إنها مصر

شموع الضمير!

كرم جبر
كرم جبر

لا تفرح إذا أبلغك ابنك أنه ضرب زميله فى المدرسة، ولا تقل له «برافو عليك»، ولا تسعدِى إذا اعتادت ابنتك السهر خارج البيت، فالآباء هم السبب فى فساد أولادهم، وقد تكون النهايات مأساوية.
«راجح» نموذجاً وأشعل ثورة «الانتصار للشهامة»، بجريمته النكراء التى حشدت الرأى العام ضده وضد أسرته بشكل غير مسبوق، وهرب محاميه من الدفاع عنه، خوفاً من غضب الناس.
الاستفزاز سبب العداء والكراهية، واستعراض النفوذ والسطوة سكين يذبح صاحبه، فليس معنى أن القاتل من أسرة قوية، أن حق القتيل يُداس بالاحذية، كان يمكن أن يحدث ذلك قبل عصر «فيس بوك».
صاحب النفوذ يزداد نفوذه بالتواضع والتجرد، فلا يمشى فى الأرض مختالاً، ولا يستعرض سطوة زائلة، فلا يوجد قوى وليس هناك من أقوى منه، ولا يوجد ضعيف إلا وهناك من ينصره.
الثراء الحقيقى هو الأخلاق وليس الفلوس، والكلمة الطيبة اكثر مفعولا من التعالى والتكبر، والتعقل وليس التهور، وإذا أكلت «لقمة» اهضمها قبل أن تبتلع غيرها.
تحكى لنا الحواديت عن اسر كان لديها مال قارون، تركته لولد فاسد، فضيعه فى الملذات والمنكرات، وعن أسر فقيرة أورثت أولادها الأخلاق، فأصبحوا رجالاً صالحين يفخر بهم المجتمع.
الثروة ليست أرصدة البنوك ولا السيارات ولا الفيلات، وإنما المبادئ والمثل والقيم، التى تغرسها فى نفوس أولادك، فتحقق لهم السعادة والطمأنينة وراحة البال.
المحروم من الغنى يتصور أن سعادته فى امتلاك الأموال، ولا يعرف أن ثمنها قد يكون حرماناً من أشياء لا تعوضها الأموال، وأيهما أفضل ثرى لا يستطيع أن يبلع الطعام، أم فقير يهضم الزلط؟
أيهما أفضل «البنا» الشهيد أم «راجح» القاتل؟، ولماذا يشعر الناس بأنها قضيتهم وثأرهم، وكانت جنازته ملحمة من الوفاء والدموع، حتى لمن لا يعرفونه ولم يشاهدوه فى حياتهم؟
لأن صور القاتل استفزت الناس، وأيقظت فيهم مواجع وآلاما وتخوفات من استشراء هذا النموذج الهمجى، الذى اقتحم الخطوط الحمراء للأمان، بالهجوم على فتاة فى الشارع، ثم قتل من حاول الدفاع عنها.
لو قالت له والدته وهو صغير: عيب تضرب زمايلك، وراقبت أصدقاء السوء شركاءه فى الجريمة، ما وقع ابنها فى المحظور، وما استهان بحياة أحد، والآن فقط استيقظ على الحقيقة المرة: لن يحميك أحد.
لا تفرحي، لأن الولد «راجل» و«بياخد حقه بدراعه»، فسوف يأتى يوم ينكسر فيه «دراعه» وربما «رقبته»، ولن ينفعه شىء، وأجمل كلمة فى الحياة هى «عيب»، إذا تعلموها ونفذوا قانونها.
ولا تفرحي، لأن البنت كبرت وبتصاحب شبان، وبتمشى مع أشكال مشبوهة، فالعليم هو الستار، ووسعت رحمته كل شىء، ولكن «الستر» لا يدوم، إلا لمن يخشى الله، ويضىء «شموع الضمير».
الأخلاق أفضل المجوهرات، والتواضع أفضل قوة، وولد صالح خير من الدنيا وما عليها.