«أمريكا التي تفي بوعودها».. ماذا كسب الأكراد من تحالفهم مع واشنطن؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تحالف خسروا فيه كل شيء.. كان يبدو في أول الأمر واعدًا ومثمرًا، فحليف قوي يدعم الأكراد سياسيًا وعسكريًا كان بمثابة «قشة النجاة» أمام قوات الدول الإسلامية من «داعش» وزعيمهم أبو بكر البغدادي، وكان يضمن مستقبلا سياسيًا، في الوقت الذي كان من الصعب فيه التحدث عن مفاوضات بين الأكراد وحكومة بشار الأسد في سوريا.

على مدار خمس سنوات، حققت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» مع الولايات المتحدة الأمريكية انتصارات حقيقية، كان أولها هزيمة تنظيم داعش، ثم تتبع وقتل القائد الذي لم يظهر علنًا سوى مرات معدودة، أبوب بكر البغدادي.

في تقرير نشرته «نيويورك تايمز» الأمريكية، أكدت أن الأكراد لعبوا دورًا «لا يستهان به على الإطلاق» في تتبع وقتل البغدادي.

ووفقًا لتصريحات قائد قوات قسد، فبالتنسيق مع الأجهزة العسكرية الأمريكية، قامت مجموعة من الأكراد بتتبع البغدادي والتأكد من تواجده في الفيلا التي استهدفتها القوات الأمريكية وقت القيام بالعملية العسكرية التي أدت إلى وفاته، ليس هذا فقط، بل إن الفضل يعود للأكراد في العثور على «ملابس داخلية» للبغدادي عليها بعض قطرات من دمه، الأمر الذي سهل لواشنطن التأكد من هويته عقب وفاته.

ومع ذلك، بينما كان المقاتلون الأكراد في سوريا يخاطرون بحياتهم في عمليات البحث التي أدت إلى وفاة البغدادي – التي ربما تكون الورقة الرابحة في تأمين فترة حكم ثانية لترامب- قرر الرئيس الأمريكي الذي كانت له حسابات مختلفة دائمًا، أن يُنهي بشكل فردي شراكة امتدت على مدار خمسة أعوام خاض فيها الأكراد حروبًا، احتفلت أمريكا بفوزها فيها أمام العالم.

بلا مقدمات أو مفاوضات، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، فاتحًا المجال أمام تركيا للدخول بكل أسلحتها ودفاعاتها العسكرية، أمام الأكراد التي كانت كل تحركاتهم بالتنسيق مع أمريكا، فطلبت منهم الانسحاب من مواقع بعينها، كانت أول ما ضربه الرئيس رجل طيب أردوغان بحسب النيويورك تايمز.

يقول قائد قسد مظلوم عبدي: «لقد ظننا أن أمريكا ستفي بوعودها معنا. لكن الأمر انتهي بالكثير من خيبة الأمل».

قبل خمس سنوات من اليوم، كانت أمريكا تبحث عن جنود ماهرين كقوات برية لحملة جوية أمريكية ضد داعش، قامت واشنطن بتسليح وتدريب المقاتلين بقيادة الأكراد وضغطت عليهم لتحويل أولوياتهم لخدمة المصالح، ففي النهاية، يحلم الأكراد بتمثيل سياسي مقبول، ودور سياسي فعال في البلاد التي يعيشون فيها.

اقرأ أيضًا: «السلام أو الإبادة».. التحالف المستحيل أمل سوريا الوحيد أمام تركيا

ويقول التقرير الأمريكي:«لقد دفعتهم الولايات المتحدة لأن يأخذوا حربهم مع داعش إلى خارج حدود نفوذهم والأراضي التي يسيطرون عليها، بل ربما تكون أقنعتهم ألا يتفاوضوا في وقت أبكر من ذلك مع الحكومة السورية، وأن يظلوا أكثر ولاءً لواشنطن لأن ذلك سيجعلهم من الرابحين عندما تحدث صفقات مستقبلية تخص بلدهم».

وفي تصريحات نقلها الموقع عن الجنرال جوزيف فوتيل، الرئيس السابق للعمليات العسكرية الخاصة والوسطى، قال: «لقد أوضحنا لهم أن البقاء حلفاء أوفياء للولايات المتحدة سيجعلهم دائمَا ممثلين رسميًا وسيكون لهم صوت مسموع من خلال حليف قوي، تحالفهم معنا جعلهم في موقع الرابحين داخل سوريا.»

