بسم الله

الكفاءة «٢»

د. محمد حسن البنا
د. محمد حسن البنا

أتعجب من أن مصر الحضارة والمدنية، أول دولة نظامية فى التاريخ، تعجز عن تكوين جهاز إدارى ووظيفى خدمة ومنتجا على أعلى مستوى، أسباب الخلل معلومة، وكانت محل أبحاث علمية مصرية عديدة، لكن للأسف تعودنا على حلول أقرب لمعدات المصطبة من دون العلم، وهو ما جرفنا إلى ما نحن فيه من مهازل إدارية نتيجتها انتشار الرشوة والمحسوبية والفساد، وتطفيش المستثمرين، والحقيقة أن الحكومة تحاول تصحيح الأوضاع، واستبدال العنصر البشرى بالتكنولوجيا الحديثة، وميكنة الأعمال والخدمات، من خلال الكمبيوتر، صحيح أنها نجحت فى بعض الأماكن، لكنه لا يرقى إلى طموحاتنا.
لكل هذا أقترح إعادة النظر فى نظام التشغيل والتعيين فى الجهاز الإدارى للدولة، عاما وخاصا، ونظم الترقيات وشغل المناصب القيادية، ولدينا من علماء الإدارة من يستطيع وضع الوصفة السحرية لذلك، من دون الاستعانة بخبراء أجانب، وربما يقتضى ذلك تغيير نظام التعليم، وربط الخريجين بسوق العمل، بحيث لا يكون لدينا عاطل أو حاصل على الدبلوم الفنى أو الشهادة الجامعية أو حتى الدكتوراة بلا عمل، ولا نجد طبيبا يعمل فى الفنادق، ولا نجد مهندسا يبيع الكشرى أو الشاى فى الطرقات، سوف تختفى كل الظواهر السلبية من حياتنا الوظيفية. فقط نحتاج إلى إخلاص النية للوطن ومصلحته العليا.
لابد من استبدال الأقدمية بالكفاءة، الكفاءة المجردة التى تقدم الأصلح لشغل الوظيفة أو المنصب، من دون تسييس، أو انتظار تقارير الرضا والثقة من أية جهة، لأنها سبب انهيار مجتمعات ودول، كانت تعلى أهل الثقة والواسطة والمحسوبية على أهل الكفاءة والجدارة، وقد أعجبنى تصريح للرئيس عبد الفتاح السيسى، ومن بعده رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولى عن تمكين الأكفاء من العمل والإنتاج وشغل المواقع المختلفة، عندما تحدثا عن الكفاءة والجدارة، لهذا أتوقع أن يكون هذا منهج الدولة.
من هنا أطلب من رئيس الوزراء تشكيل لجنة محددة الهدف والمدة لوضع معايير حديثة للتعيين، وشغل الوظائف والعمل بكافة أجهزة الدولة، ووضع نظم شغل المواقع الإدارية، من رئيس قسم حتى رئيس مجلس إدارة أو محافظ، أو حتى وزير، لابد أن نقود ثورة إدارية تقضى على التخلف الإدارى بمصر، وتفتح آفاق العمل بفرص متساوية أمام أبناء الوطن من دون تمييز، لا يكون فيها تمييز إلا بالكفاءة والجدارة وحدهما، وإغلاق أبواب المجاملات والفساد فى التعيين لأبناء ناس على حساب حقوق أبناء أناس آخرين، خاصة فى وظائف مختارة ومحجوبة للفئة المحظوظة.
دعاء: وقل رب اغفر وارحم، وأنت خير الراحمين.