صدى الصوت

«حلب» والهمج!

عمرو الديب
عمرو الديب

يؤسفنى أننى لم اهتد إليها إلا مؤخرا، ولم أعرفها إلا بعد حين، لأنها كنز ثمين اتصلت على بساطه الممتد بنبض أيام مجده، فعلى الرغم من أن تلك الطبعة القيمة من كتاب «بغية الطلب فى تاريخ حلب»، صدرت منذ أشهر عديدة، وقد حصل الباحث الأردنى المضطلع بها وهو د.المهدى عيد الرواضية على جائزة جامعة الدول العربية فى تحقيق التراث العربى من فترة ليست بالقصيرة، إلا أن استقبال الأوساط الثقافية والدوائر الإعلامية المتخصصة فى الأدب والفكر لم يكن على قدر أهمية الحدث، الذى يمثل إعادة اكتشاف أثر فريد فى التراث العربى كاد أن يندثر، فتصدت مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامى لاستعادته عبر إتاحتها للأجيال فى نشرة علمية تزيل عنه غبار القرون، وتبرز التفوق العربى فى علم التأريخ، وتنشر عبير حضارة آخاذ، تتهددها الآن أطماع الجشعين، ويتكالب عليها الخصوم، ومع حزنى على عدم الاهتداء إلى تلك النشرة الحدث فى أوان ظهورها، إلا أن للأقدار ترتيبا عجيبا، وإرادة ذات معنى بليغ دائما، فقد تعرفت على هذا الأثر الفريد فى نشرته القيمة فى آونة مضطربة تشبه الأجواء التى عاشها مؤلف الكتب المؤرخ كمال الدين بن العديم المتوفى عام 660 هجرية، فقد شهد زحف التتار الهمج على موطنه الأثير، وعاش مأساة دمار منطقة حلب فى شمال سوريا، ففر لائذا بأحضان مصر التى كسر جيشها الموعود دائما بالمهام الجسام شوكة التتار، وشتت جموعهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد عاد أشباه التتار فى صورة جديدة يحملون الدمار والتخريب إلى تلك البقاع العزيزة من عالمنا العربى، وها هم الآن يكررون «سيناريو» الخراب، وقد بدأت جحافلهم الهمجية هجوما بمنطقة شرق الفرات تحت مزاعم واهية، للسطو على تلك المناطق الغنية بالثروات الطبيعية الهائلة، فعلى امتداد تلك المنطقة التى يحاول الهمجيون الآن ابتلاعها واستلاب كنوزها، يمثل التاريخ حاضرا وكأنه من لحم ودم، وتتقاطر الذكريات العزيزة وكأنها سيل منهمر، ففى منطقة شرق الفرات وغربيه، وما كان يعرف ـ قديما - بمناطق «جند قنسرين» ترتفع الصروح الشماء الشاهدة على مجد العرب، وأصالة وروعة ما قدمته إلى الدنيا بلسان عربى مبين، ويريد الهمج الآن الإطاحة بالشواهد والمشاهد وسلب الهوية وسرقة التاريخ، فهل نحن منتبهون؟!