الذكرى الـ87 لرحيل أحمد شوقي

«الحسد والمرض ونبؤة الموت».. غرائب في حياة أمير الشعراء 

أمير الشعراء أحمد شوقي
أمير الشعراء أحمد شوقي

كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، حتى بزغ نجم بعض الشعراء العظام ليعيدوا إحياء فن الشعر من جديد.

كان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس بكلامه، وأشجى القلوب بأبياته.

وفي مثل هذا اليوم 14 أكتوبر 1932، رحل أمير الشعراء أحمد شوقي، ولذلك نتعمق في بحور شخصية شوقي وحياته لنعرف أغرب المواقف والمعتقدات في حياته.

 

 ميلاد أمير الشعراء أحمد شوقي 
ولد أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك بحي الحنفي بالقاهرة في 23أكتوبر 1868م ، وأختلف الكثيرون على أصوله ولكنه ذكر في الشوقيات أنه عربي، تركي يوناني، جركسي، بجدته لأبيه.

 

وقال شوقي: "إن مصر هي بلادي وهي منشأي ومهادي ومقبرة أجدادي، ولد لي بها أبوان، ولي في ثراها أب وجدان، وببعض هذا تحب الرجال البلدان".

«الخديو إسماعيل» ينثر الدهب تحت قدم «أمير الشعراء»
أخذته جدته لأمه من المهد وتكفلت به وكانت تعمل بقصر الخديو إسماعيل وفي إحدى الأيام دخلت به على الخديو وكان شوقي في الثالثة من عمره وكان بصره لا ينزل عن السماء من اختلال أعصابه، فطلب الخديوي بدرة من الذهب ثم نثرها على البساط عند قدميه، فوقع شوقي على الذهب وأنشغل به وقال الخديوي "جيئي به متى شئت، فإني أخر من ينثر الذهب بمصر" .

مراحل تعليم أحمد شوقي 
وفي الرابعة من عمره التحق شوقي بكتاب الشيخ صالح، ثم انتقل إلى مدرسة المبتديان الابتدائية، فالتجهيزية، ثم التحق أخيرا بمدرسة الحقوق وتخصص في الترجمة.

وفي ذلك الوقت صدر مرسوم من المعية السنية بطلب شوقي ، وبعدها سافر شوقي إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق وقد حسمت تلك الرحلة منطلقات شوقي الفكرية وربطته حين ذاك صداقة بالزعيم مصطفى كامل.

«أمير الشعراء» بين مدح الخديو عباس والمنفى
عاد شوقي إلى مصر يتجه بشعره إلى مدح الخديو عباس الذي كانت سلطته مهدده من الانجليز، ثم نفي شوقي إلى أسبانيا.

 

«غربة وحنين»..أندلسيات أحمد شوقي في المنفى
وكانت فترة المنفى هي أصعب فترات حياة شوقي وأسرته إلى أن اعتاد عليها وقرر إصدار أندلسياته ومن أشهر ما كتب شوقي في منفاه قصيدة تعبر عن الغربة والحنين إلى الوطن حيث قال :
اختلافُ النَّهارِ واللَّيْلِ يُنْسِي *** اِذْكُرَا لي الصِّبَا وأَيَّامَ أُنْسِي
وَصِفا لِي مُلاوَةً مِنْ شَبابٍ *** صُوِّرَتْ مِنْ تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عَصَفَتْ كالصَّبَا اللَّعُوبِ ومَرَّتْ *** سِنَةً حُلْوَةً ولَذَّةَ خلْسِ
وسَلا مِصْرَ هَلْ سَلا القَلْبُ عَنْها *** أَوْ أَسَا جُرْحَهُ الزَّمانُ المُؤَسِّي؟

 

وبعد عودته من منفاه استقبله الناس بحب وحفاوة شديدة وكان لذلك أثره الإيجابي عليه، ولكنه حين وصل القاهرة لم يرغب بالعيش في منزله القديم بالمطرية الذي كان يحبه جدا وأطلق عليه "كرمة بن هانئ "وذلك من حبه الشديد لأبي النواس ,الحسن بن هانئ الذي اختاره في هذا المكان ليكون قريبا من قصر القبة ليكون بالقرب من الخديوي عباس ولكن بعد تغير الأوضاع لم يجد شوقي سببا للبقاء .

