حروف ثائرة

البنا - راجح.. ومازال المتهم الحقيقى طليقًا!

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

قضية رأى عام.. وهى بالفعل تستحق.. تعاطف الملايين.. والضحية بشهامته ورجولته أيضا يستحق.


إنها الجريمة البشعة التى هزت مصر وانتفضت لها السوشيال ميديا.. مقتل الشاب محمود البنا دفاعا عن فتاة تعرضت لمضايقات من المجرم محمد راجح.. وبدأت المطالبات بحق الشهيد وإعدام القاتل.. إلى هنا والأمر عادى لتعاطف الجماهير مع شاب دفع حياته ثمنا لشهامته.. ومع كل تقديرنا لشهامة القتيل التى وضعته بمنزلة الشهداء. ونبذنا لفجور القاتل والذى ساوته بعتاة الإجرام.. لكن لنا وقفة فى نقطتين مهمتين:


الأولى: تخص السوشيال ميديا والتى أضحت تمثل أدوارا عديدة بالمجتمع بعضها يهدد أمننا القومى.. وتحولت إلى ساحة للفتى فى كل شىء وممارسة دور الخبير العالم ببواطن كل أمور الدين والدنيا.. نقدر بالطبع تعاطف الناس مع الشهيد وكلماتهم التى تربط على قلب أمه وتخفف آلام أسرته.. لكن أن تتحول صفحات التواصل إلى قضاء بديل يصدر قرارات ويطالب بأحكام بعينها.. هذا هو الخطأ والخطر بعينه.


فمنذ نعومة أظافرنا تعلمنا أن للقضاء قدسيته وحصانته.. لا يحكم إلا بما تثبته الأوراق والأقوال وبنصوص القانون مطمئنا بما استقر فى وجدانه.. وهذا أكبر ضمانة لمجتمع مستقر عادل.. وتعلمنا أيضا ألا نبدى رأيا قد يؤثر على سير التحقيقات أو ينال من العدالة الناجزة.. أما إذا اعتقد البعض أن القاضى يحكم طبقا لهوى الفيس بوك وما استقر فى وجدان المغردين بتويتر وإنستجرام.. وأن زيادة عدد الهاشتجات وانتشارها يضمن الإعدام أو البراءة لمتهم.. فعندها قل على مصر وشعبها السلام.


النقطة الثانية: الأكثر أهمية فإن المتهم الحقيقى فى مقتل البنا ليس راجح ورفاقه حتى ولو صدر الحكم بإعدامهم.. سيظل المتهم الحقيقى حرا طليقا يغتال البراءة يوميا إذا لو لم توجد إرادة مجتمعية لمواجهته.. فهو أخطر من راجح وأشباهه.. إنه ذلك الغول القابع خلف شاشاتنا وحواسبنا يبث سمومه يوميا لتخلق راجح فى كل مكان بمصر.. فالفن المصرى الذى كان يسمو بالروح ويرتقى بالأخلاق ويحمل رسالة سلام من مصر للعالم كله خاصة أشقاءنا العرب.. وبعد أن تركنا ناصيته للجزارين ومحدثى النعمة والمال.. تحول البطل والرمز فى المجتمع إلى رفاعة الدسوقى والألمانى وعبدو موتة وأشباههم.


المصرى يا سادة الذى غزا عقول وقلوب العرب بسحر أم كلثوم وعذوبة حليم ورقة نجاة وقيمة وقامة عمر الشريف وشكرى سرحان وأحمد مظهر وفاتن حمامة ومديحة يسرى وليلى مراد حتى أدوار الشر بفتونة فريد شوقى ودهاء ذكى رستم والدقن والمليجى كانت رسالة تهزم الشر وتعلو بالأخلاق.. الآن ورغم وجود الكثير من أمثال هؤلاء العمالقة أصبح طربنا مهرجانات.. وتمثيلنا تخليدا للبلطجة والمخدرات ومكاره الأخلاق.. والسيدة المصرية أصبحت صورتها مثل فلانة التى «تردح» والأخرى التى ترتدى ثيابا تكشف وتفضح أكثر مما تستر.. ولغة حواره ما يخرج به علينا ليل نهار السباب اللعان الشتام والذى يفعل ما يريد ليهدم كل قيمة وينال من كل قامة.


المتهم الحقيقى لايزال حرا طليقا.. يطاردنا حتى فى أحلامنا وسيظل يهددنا.. فهل إلى خروج من سبيل؟!!

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي