ذات الصوت المسكون بشجن الأبنودى: كل الناس فى قريتى ينشدون الشعر!

حبيبة الزين
حبيبة الزين

ينساب صوتها عذبا صاعدا من الجنوب إلى الشمال، وكأنه النيل العذب المتدفق من الأراضى السمراء، ويدوى صدى كلماتها النابضة فى  الأرجاء كلها، كما الطمى الدافئ الذى ينتشر على الضفاف مهدياً الخصب إلى شتى الربوع.

إنها حبيبة الزين شاعرة لها نصيب كبير من اسمها قادمة من أرض الشعر والحواديت وأشجار النخيل والبيوت المبنية من الطين البلاد التى يرى أصحابها أنها أجمل بلاد الدنيا وإذا اضطروا إلى تركها ورحلوا يعودون إلهيا ليموتوا بين أشجار النخيل وفى الليالى إذا غاب القمر واستقر على فراشه الوثير فوق الرمال الناعمة الصفراء خلف التلال الغربية هناك يلتقى الاصدقاء والأحبة، ويتبادلون ما يطلق عليه «النسيم» وهى مجموعة أشعار متداولة ومرتجلة وعفوية، وكذلك ما يطلقون عليه «فرش وغطا» أى يبدأ الواحد بقول شطر من الشعر ثم يكمله الآخر، فى هذا الجو البديع نشأت «حبيبة» وسط عائلتها وأبيها الذى كان يجيد قول الشعر فبدأت، وهى صغيرة تقول الشعر أيضا وأعجبت جدتها القول فمنحتها بركتها ورضاها وشاعرتنا يبلغ عمرها 22 عاما من أسوان، تنشد شعر العامية فترتجف القلوب والأعين من همس كلامها، تعشق عمتها «ركابية» فكتبت عنها قصيدة تخلدها بها فى أذهان وأسماع من انصت إلى صوتها فى الندوات واللقاءات التليفزيونية.

تقول حبيبة: بدأ مشوارى مع الكتابة بنصوص أشبه بالحواديت وكان يسمعها الأهل وأصحابى ثم بدأت فى الشعور بأن هناك شيئا له قيمة أكتبه منذ التحاقى بالجامعة وانتسابى إلى قسم الفلسفة بكلية الآداب حيث منحتنى الفلسفة براحا أكبر فى التفكير والانطلاق إلى عوالم جديدة على لا تسمح بالحواجز والقيود وتجعلنى أطير بجناحين إلى عالم من السمو والجمال فاكتشفت شعر العامية الذى يلائمنى وبدأت آخذ الموضوع بشكل علمى وبدأت دراسة الشعر وما هو الوزن والقافية.

 وتضيف «حبيبة» بدأت تجربتى الأولى فى إلقاء الشعر وعمر ١٨ عاما عندما ذهبت إلى مدير الانشطة فى ساقية الصاوى واسمه «أحمد عبدالجواد» الذى ساعدنى  وآمن بى بشرط أن تكون هناك مجموعة من سنى، فقمت بعمل جروب أسميته «زحمة حروف» طلبت فيه من الاصدقاء من جميع محافظات القاهرة الانضمام إليّ، وكانت النتيجة مبهرة فتجمع عدد كبير وفيه من يكتب الفصحى والعامية وبدأنا نستمع إلى بعض وكان ذلك عام «2015» فى شهر مارس وكانت تجربتى فى الوقوف على المسرح وتقول ضاحكة كانت قصيدة «وحشة قوي» واسمها «حضرة الشخص الذي» وبرغم ذلك فإن هناك كثيرين صفقوا لى.

مبهورة بالخال
ذلك تفرقت بنا السبل مع المجموعة وتوقف البعض عن الكتابة والآخر اتجه إلى مجال مختلف وهكذا هى الحياة.
وتمضى حبيبة قائلة: فى بلادى «قرية الجعافرة» الكل ينشد الشعر، فعمتى  وهى تخبز أمام الفرن تغنى أغانى من تأليفها وهى «ركابية» التى نشرت قصيدتها فى صفحة الأدب بجريدة الأخبار وتضيف للأسف أفتقدنا من يستمع إلينا ويوجهنا وكنا نسمع بعضنا البعض ولو كنا وحدنا الدليل لوفرنا على أنفسنا وقتا كبيرا، وترى ان أباها الروحى فى شعر العامية هو عبدالرحمن الأبنودى الذى أعتبر صوته وحده «شعرا» أغانيه شعر خالص حتى كتابته النثرية شعر خالص، وكذلك فؤاد حداد الذى تعرفت عليه بعد فترة.

وتقول عاشقة الأبنودى ألقيت أشعارى عدة مرات على مسرح ساقية الصاوي، وعلى مسرح ناصبيان فى رمسيس، وعلى المسرح الصغير فى دار الأوبرا وعلى مسرح العقاد فى أسوان وتعترف حبيبة بقولها: لا أفكر الآن فى نشر أشعارى لأنى مازلت غير مقتنعة بأننى وصلت إلى مرحلة الابداع التى أريد أن أصل إليها والاقناع بما أكتب.

قصائد فى المندرة
وتواصل الشاعرة الجنوبية حديثها مضيفة .. فى محاولة لنشر إبداعاتى أنا وأصدقاء لى من الجنوب افتتحنا مكانا أطلقنا عليه «اسم المندرة» فى وسط البلد يعقد فيه ندوات وأمسيات شعرية وأنا مسئولة عن التخطيط لها، وقد خصصنا غرفة لاسم الأبنودى وأمل دنقل، وقد اخترنا هذا الاسم الذى نطلقه فى أسوان على غرفة الضيوف ومن هنا جاء هذا الذى يدل معناه على الترحيب والضيافة واستقبال من نحب، كما أن لدينا صالة كبيرة نعرض فيها أفلاما متميزة تمثل علامة فى تاريخ السينما المصرية وقد أقمنا أمسيات فى ذكرى «أمل دنقل» و«الأبنودي» وتقول حبيبة «المندرة» تهدف فى البداية إلى نشر الوعى والثقافة الشعرية لجيل من الشباب لا يجد من يوفر له هذه الميزة.