حبوا بعض

من أنا

أمنية طلعت
أمنية طلعت

من أنا؟ أو من أنت؟ يبدو السؤال وكأن إجابته تلقائية. فأنا ببساطة يمكننى الإجابة بالقول: (أنا أمنية طلعت السيد)، ولكن رغم أن الإجابة تبدو صحيحة تماماً وفقاً للمعلومات المدونة فى البطاقة الشخصية، إلا أنها ليست الإجابة الصحيحة، فأنا أو أنت لسنا اسمنا فقط، أو مهنتنا، أو حالتنا الاجتماعية. نحن أكبر من ذلك بكثير، لدرجة أن الإجابة على سؤال: من أنت؟ تكون صعبة وشديدة التعقيد، بل إن هناك كثيرين، عاشوا وماتوا ولم يستطيعوا الإجابة على السؤال، بل ربما لم يفكروا فى أهمية الإجابة من الأساس، فعاشوا حياةً ليست لهم بأسماء تقوم بوظيفة أقرب لأسماء الشوارع أو الميادين، أو حتى العلامات التجارية للملابس أو الأجهزة الكهربائية، مجرد يافطة على جسد بلا هوية.
أغلبنا يعيش حياةً مطلوبة منه، أو بمعنى أصح يعيش خطة وضعها غيره لحياة لم يختر أيا من تفاصيلها منذ ولادته وحتى مماته، ونظراً للرحى الدوارة التى تجرى فوق أجسادنا كل يوم، تتوه أرواحنا ولا تدرك أى الطرق تسلك، ولا تجد حتى الوقت لكى تفكر فى الإجابة، أو حتى لكى تبحث عن شكل الحياة التى ترغب فى أن تهيم بين جوانحها على الأرض، لذلك فنحن دائماً ما نتعامل على أساس أن هناك كثيرا من «اللزوميات»، لازم تذاكر، لازم تنجح، لازم تتزوج، لازم تنجب، لازم تتوظف، لازم تشترى شقة، لازم تشترى عربية.. إلى آخره من اللزوميات، التى يضيع بسببها العمر وتنسحق تحت أقدامها كل سبل الإحساس بالسعادة، ونظل نسأل: ما هى السعادة؟ فيجيبون علينا بإجابات نمطية خارجة من قوالب جاهزة تنام فوق الأرفف منذ أزمنة بعيدة وتخرج وقت اللزوم لتجيب على تساؤلاتنا فى الحياة، ثم تعود داخل الظلام الذى تسكن داخله، بينما تتركنا نجرب السعادة من خلال الخطة المقولبة التى نتوارثها، دون أن يتوقف واحد منَّا ويعلن تمرده ورفضه تاركاً هذا الطابور الطويل المنتظم من البشر والذى يسير منوماً ليقع واحد تلو الآخر فى هوة الزمن ويموت وهو لم يعش يوماً فعلاً.
تحتاج الإجابة على سؤال الهوية ذلك كفاحاً طويلاً من البحث عن الإجابة، فالإجابات الحقيقية ليست مقولبة، وكل واحد فينا لديه إجابته المختلفة عمن يجاوره، فالوصول إلى الهوية الحقيقية هو الذى يحقق السعادة، هذا الهدف الذى يبدو تحقيقه لأغلب الناس من سكان الأرض، مجرد خيال ميتافيزيقى لا علاقة له بالواقع، لكنه يتحقق إذا ما عشنا هويتنا الأصيلة. تلك الهوية التى قد تستهلك عقوداً للوصول إليها، لكنها تستحق هذا العناء، فأن تعرف من أنت وتعش نفسك، هدف لعمرى يستحق الموت دونه.