صاحبة رواية «الثبات الانفعالى»: هناك مكان محجوز فى سجل الخالدين لكل مبدع حقيقى!

الأديبة والناقدة د.سهير المصادفة
الأديبة والناقدة د.سهير المصادفة

لم تكن الرواية عشقها الوحيد ككثيرين، فقد أنجزت الأديبة والناقدة د.سهير المصادفة دواوين شعرية، وأصدرت العديد من قصص الأطفال فضلًا عن مترجمات من الأدب العالمى، ولكنها حين خاضت غمار الرواية، اكتشفت أن بصمتها فى ذلك الميدان جاءت بارزة، فمنحت مشروعها الروائى وقتًا أكبر، أثمر نصوصًا لافتة، أحدثت أصداء طيبة منها: «لهو الأبالسة»، و»ميس إيجيبت»، و»رحلة الضباع»، و»بياضٌ ساخن»، و»لعنة ميت رهينة،وجاء أحدثها بعنوان:»يوم الثبات الانفعالي» وقد انطلق حوارنا من هذه المحطة الأخيرة...

حينما تذهب المصادفة إلى مقر عملها كرئيس لقطاع النشر فى الهيئة المصرية العاملة للكتاب- على كورنيش النيل-، تمر دائما على مثلث ماسبيرو، وتتساءل من هم سكانها؟، هذا ما فعلته سهير فى رصد حياة أهل المنطقة عبر روايتها الجديدة التى تحكى عن «راوية» –أحد سكان مثلث ماسبيرو-التى تعمل معدة برامج تليفزيونية فى المبنى العريق نهارا، ومطربة فى أحد الملاهى ليلا، حيث تحدث جريمة قتل، تجعل بطلة الرواية فى حالة مواجهة أمام ذكرياتها وماضيها، وتحدثنا سهير عن روايتها الصادرة عن دار إبيدى عبر أسئلتها عن إجاباتها عن أسئلتنا:
 أوًّلا تحضر التقنيات الحديثة بقوة فى الرواية، وبعد صدورها وتوزيعها، أعلنت على صفحتك الشخصية فى موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» بأن رجلًا اتصل بك يقول بأنه بطل روايتك، فكيف تعاملت مع هذا الموقف؟
ــ أبطال الرواية من الشباب، مجموعة من الشباب الفقراء الذين يسكنون حيًّا فقيرًا،ويحاولون صعود السلم الاجتماعى من خلال امتلاكهم للعلم والتكنولوجيا، ومرورهم بتجربة فريدة؛ حيث تدعوهم جهة مجهولة لقضاء يوم على جزيرة مهجورة، يقومون خلاله بتدريبات شاقة على الثبات الانفعالي، لتبدأ منه ومعه الأحداث، وتتغير مصائرهم بالفعل بعد هذا اليوم الذى يطلقون عليه: «يوم الثبات الانفعالي»، بالتأكيد الشباب يتواصلون ويواصلون صعودهم المهنى والعملى من خلال استخدام التقنيات الحديثة، والطريف بالفعل أنه بعد حفل توقيع روايتى بيومين جاءتنى هذه الرسالة: «أنا بطل روايتكِ، فهل هذا عمدا أم مصادفة»، لم يكن القارئ من أصدقائى فأضفته إلى القائمة وشرحت له، وكذلك فعل النقاد من أصدقائنا على الصفحة، بأن الشخصيات النمطية فى الروايات، سيشعر الكثير من الناس أنها تتشابه معهم، أو أنها تحديدًا تصفهم، أما أنا فكتبت له: «غريب والله أمر هذا الخيال الذى يمكنه أن يتقاطع ببساطة مع الواقع؟!
 توجد حالة فلسفية حول اختفاء الإنسان والأماكن من الحياة... تتساءل بطلة الرواية عن سبب اختفاء الذكريات من حياتنا، إلى أين تذهب الذكريات؟
ــ أظن أن لا شيء يضيع أبدًا وينتهى تمامًا، أعرف أن كل صوت، كل نأمة صدرت عن الإنسان قابعة فى مكان ما حتى بعد موته بملايين السنوات، هكذا كانت ترجنى فكرة: اللوح المحفوظ لدى الصوفيين. أظن أن لا شيء يضيع، وأن الذكريات والمشاهد والمحبة والكراهية وكل ما يصدر عن الحياة معلقٌ فى مكان ما فى أثير ما.