بعد خمس سنوات من الحرب مع الحلفاء الأمريكيين، جنبًا إلى جنب في معارك واحدة، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن ينهي هذا التحالف مرة واحده، فقد اقنع الأكراد في البداية بضرورة تخفيف حدة تسليحهم وعتادهم في مواقع محددة، ثم سمح للأتراك بأن يدخلوا إلى تلك المنطقة ويذبحوا من كانوا حلفاءه بالأمس، وعلى مدار سنوات كاملة. 

وتقول المتحدثة باسم ميليشا الأكراد من النساء نسرين عبدالله،: «لقد ظل الأمريكيين يقولون لنا لن نسمح للأتراك بالدخول إلى أراضيكم، ثم طعنونا من الخلف».

رسائل متضاربة من واشنطن للأكراد

بعد سنوات من التعاون معهم..هل كان الأكراد عاجزون عن فهم السياسة الأمريكية تجاههم، لدرجة أنهم لم يتوقعوا دخول تركيا وانسحاب ترامب، في الوقت الذي علم فيه العالم أن تركيا على وشك مهاجمتهم؟.

جزء من المشكلة ربما كان في الرسائل المتناقضة التي أرسلتها حكومتي ترامب وأوباما إلى الأكراد في سوريا. فلم تكن أي منها دقيقه حول الفترة التي ستمكث خلالها القوات الأمريكية داخل سوريا، وفقًا لنيويورك تايمز.

في عهد أوباما، قالت الحكومة الأمريكية للأكراد إنهم سيساندوهم للتغلب على إرهاب داعش، وأنهم سيساعدوهم بعد ذلك لكي يلعبوا دورًا فعالاً في مستقبل البلاد السياسي.

أصبح الوضع أكثر اضطرابًا عندما قرر وأعلن الرئيس الحالي دونالد ترامب أنه سيسحب قواته أخيرًا من سوريا بشكل مفاجئ، في الوقت الذي أكد مسئول آخر في إدارته أن الولايات المتحدة لن تنسحب من المشهد السياسي السوري طالما لإيران نفوذ هناك.

وإن كان كل التحالف الذي حدث بين الأكراد والولايات المتحدة الأمريكية لا يخدم سوى أجندة أمريكية، فالحقيقة أن الأكراد هم من ماتوا من أجلها، «فقد دفعت أمريكا بالأكراد ليحاربوا بدلاً منها فيما يخص داعش».

ووفقًا للتقرير الأمريكي فإنه خلال المواجهات بين قوات داعش الإرهابية، والتحالف الذي ضم الأكراد وأمريكا، مات حوالي 12 جندي أمريكي، مقابل 11 ألف جندي كردي.

ونقلت الصحيفة الأمريكية تصريحات ما وصفته بأحد المسئولين الأمريكيين الذين كان مصرحًا لهم الحديث عن الحرب علنا- أن واشنطن دفعتهم للموت دفعًا خلال حربهم مع «داعش».. وفي النهاية أخذت منهم كل شيء، حتى إن الـ11 ألف مقاتل الكردي يبدوا وكأنهم قتلوا من أجل لا شيء.

«لقد خدعتونا»..هذا ما قاله قائد قوات «قسد» عندما رأى القوات التركية تضرب المناطق التي طلبت واشنطن من الأكراد أن ينسحبوا منها. وهنا ذهبوا إلى قوات النظام السوري وبشار الأسد بحثًا عن المساعدة، ولكن بدلا من التفاوض من مركز قوى كما كان يخط الأكراد دائمًا، تفاوضوا وهم تحت القصف.

خانت أمريكا الأكراد، هذا شيء مؤكد. خمس سنوات من التحالف مع واشنطن لم يحقق فيها الأكراد الكثير من أهدافهم التي سعوا للتحالف من أجلها.

مازال زعيم «قسد» يتحدث مع ترامب بين الحين والآخر، وهناك مباحثات وتقارير إعلامية تتحدث عن أن قائدهم سيزور واشنطن قريبًا، لكن هذا لا يعني أبدًا أن الثقة بين «قسد» وواشنطن مازالت قائمة، ولا أنها ستعود قريبًا، أو في أحد الأيام.