حريات

بعضكم لبعض عدو..!

رفعت رشاد
رفعت رشاد

لو راقبت الناس فى الشوارع وفى الدواوين الحكومية أو التجمعات الجماهيرية لوجدت ظاهرة لا تخطئها العين. ظاهرة العدائية الواضحة بين الناس حتى هؤلاء الذين ليس بينهم علاقة تسمح بوجود هذه العدائية. اذهب إلى أى مصلحة حكومية، تجد الزحام وعدم النظام فيتدخل البعض لفرض أسلوبهم على الآخرين بعدائية فى سعى إلى الحصول على أفضلية فى قضاء المصلحة. راقب ما يحدث من موظف عتيق كيف يتعامل مع الآخرين من طالبى المصلحة بتعال وجفاء وكأنه يستعبدهم لأجل هذه المصلحة. مساحة المقال لا تسمح إلا بشذرات أذكرها للتوضيح فحسب، لكن يحدث هذا على امتداد النسبة الغالبة من مصر. بعد أحداث 25 يناير 2011 اعتقد الناس أنهم سيجدون الترحاب من الموظفين الذين هم أهلهم وأقاربهم ومواطنوهم وسيعاملون معاملة تحفظ لهم كرامتهم وسيجدون السرعة فى إنجاز مصالحهم. غالبية المواطنين فكروا بهذا الشكل ونسوا أن هذا الموظف الذى تطلب منه أن يعاملك معاملة كريمة هو نفسه لو جاء إليك فى مكان عملك لعاملته معاملة غير كريمة. فأنت لو ذهبت إلى مستشفى تجد الممرضة تعاملك بدونية وأنت تتوسل إليها لكى تهتم بك أو بشخص يهمك، ولو أن هذه الممرضة ذهبت إلى قسم الشرطة لأى سبب لوجدت هناك ما لا يسرها، ولو أنك ذهبت إلى البنك لوجدت أناسا من كوكب آخر فى نظرتهم للعملاء بينما لو ذهب موظف البنك إلى مكتب الشهر العقارى لوجد هناك ما يجعله يكلم نفسه. هذه الأمثلة تعنى أن معاملتنا لبعضنا مصدرها مشاعرنا الداخلية، جيناتنا التى تتغير بمجرد أن ندخل أماكن عملنا، شعورنا بأننا نملك مصير الشخص الواقف أمامنا وهو ما يجعلنا نمارس سلوكيات السيطرة والتحكم، يحدث هذا بينما لو قابلت نفس الشخص فى الشارع أو على المقهى لكانت بيننا صداقة. نعامل بعضنا بهذه الطريقة رغم أننا لا نملك سلطة سيادية أى لسنا جميعا من الشرطة فيمكن تفسير سلوك الشرطة التى تتعامل مع فئات مختلفة يكون من بينهم مجرمون.
راقب الشارع وانظر ماذا يفعل سائقو الميكروباص، هم يرون أنك غير موجود سواء كنت قائد سيارة أو من المشاة وهو ينطلق ويضغط على سارينة ذات صوت قاتل مثيرا الذعر فى الناس وهو يصعد الرصيف أو يقفز بين السيارات غير مبال بالآخرين. شاهد التوكتوك وما فعله بنا فهو فيروس قاتل وفى نفس الوقت مدلل فيسير عكس الاتجاه ولا يعاقب ويعطل المرور لأنه ينزل راكبا ولا يهتم وهو بدون تراخيص.. وإيه يعنى؟.
لو رسمت لوحة للشارع تجمع الميكروباص مع التوكتوك مع الباعة الجائلين لوجدت أن عظماء السيريالية والدادائية والانطباعية.. والعباسية.. لن يتوصلوا إلى مثلها فى عبثيتها.
البعض يفسر ما يحدث بأنه تأكيد لكلام الله فى القرآن: «قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو» ـ «طه آية 123».. «..وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو» ـ «البقرة آية 36».