في ذكرى ميلاده الـ 218

بروفايل| «رفاعة الطهطاوي»..رائد التنوير وأبو الترجمة

رفاعة الطهطاوي
رفاعة الطهطاوي

«حب الوطن من الإيمان ولأرضك حرمة وطنها كما لوالدتك حق لبنتها»..أشهر أقوال المفكر الكبير أبو الترجمة في مصر والعالم العربي الراحل الإمام رفاعة الطهطاوي، الذي نحتفل اليوم بالذكرى الـ 218 على ميلاده، ليصبح سراجًا يهدي إلى طريق التنوير.

 

ميلاد رفاعة الطهطاوي
وُلد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر 1801، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر.

 

 لقى رفاعة عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده رجع إلى موطنه طهطا، ووجد من أخواله اهتماماً كبيراً حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئا من الفقه والنحو. 

 

 التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف.. وغير ذلك. 

 

في عام 1826 قررت الحكومة المصرية إيفاد بعثة علمية إلى فرنسا لدراسة العلوم والمعارف الإنسانية، وقرر محمد علي أن يصحبهم ثلاثة من علماء الأزهر الشريف لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم. وكان رفاعة الطهطاوي واحدا من هؤلاء الثلاثة، ورشحه لذلك شيخه حسن العطار. 

 


تعلق رفاعة الطهطاوي بالفرنسية فتح له باب التنوير
 بدأ رفاعة في أثناء ذلك تعلم اللغة الفرنسية ولذلك قررت الحكومة المصرية ضم رفاعة إلى بعثتها التعليمية، وأن يتخصص في الترجمة، وقبل أن يتقدم رفاعة للامتحان النهائي كان قد أنجز ترجمة اثني عشر عملاً إلى العربية. وذهب كإمام ولكنه إلى جانب كونه إمام الجيش اجتهد ودرس اللغة الفرنسية هناك وبدأ بممارسة علم الترجمة، وبعد 5 سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة "تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز" 

 


مدرسة الألسن .. بداية طريق رفاعة الطهطاوي للتنوير
 عاد رفاعة لمصر سنة 1247 هـ / 1831 مفعماً بالأمل منكبّاً على العمل فاشتغل بالترجمة في مدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية.


 وافتتح سنة 1251هـ / 1835م مدرسة الترجمة، التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن وعُيـِّن مديراً لها إلى جانب عمله مدرساً بها، وفي هذه الفترة تجلى المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوي ووضع الأساس لحركة النهضة التي صارت في يومنا هذا، بعد عشرات السنين إشكالاً نصوغه ونختلف حوله يسمى "الأصالة أم المعاصرة". 

 

كان رفاعة أصيلاً ومعاصراً من دون إشكالٍ ولا اختلاف، ففي الوقت الذي ترجم فيه نصوص الفلسفة والتاريخ الغربي والعلم الأوروبي المتقدِّم نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع. 


وظل جهد رفاعة يتنامى بين ترجمةً وتخطيطاً وإشرافاً على التعليم والصحافة، فأنشأ أقساماً متخصِّصة للترجمة "الرياضيات - الطبيعيات – الإنسانيات" وأنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية. 

 

 

رفاعة الطهطاوي..صاحب «الوقائع المصرية»
وكانت ضمن مفاخره استصدار قرار تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية "وهي العلوم والمعارف التي تدرَّس اليوم في بلادنا باللغات الأجنبية" وإصدار جريدة الوقائع المصرية بالعربية بدلاً من التركية، هذا إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته، وعشرات غيرها أشرف على ترجمتها.

 


رفاعة الطهطاوي في المنفى
 وهكذا عَبَس وجه الثقافة، وعُوِّقَ رفاعة عن مشروعه النهضوي الكبير، ولكن  رفاعة لم يعبس ولم يعاق، فواصل المشروع في منفاه، فترجم هناك مسرحية "تليماك لفنلون"، وجاهد للرجوع إلى الوطن وهو الأمرُ الذي تيسَّر بعد موت الخديوي عباس وولاية سعيد باشا، وكانت أربعة أعوام من النفي قد مرَّتْ. عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية لنشر العلم بين الناس وعاود عمله في الترجمة "المعاصرة" ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربي "الأصالة".

 


«عباس الأول» يغلق مدرسة الألسن
 ظلت المدرسة خمسة عشر عامًا، كانت خلالها مشعلاً للعلم، ومنارة للمعرفة، ومكانًا لالتقاء الثقافتين العربية والغربية، إلى أن عصفت بها يد الحاكم الجديد عباس الأول، فقام بإغلاقها لعدم رضاه عن سياسة جده محمد علي وعمه إبراهيم باشا وذلك في سنة "1849م". 

 

كما أمر بإرسال رفاعة إلى السودان بحجة توليه نظارة مدرسة ابتدائية يقوم بإنشائها هناك، فتلقى رفاعة الأمر بجلد وصبر، وذهب إلى هناك، وظل هناك فترة دون عمل استغلها في ترجمة رواية فرنسية شهيرة بعنوان "مغامرات تلماك"، ثم قام بإنشاء المدرسة الابتدائية، وكان عدد المنتظمين بها نحو أربعين تلميذًا، ولم يتعالى المربي الكبير أن يدير هذه المدرسة الصغيرة، ويتعهد نجباءها برعاية خاصة. 

 

 

توفى رفاعة الطهطاوي سنة 1290 هـ/1873م وقد خلف ورائه موروثأ كبيراً من المعرفة في العلوم والترجمة ليكون رفاعة الطهطاوى رائد الترجمة في العصر الحديث.