عاجل

عصر العلم

وقفة... قبل تصنيع فوسفات أبو طرطور

د. فرخندة حسن
د. فرخندة حسن

أركز فى مقالى الحالى على فوسفات منطقة أبو طرطور وذلك لأنه يختلف فى مكوناته عن باقى رواسب الفوسفات فى مصر. وهناك ما يجب أخذه فى الاعتبار وبجدية شديدة قبل تحويله إلى خامس أكسيد الفوسفور فى الاعتبار؛ إذ يحتوى فوسفات أبو طرطور على عناصر نادرة (الإيريديم وغيره) اكتشفها الأستاذ الدكتور  أحمد الكمار - الأستاذ بقسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة القاهرة أثناء إعداده رسالة الدكتوراه التى كان لى شرف المشاركة فى الإشراف عليها. وللتأكيد على وجودها سافر الدكتور / الكمار فى مهمة علمية وأعاد التحاليل مع فريق من الباحثين فى معامل النمسا. هذه العناصر النادرة توجد عادةً بنسب قليلة إلا أنها فى منتهى الأهمية إذ تدخل فى صناعة شاشات التليفزيون وفى السبائك المعدنية التى تستخدم فى صناعة الصواريخ وسفن الفضاء وتباع بالجرام وبأسعار باهظة، شعرنا فى ذلك الوقت أنه من المفروض أن نصل إلى الأسلوب الأمثل لاستخلاص هذه العناصر من الخام وبدأت مرحلة جديدة من البحث العلمى فى معامل كلية العلوم جامعة عين شمس بإشراف الأستاذ الدكتور / سامى طوبيا الذى توصل هو وفريق البحث إلى الأساليب الكيميائية التى أتاحت إمكانية استخلاص هذه العناصر بكفاءة عالية.. شاء القدر وشرفت بعضوية مجلس الشعب (1979 - 1984) وكان موضوع عدم تصدير خامات مصر الخام قبل تصنيعها محلياً فى بؤرة اهتماماتى ورسالتى التى لم آكل عن الترويج لها فى مجلس الشعب ثم بعد ذلك فى مجلس الشورى (1984 - 2011). وسنحت لى الفرصة الأولى فى جلسة مجلس الشعب التى تمت فيها مناقشة تقرير لجنة الصناعة والطاقة حول قرار رئيس الجمهورية رقم 148 لسنة 1980 بشأن تصدير الفوسفات الخام لدولة رومانيا.
وأثرت فى مداخلتى موضوع وجود العناصر النادرة وأنه المفروض أن يؤخذ فى الاعتبار عند تسعير الخام، وأن على الدولة أن تبدأ فى تصنيع الفوسفات واستخلاص العناصر النادرة وأن تكف عن تصديره كخام وطالبت أن يعاد التقرير إلى اللجنة لإعادة النظر فى الاتفاقية. كان تعقيب الوزير على مداخلتى إيجابياً شمل الفقرات التالية «خام الفوسفات يحتوى على عناصر نادرة وأنه من الأفضل أن يصنَّع فى بلادنا، وأن الحكومة لن تهمل أبداً ما توصلت إليه من معلومات بشأن فوسفات أبو طرطور، وأنه من الأفضل تصدير الفوسفات فى صورة حمض فوسفوريك وبذلك نستطيع الحصول على العناصر النادرة». فى اليوم التالى مباشرةً وجدت أنه من الصالح أن أتابع ما أعلنه الوزير فتقدمت بسؤال إلى وزير الصناعة والثروة المعدنية حول ما هى خطة الوزارة بالنسبة لتصنيع خام الفوسفات. لم ترد الحكومة على السؤال الذى أدرج فى كشوف أسئلة الأعضاء بتاريخ 29/6/1980، لا بالحضور ولا كتابة واستمر تصدير أغلب الفوسفات كخام وعملية تصنيعه محدودة جداً ومتعثرة. ومنذ ذلك الوقت لم آكل ولم آمل من تكرار مطالبتى فى مجلس الشعب ثم بعد ذلك فى مجلس الشورى حتى يوم إلغائه عام 2011. والآن وقد تم إنشاء مجمع تصنيع الفوسفات هذا الصرح الجديد الهائل الذى يبعث الأمل بعد ما يقرب من الأربعين عاماً، ألا يستدعى الأمر أن نناشد المسئولين أن يعاد النظر فى برنامج تصنيع فوسفات أبو طرطور ومحاولة استخلاص العناصر النادرة قبل تحويله إلى خامس أكسيد الفوسفور وهى عملية ليست بالسهلة بل تحتاج إلى تحديث الدراسات القديمة وإعادة التقييم واستخدام التكنولوجيات الحديثة المتطورة لاستخلاص هذه العناصر النادرة. إن إغفال هذا الأمر فى تصورى يعتبر إهدارا لثروة وطنية هى أمانة فى عنق المسئولين.