«كرمة بن هانئ»..صالون ثقافي على ضفاف النيل 
وقام شوقي باختيار مكان كرمته الجديدة بالجيزة على ضفاف النيل الذي عشقه كثيرا وحسب وصف نجل شوقي" حسين" أنه كان باستطاعتهم وقتها أن يروا الأهرامات بالعين المجردة والتي كان أبيه مغرما بها أيضا.

 

«أمير الشعراء» تبنى «موسيقار الأجيال» فنيًا لمدة ست سنوات 
ومن شدة حب شوقي للفن والإبداع جعل بيته صالونا ثقافيا للفنانين والمبدعين، حيث يوجد بمنزله جناح لمحمد عبد الوهاب وذلك لكثرة حب شوقي لفنه وصوته، فقد أقام عبد الوهاب مع شوقي مدة حوالي ستة سنوات وكان عمره حين ذاك ثلاثة عشر عام تقريبا.

 

«غرائب» في حياة أمير الشعراء 
ومن غرائب حياة أمير الشعراء أحمد شوقي أنه كان لديه بكرمته الأولى كل ما يتخيله البشر من الحيوانات الأليفة وغيرها من بينها "الكلب والحصان والقردة والتماسيح".

 

أطفال أمير الشعراء الذكور يرتدون ملابس الإناث 
ترك أمير الشعراء مجموعة من الصور الفوتوغرافية لأسرته ومازالت موجودة بمتحفه الذي أقيم ببيته ومن الغريب والمثير للفضول لماذا يظهر في الصور ثلاث بنات على الرغم من أن شوقي أنجب، ولدين وبنت وهم " علي وحسين وأمينة"، 
ولكن كان الولدين في معظم الصور يظهرون بلباس وحلي الإناث وشعرهم طويل جدا ويرجع سبب ذلك لأصول أم شوقي التركية حيث كان الأتراك في ذلك الوقت من عادتهم إخفاء الأطفال الذكور خوفًا من الحسد  ويظنون أنهم بذلك لن يضروا.

 

رابطة العنق ...عقدة أمير الشعراء أحمد شوقي
وكان لشوقي معتقداته الخاصة فهو طوال حياته لم يرتدي رابطة عنق لأنها تذكره بالمشنقة وكان يستبدلها بالببيون، وإذا رآه أحدا صيفاً أو شتاءً فهو يرتدي ملابسه كاملة والمصنوعة من الصوف وذلك خوفا من المرض، وكلما مات أحد أصدقائه اكتئب وأنعزل عن الناس لفترة حتى ينسى.

 


نبؤة الموت أخافت شوقي ولكنها تحققت
وكما كانت حياة شوقي مليئة بالغرائب إلا أن نهايتها كانت غريبة أيضًا... فعند وفاة الشيخ محمد عبده سنة 1905م وقف على قبره سبعة من الشعراء يلقون قصائدهم ،وكان أولهم حفني ناصف وأوسطهم حافظ إبراهيم وأخرهم شوقي.

 

 وتنبأ أحد الأدباء بأن هؤلاء الشعراء سيموتون بحسب ترتيبهم إلقاء القصائد على قبر"الشيخ محمد عبده"، فمات حفني ناصف وأعقبه حافظ إبراهيم، فأيقن شوقي أن أجله قد قرب فحزن وسافر إلى الإسكندرية كأنما يهرب من مصيره المحتوم ثم عاد بعد فترة للقاهرة ولكن مات شوقي فجر 14 أكتوبر1932 م، وذلك في نفس العام الذي مات فيه حافظ .

 

 وصية أمير الشعراء في قصيدة
 ونظم  أمير الشعراء قبل وفاته أبيات يترك بها وصيته جاء فيها:

ولا تلقوا الصخور على قبري
ألم يكف هما في الحياة حملته
فأحمله بعد الموت صخرا على صخر .