصلاة والسلام.

- عندنا بعض الحالات الغريبة التي تبالغ جدا في مفهوم القوامة وتربطها بالضرب والعنف.. فهل ذلك من الشرع؟


لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى إصلاح الخطأ بالضرب، ولم يُنْقَل عنه أنه ضرب امرأة مِن نسائه، فعن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطّ بيدِه، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهكَ شيءٌ مِن محارم الله، فينتقم لله - عز وجل؛ رواه مسلم.


وعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ضَرْبَ الرجل المرأة عيبًا في الرَّجُل، وأَرْشَدَ المرأة إلى عدم القبول بمن يضرب النساء حينما يتقدَّم لِخِطبتها، فعن فاطمة بنت قيس، قالت: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له أنَّ معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتِقه، وأما معاوية فصعلوكٌ لا مالَ له، انكحي أسامة بن زيد»، فكَرِهَتْه ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته فجعل الله فيه خيرًا، واغْتُبِطَتْ؛ رواه مسلم.
فما بال البعض منا لا يحسن في الحوار وحلِّ المشاكل إلا لغةَ الضرب، هل يرضى مَن هذه حاله أن يعامَلَ بمثل هذا الأمر؟ ألا يتذكر ضرَّابُ النساء قدرة الله عليه؟.
 فعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنتُ أضرب غلامًا لي، فسمعتُ مِن خلْفِي صوتًا: «اعْلَمْ أبا مسعود، لَلَّهُ أقدر عليك منكَ عليه»، فالْتَفَتَ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله، هو حرٌّ لِوَجْه الله، فقال: «أما لو لم تفعل لَلَفَحَتْكَ النار»، أو: «لَمَسَّتْكَ النار»؛ رواه مسلم.

وهل يرضى مَن هو ضَرَّاب للزوجة أن تعامَل ابنته أو أخته بالضَّرب؟ كيف يرضى للناس ما لا يرضاه لأهله؟، وإنكَ لَتَعْجَبُ أشد العَجَب مِن شخصٍ متعلِّم يلجأ لضرب زوجته، فهل طُرُق إصلاح الخطأ تختصر في الضرب؟، ليس مِن شكٍّ في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المثَل الأعلى في الخلُق العظيم وجميع الكمالات، والقدوة الحسَنة لمَن كان يرجو الله واليوم الآخَر، وهو الذي تولى الله تهذيبه وأحسن تأديبه؛ ليُعطيه مقاليد الرسالة العامة، ويُكمِل به عقد النبوَّة.

فانظر إليه - صلوات الله وسلامه عليه - كيف ضرب المثل الأعلى بنفسه في حُسنِ معامَلة أهله في حال صحته ومرضه وإقامته وسفره؛ ليقتدي به من يريد سلامة دينه.
وخلاصة موقف الإسلام من المرأة، أن الله تبارك وتعالى أمر بمعاملة النساء معاملةً حسنةً؛ حيث قال في كتابه العزيز: {وعاشروهن بالمعروف} النساء 19، كما أوصى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بهنّ وأمر بالرفق في التعامل معهنّ فقال: «استوصوا بالنساء خيرا».
 وكان يُقدّر المرأة تقديرا فائقا وكان خير قدوة للمسلمين في الأخلاق الراقية مع نسائه، ورغم كونه قائدَ الأمة وانشغاله بأمر الدعوة فقد أعطى أزواجه حقوقهنّ كاملةً وكان خير الأزواج لنسائهم رعايةً ومحبّةً وعنايةً.