يومــيات الأخـــبار

الحياء مكسب والخجل خسارة

محمد درويش
محمد درويش

محمد درويش

ليس للخجل فى الحياة سوى معنى واحد أو نتيجة وهى أن الناس يأكلون وأنت جائع ويتقدمونك وأنت متردد ويدخلون وأنت واقف بالباب.

هذه المقولة المنسوبة للاديب الكبير الراحل إبراهيم عبد القادر المازنى.. حفظها صاحبنا عن ظهر قلب منذ أن كان الحياء ديدنه وهو مطلوب إلى أن أصبح حالة غلافها الخجل الذى دفع ثمنه فى كثير من مواقف حياته.
كلما تقدم به العمر أيقن ان الحياء الذى هو شعبة من شعب الإيمان أمر مختلف تماماً عن الخجل، الحياء مطلوب ولكن ان يضفى عليه رداء الخجل فذلك هو الخسران المبين، لا رابط بين الحياء والخجل وإلا فما معنى أن ما أخُذ بسيف الحياء فهو باطل، الحياء لن يمنعك أن تقف بالمرصاد لمن يحاولون ان يسلبوك حقك ولكن الخجل من ان توصم بالبخل أو الانانية أو غيرها من الصفات غير الحميدة يجعلك تتنازل عن كثير من حقوقك والنهاية أن الناس يتقدمونك وأنت متردد ويدخلون وأنت واقف بالباب.
فى مقعد الدراسة
دخل الصحفى الكبير مدرج السنة الأولى بكلية الاعلام، كالعادة كان صاحبنا الفتى الخجول يجلس فى نهاية المدرج كما اعتاد دائماً الا يتهافت على المقاعد الأولى كما يفعل الباقون طوال سنوات التعليم.
طرح المحاضر الكبير سؤالاً: ما المفروض ان يكون مانشيتات الصحف الثلاث اليوم - لم يكن هناك غيرها يومية فى ذلك الوقت - بدلاً من مانشيت رئيس الجمهورية الذى كان فى نشاط عادى أمس ورآه كل الناس فى نشرة التاسعة على القناة الأولى.
بمجرد أن سأل الكاتب الصحفى الكبير الذى كان يقوم بتدريس فنون الصحافة لطلاب، الصفين الأول والثانى وطلاب ثالثة صحافة وهم أول دفعة فى كلية الإعلام، بمجرد طرحه ما المانشيت المفروض اليوم؟ جاءت الاجابة على ذهن صاحبنا فوراً: إنه انقطاع التيار الكهربائى أمس فى كل انحاء القاهرة تقريباً واستمراره ساعات حتى عاد مرحليا فى منطقة تلو آخر، لم يكن صاحبنا يتصور أن تتوالى إجابات ثلاثة من الطلاب خطأ وهو متردد خجلاً أن يرفع يده ليعرض الاجابة وظل على تردده إلى أن جاء الرابع بالاجابة المطلوبة فما كان من الاستاذ المحاضر الا أن طلب اسم صاحبها ووعده بالنهاية العظمى فى درجات أعمال السنة وأسقط فى يد الفتى الخجول وهو يعض أصابع الندم وحاله يقول ليتنى كنت جريئا وأجبت بمجرد أن طرح السؤال.
خجل أم مبدأ
شهور قليلة مرت على التحاقه بالعمل متدرباً بالجريدة، كان رئيس التحرير العظيم يقود حملة عن تسبب مصل شلل الأطفال فى إصابة العديدين منهم بالشلل، كانت الحملة حديث مصر كلها إلى أن فوجئ فتانا بأقارب له من بلدته تم حجزهم فى مستشفى اطفال ابو الريش - لم يكن اليابانى قد أنشئ بعد جاءوا بطفلين لهما اصيبا بشلل الاطفال بعد ان تم تطعيمهما بالمصل.
ذهب لزيارتهم مستعيراً كاميرا (ياشكا) التى كان لها شنة ورنة فى سوق التصوير آنذاك وصور الحالتين، ولأنه حريص على ان يقدم موضوعاً متكاملاً فى أولى خطوات حياته الصحفية لم يفكر فى أن يطرق باب رئيس التحرير ويقدم له حكاية الطفلين بالصور وتحقيق خبطة يستحق معها مكافأة محترمة وربما أصدر قراراً بتعيينه متجاوزاً حتى خطوة انتظاره للتجنيد.
