حكايات| بخيتة «الداية».. حاربت «دلع البنات» ودافعت عن مهنتها حتى الموت

 بخيتة «الداية».. حاربت «دلع البنات» دافعت عن مهنتها حتى الموت
بخيتة «الداية».. حاربت «دلع البنات» دافعت عن مهنتها حتى الموت

قبل عشرات السنوات، كان وجود الطبيب في كثير من مناطق الصعيد والريف أمرًا نادرًا بحكم التقاليد أو الظروف، فكان طبيعيًا أن تنشق الأرض عن «القابلة أو الداية» كحل سحري للولادة.

 

تسجل صفحات التاريخ الفرعوني القديم، المرأة الحامل تجلس القرفصاء، مع ثني الركبتين ووضع اليدين على الفخذين، وتحت ركبتيها يوجد لبنه أو لبنتين، حتى يحدث الفراغ المناسب للجنين النازل.

وبحسب الجداريات ولوحات البردي، كانت إحدى النساء تسند المرأة الجالسة من الظهر، تقف الأخرى أمامها تتقبل الوليد، فيما يعرف بـ «الجلوس على الأحجار».

 

ومع مرور الزمن، توارثت الأجيال كراسي الولادة كوسيلة مساعدة على إتمام الولادة، تقوم القابلة بدورها في إخراج الجنين من بطن أمه في سهولة ويسر، وظل الكرسي محتفظًا بشكله البسيط منذ عصر قدماء المصريين، حتى اليوم، ذو الفتحة في المقعدة على هيئة حدوة الفرس، رغم ما حدث له من اختلاف وتفاوت في الشكل والحجم والارتفاع.

 

وفي محافظة قنا، ومدنها وقراها، ظلت القابلة «الداية» هي القائمة بمتابعة الحمل، وأعمال الولادة، رغم أن معظم القابلات كن لا يجدن القراءة والكتابة، بل اكتسبن مهارتهن بما توارثوه عن أمهاتهن من علوم مهارات.

 

بخيتة علي، كانت من أشهر الدايات في قنا، عملت طيلة عمرها في مهنة «الداية»، لكنها توفيت منذ بضعة سنوات، وماتت معها مهنتها، التي اندثرت كغيرها من المهن، التي طغت عليها، التقنيات الحديثة في مجال الطب، ورغبة الكثير من السيدات، في الولادة القيصرية، التي وصلت قرابة 4 آلاف جنيه.

تروي أم حسن، قائلة: «منذ قرابة 20 عامًا، كان لـ(الداية) شأن كبير في عملية الولادة الطبيعية، التي كانت وسيلة للكثير من السيدات، في هذا الوقت، حيث كانت تحضر عندما يأتي الحامل (الوجع)، فتكون سيدة معروفة سواء في القرية أو القرى المجاورة، يهرول لها أهل الحامل، والإتيان بها إلى المنزل».

 

وتشير أم حسن إلى أن الداية، كانت تطلب «مأجور»، تجلس عليه السيدة الحامل، لتضع جنينها، وكانت تطلب مياه ساخنة لاسترخاء عضلات الرحم لتسهيل عملية الولادة، وأيضًا لغسل جسد الأم والجنين، بعد الولادة.

 

وتضيف سعدية علي، شقيقة الداية، إلى أن شقيقتها، ظلت تدافع عن مهنتها حتى وفاتها، فلقد كانت تقدس المهنة وتتخذها سبيلًا للحصول على لقمة العيش، وأيضًا قد كانت العين الساهرة في أي وقت تنتظر الفرج في الولادة.

 

وتلمح إلى أن شقيقتها، قبل وفاتها، كانت تحارب الولادة القيصرية، وتصف السيدات اللائي يجرين العمليات القيصرية بـ «دلعهم ماسخ»، حيث كانت أغلب السيدات يلدن بشكل طبيعي، ولا يقمن بالمتابعة والكشف والولادة القيصرية كما هو عليه الآن.

وتشير إلى أن شقيقتها كانت تحصل «على اللي فيه النصيب»، بعد انتهاء عملية الولادة، وكان «البكشيش والحلاوة»، سبب فرحتها، بخلاف العمليات القيصرية الآن التي التهمت جيوب، المواطنين خاصة الفقراء منهم.

 

ويوضح محمود علي، معلم، أن من أهم الأسباب التي جعلت المواطنين، يبتعدون عن الداية، هي قلة الثقة فيها، واستخدامها أدوات بدائية، وطريقة غير سليمة للولادة وقطع الحبل السري – على حد قوله.

 

وينبه إلى أنه مع التقدم في الطب، واستخدام التقنيات الحديثة، جعلت المواطنون يلجأون إلى المستشفيات الحكومية، والعيادات والمراكز الخاصة، لإجراء العمليات القيصرية، حتى وغن كانت باهظة الثمن.