من وراء النافذة

جاسوس بدون علمه!

هالة العيسوى
هالة العيسوى

مثيرة هى لعبة الجاسوسية بين الدول خاصة حين تكون مما يمكن تسميته بالدول «الأعدقاء»، أى التى يجمع بينها تاريخ طويل من العداوة تحول بمرور الوقت اوتبدل الظروف إلى صداقة، او شراكة او حتى إلى مجرد فتور. هى ذاتها اللعبة التى ينخفض ويرتفع منسوب الإعلان عنها والإفصاح عن تفاصيلها وفقا لظروف العلاقة وهو ما ينطبق على اسرائيل والدول العربية.
تتفنن دولة الاحتلال فى التباهى مع أعدقائها العرب بنجاحها فى تجنيد عملاء فى مواقع حساسة ببلادهم وفى الغالب يكون ذلك مكذوباً جملة وتفصيلا مثلما حدث فى أكذوبتها عن «الملاك» أو أشرف مروان.
فى أكتوبر قبل الماضى فجرت دولة الاحتلال أكذوبة «العميل بابل» وتقصد الراحل أشرف مروان. روجت أجهزة الدعاية الصهيونية من إعلام وطباعة وحركة ترجمة وسينما للجاسوس المصرى رفيع المستوى الذى خان بلاده وأبلغ اسرائيل بمعلومات سرية غاية فى الدقة وبموعد حرب أكتوبر وأطلقت عليه لقب الملاك، وبعد أن افتضح أمر الأكذوبة عززت الاستخبارات الإسرائيلية رسائلها للدول العربية فى اكتوبر الماضى باستعادة ذكرى العميل إيلى كوهين الذى نجحت فى زرعه لدى رأس النظام السورى وانكشف أمره وتم إعدامه فى منتصف الستينيات.
فى أكتوبر الجارى (لاحظ التوقيت السنوي) أعادت فتح ملف إيلى كوهين وفجرت معه صحيفة يديعوت أحرونوت قصة جديدة تتسم بالغموض وان فقدت مهارة الحبكة الصحفية وتشويق الدراما المألوف فى مثل هذه القصص. التقرير العبرى عن العميل رفيع المستوى فى إحدى الدول العربية التى لم يسمها التقرير وأطلقت عليه أجهزة المخابرات الإسرائيلية العميل «توربيدو». وكشفت ان اسمه يبدأ بالحرف «دال»
تقول الصحيفة ان الكشف عن قصة العميل توربيدو تم بمبادرة من الوحدة 504 بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية المكلفة بتجنيد العملاء من خارج البلاد
المثير فى القصة الإسرائيلية ان العميل «توربيدو» يقدم خدمات جليلة لدولة الاحتلال دون علمه! يعنى جاسوس رغم أنفه. التقرير لم يبين ما إذا كان العميل «دال» من أبناء هذا البلد العربى أم لا خاصة انه يعمل فى جهة مرموقة لكنها غالبا منظمة غير عسكرية، ولم يبين التقرير أيضا ما إذا كانت هذه الجهة المدنية حكومية أم لا، فقد تكون إحدى الجهات الاقتصادية أو المالية، وقد تكون جهة بحثية، لكن ما ذكره التقرير أن تجنيد العميل تم عبر عملية معقدة قبل خمس سنوات، وأنه مازال يوفر معلومات ثمينة لإسرائيل دون علمه. وأنهم أداروا حوله شبكة لجمع المعلومات والتوصل إلى النقطة التى يمكن النفاذ اليه منها لاسيما ان من هم فى مثل منصبه يكونون كباراً فى السن ومخضرمين ومتشككين ومن الجائز ان يتكون لديهم إحساس بأنهم يستحقون أفضل مما هم فيه ومن ثم يمكن توظيفهم فى منظمات تستفيد من خبرتهم ولا يمثل التعامل فيها مع إسرائيل خطاً أحمر ولا يثير حفيظتهم.
توقيت إعلان القصة والغموض المحاطة به على الرغم من الزعم بأن كشفها تم بناء على مبادرة المخابرات الإسرائيلية ينم عن ان» أكتوبر» مازال يؤلمهم، وأن رفعت الجمال أو الهجان مازال يؤلمهم وأن الريس زكريا مازال يؤلمهم وحتى أشرف مروان.. مع ذلك فهى فى تقديرى رسالة تحذير لكل منا، فوسائل التواصل الاجتماعى يمكن ان تجعل كلا منا جاسوسا رغم أنفه ودون علمه.