فتانا الخجول قرر أن يستكمل موضوعه بالتوجه إلى وكيل وزارة الصحة للطب الوقائى.. رحب الرجل بالفتى ودخل معه فى حوار ابوى قائلاً له: نحن نقدم التطعيم لعشرات الآلاف من الأطفال وربما مئات الآلاف خلال أيام الحملة وإذا افترضنا وطبقاً للقواعد العلمية أن نسبة ضئيلة جداً قد يصيبها شلل الأطفال بعد التطعيم ولكن السؤال إلى كم ستصل هذه النسبة إذا خاف الناس وأحجموا عن تطعيم أطفالهم.
لن أنتظر منك الاجابة. هكذا بادرنى وكيل الوزارة ولكنى أترك لك ضميرك فى أن تقدم ما معك للنشر أو تكفى على الخبر ماجور.
بعد ليلة من التفكير قرر الفتى ان يكفى على الخبر «ماجور» وحتى الآن يتساءل هل كان ما فعله خجلاً من الرجل وكيل الوزارة المحترم أم انطلاقاً من مبادئ عاش عليها منذ نعومة أظفاره حتى اللحظة، هو حتى الآن يحتار فى الاجابة.
الفطنة
اشتهر صاحبنا المستحى بفطنته التى كان خجله يمنعه كثيراً من إظهارها خوفاً من ان تسبب لطرف آخر حرجا إذا كان زميلا له من جيله أو تثير حفيظة أحدهم إذا كان من القيادات، لكنه لم يستطع أن يتغاضى عن خطأ فى مقال لكاتب كبير حيث ظهر فى الطبعة الأولى ما يجب ان يطلق عليه خطأ اسلوبى، أى أن الكاتب يقصد شيئا يتضح من سياق الكلام ويكتب شيئاً مغايراً، عرض على قائد فريق السهرة المخصصة للطبعتين الثانية والثالثة وجهة نظره، وقال له لابد من اعادة صياغة هذه الجملة بهذا الشكل، وعندما تعذر على قائد فريق السهرة الاتصال بالكاتب الذى كان خارج البلاد ولم يكن المحمول قد ظهر بعد اضطر أن يرضخ لوجهة نظره لما اكتشفه زميله (الخجول) وبدلاً من أن يأخذ بصياغته كلف زميلاً يشهد الجميع بكفاءته بأن يعيد صياغة الفقرة كما ألمح إليها الخجلان الذى اكتشفها.
لم يفكر الخجلان فى أن يحمل الطبعتين الأولى بالخطأ الاسلوبى والثانية بعد تعديله ويذهب بهما إلى كاتب المقال ليخبره بأنه مكتشف الخطأ.. هل هو الحياء الذى منعه أم الخجل؟ ربما هذا أو ذاك وربما الاثنان معاً، هو نفسه لا يدرى.
الأكبر يعتذر
منعه خجله الا يلبى دعوة الصحفى القديم ليسترضيه فى إطار عملية خوضه لانتخابات داخل مقر العمل، ذهب إليه ولم يجرؤ على رفض المقابلة، استرضاه واعتذر له أنه لم يكن يعرفه ولا يعرف قلمه عندما وبخه على موضوع قدمه عن سياسى يترصد له هذا الأقدم فى الوقت الذى كان فيه على علاقة طيبة بهذا السياسى فأراد أن يساهم فى صفحات متخصصة يشرف عليها الصحفى الأقدم ولم يدرك أبعاد اللعبة فى هذه الصفحات التى ساهم فيها ذات مرة بموضوع وكتب على لسان مصدر مهم كلاما التزم به وكانت النتيجة تحريف كلام الرجل لينشر عكس ما قاله تماماً بدلاً من حتى حذفه ويا دار ما دخلك شر، وأيضاً لم تكن لديه القدرة على تحديد المسئول عن ذلك فهناك فريق عمل ألقى كل واحد منهم التهمة على الآخر.
المهم دارت السنون وأصبح صاحبنا الخجول من كتاب المقالات وكتب مقالاً ليفاجأ بالأستاذ الذى وبخه ينشر المقال كاملا فى «زاويته» مشيداً بصاحبها وكأنه اعتذار يقول المعنى فى بطن الشاعر، وربما كان ما فعله سابقة لم تحدث فى تاريخ الجريدة.