بدائل الأدب
 هل تجيب رواياتك عن الأسئلة المطروحة فى الواقع؟
ــ بدائل الواقع وإجاباته ليس من المفترض أن تجيب عن أسئلة الرواية، فالرواية بذاتها عالم مخلوق قد يكون بطينة الواقع ولكنه مختلف عنه وسابق له، الروايات الكبرى الجيدة هى التى تلهم الواقع وليس العكس، هى التى تفتح له آفاقًا ليفكر ويتحرك بطريقة مختلفة وبشكل أسرع، عندما نتأمل المنجز الروائى المكتوب عن فترة الفصل العنصرى «الأبارتيد»، نندهش أنه لم ينطلق من أسئلة الواقع ولا من إمكانية طرح الواقع لبدائل، وإنما انطلق فى معظمه من حقيقة أن الزنوج بشر ولديهم مشاعر وبواطن عبقرية، ربما تفوق العرق الأبيض الذى يتاجر فيهم بيعًا وشراء، كان الواقع يطرح الأمر كأحد المستحيلات السبع، فالاقتصاد والبنية الاجتماعية آنذاك ورأى أكثرية من العبيد أنفسهم لا توافق على هذا التحرر، حيث إنهم لم يعرفوا حياة سوى الحياة التى عاشوها، ولكن الأدب والفلسفة اقترحوا بدائل نجح بعضها بصورة مذهلة
كيف يفرض الإبداع الراقي نفسه؟
ــ هذا ما يجعل كل المبدعين الحقيقيين مطمئنين على مر التاريخ، يواصلون مشوارهم الإبداعى وهم يعرفون جيدًا أن الإبداع الراقى يفرض نفسه على الجميع ولو بعد حين. توجد مقولة شهيرة يرددها جميع المبدعين: أنه لو اجتمع العالم بأسره لسلب أو تعطيل موهبة منحها الله لأحد عباده، لما نجح العالم بالطبع. قد يتأجل الاعتراف بمبدع رائع وحقيقى لبعض الوقت ولكنه يعرف قبل الجميع أن مكانه محجوز فى سجل الخالدين، قد يتم التنكيل بأحد المبدعين ماديًّا كما حدث مع «بيتهوفن» الذى مات وهو لا يجد ثمن صابونة يغتسل بها، أو معنويًّا وأدبيًّا مثلما حدث مع أديب روسيا الشهير «بولجاكوف» أو الشاعرة الشهيرة «أنَّا أخكاتوفا»، ولكنهم كانوا يعرفون جيدًا أنهم خالدون، وإلا لماذا كانوا قد واصلوا الكتابة والتأليف كل يوم على الرغم من ظروفهم المروعة؟!
الحكاية الام
 دائما نرى أن جريمة القتل جزء أساسى فى أغلب أعمالك فما سر انجذابك لهذا النوع؟
ــ  منذ الحكاية الأولى ــ الحكاية الكبرى الأم، وأعنى بها حكاية شجّ قابيل لرأس أخيه هابيل ــ لا توجد حكاية كبرى إلا ومنطلقة من القتل، من قطف الروح عمدًا ومع سبق الإصرار؛ حيث تبدأ من هنا الدراما والخطايا والتناسل والشعور بالذنوب والغفران، أى تبدأ من هنا الحياة؛ ولذلك كانت أعظم الروايات على مر التاريخ بالنسبة لى هي: «الإخوة كارامازوف» و»الجريمة والعقاب» لدوستوفيسكي، و»اسم الوردة» لأمبرتو إيكو، و»العطر» لباتريك زوسكيند، و»اللص والكلاب» و»الحرافيش» لنجيب محفوظ، و»سرد أحداث موت مُعلن» لماركيز. لطالما شغل الروايات الكبرى هذا الهاجس الفلسفي: «إن الصراع فى الحياة هو بين قاتل وقتيل، ليس أكثر»، والمدهش أننا نشاهد كل يوم ملايين الحكايات، أبطالها هم القتلة والمقتولين؛ ولذا أرى الواقع أكثر قسوة من الخيال. ألا يصيبك الذهول مثلى حين ترى شابًّا يقتل المسالمين قتلًا عشوائيًّا، ويروع الآمنين لمجرد أنه يحلم بالعودة إلى القرن الأوّل الهجرى ليعيش هناك أو بحور العين فى الجنة، أو حتى لتحقيق حلم مخبولٍ يريد أن يكون سلطان العالم من جديد؟!.