وتقف سرديات أخينا بين الحياء والخجل وهو على يقين بأنه لو عادت به الحياة لعاش نفس مشاهدها وبكل حذافيرها لولا حدث واحد قد يكون موضوعنا فى اليوميات القادمة إن شاء الله.
الحضرى فى مغارة على بابا
يروق لى أسلوب الزميل إيهاب الحضرى رئيس الدسك المركزى فى جريدة الأخبار التى عاش بين إصداراتها سنوات من عمره بدأها مع ظهور أخبار الأدب برئاسة تحرير الراحل جمال الغيطانى مرورا بعمله فى أخبار النجوم إلى أن اكتسبته صالة تحرير الأخبار منذ سنوات عدة مشرفا على المطبخ الصحفى بها.
يعجبنى فى الحضرى أن لا وقت لديه ليضيعه فهو إما داخل صالة التحرير وبمجرد الانتهاء من آخر خبر للطبعة الأولى يهرب إلى مكتبه ليكتب مقاله الأسبوعى للأخبار أو الآخر لجريدة أخبار الأدب أو يستكمل ما بدأه فى فصل جديد من كتاب يستعد لإصداره بعد كتابه هدير الحجر الذى حرك ماء راكدا فى مجال الآثار المصرية، تلك الآثار التى عشقها إيهاب وأصبح يتحدث عنها هائما بها كأنها واحدة من أفراد العائلة المحدودة التى ينتمى إليها ولا ينسى عائلته المصرية من عصر الفراعنة مرورا بعصريها القبطى والإسلامى.
فى كتابه هدير الحجر كتب بأسلوب الصحافى ما يجذب القارئ العادى غير المتفاعل مع مجال الآثار.
أهم ما فى الكتاب ما أشار إليه إيهاب بأنه إذا كان استعراضا لقضايا نشرها أثناء عمله فى أخبار الأدب إلا أنه ليس إعادة نشر حرفى بل قام بتصرف يسيرا كان أم كبيرا وربما يتضمن الكتاب تفاصيل تنشر لأول مرة، حيث قد يتعامل البعض مع الكتاب باعتباره وثيقة لمرحلة ما أطلق عليها مغارة على بابا فهى مليئة بالثروات ورفع بعض المسئولين عنها شعار استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان.. وهو الكتمان الذى كشفه بقلمه الرشيق عندما تحول صمت الأحجار على يديه إلى هدير يصرخ بالشكوى من عبث لم يفرق بين معبد فرعونى أو أثر قبطى ولا إسلامى.. فالآثار كلها كما يؤكد الحضرى فى الهم سواء.
الشحات شاعرا عائليا
لا تربطنى بالزميل محمد الشحات مدير تحرير أخبار الرياضة زمالة دار أخبار اليوم فقط بل أيضا تربطنا زمالة مدرسة المنيرة الإعدادية بشارع المبتديان بالسيدة زينب، الزميل الذى كانت قصائده هى محور الإذاعة المدرسية فى نهاية الستينيات صدر له الديوان السابع عشر فى مشواره الشعرى بعنوان «سيعود من زمان بعيد»، طوال الشهور الماضية منذ صدور الديوان تناولته العديد من الأقلام فى الصحف العامة والمتخصصة ووصفته بالشاعر العائلى وأيضا نظمت له ندوات عدة كان أبرزها الندوة التى عقدتها نقابة الصحفيين تحت إشراف اللجنة الثقافية ومقررها الزميل محمود كامل.
ربما أبرز وصف لشعر محمد الشحات أن له طريقة خاصة فى الكتابة بين أبناء جيله شعراء السبعينيات حيث انشغل الشحات بالوطن بينما انشغلوا بالغزل والمرأة.
ويستطرد الدكتور أحمد فرحات الناقد الأدبى أن الشحات صوت شعرى تجاهلته أقلام النقاد فعاش منزويا فى مشروعه الشعرى باحثا عن ثغرة ينفذ منها إلى الآفاق فكتب عددا ضخما من الدواوين بلغة ثرية لا تصعب على المتلقى وهى معادلة نجح فيها الشحات بشكل رائع.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي