إنها مصر

«الممر».. مجرد بداية!

كرم جبر
كرم جبر

فيلم «الممر» غير «مود» المصريين، ورفع معدلات الوطنية، شاهدناه بمشاعرنا وأحاسيسنا، وهذا هو الفن الذى نريده، حتى فى القصص العاطفية، لإرشاد الناس وليس لإفسادهم.
الأطفال فى البيوت سهروا حتى الواحدة صباحاً، رغم إن تانى يوم مدارس، يتابعون بشغف، ولم تنجح الأمهات فى إقناعهم بالنوم، ومشاهدة الإعادة فى اليوم التالى.
«الممر» عودة إلى الفن الجميل، الذى يغيب منذ سنوات طويلة، فلا نرى إلا أعمالًا تافهة وقصصًا مهترئة، وحكايات لا تمت للواقع بصلة، وعشنا أسرى لسينما المقاولات، التى أفسدت الذوق وهدمت العمارات.
لماذا هجر الناس السينما، وتراجعت الفنون المصرية الأصيلة؟.. لأن الدولة انسحبت من الساحة، فحل محلها تجار الخردة واللحوم الفاسدة، والسماسرة الباحثون عن مكاسب طائرة.
خطة ضرب الفن المصرى، والقضاء على القوة الناعمة واستنزاف المخزون الإستراتيجى الذى نلجأ إليه فى التحديات والأزمات.. فنحن اليوم لا نجد أفضل من أغانى عبد الحليم حافظ وأم كلثوم لإعادة أغانيهما فى المناسبات الوطنية.
قال لى مطرب كبير منذ فترة، إن شركات الإنتاج الكبرى ذات الأموال العربية، تتعاقد مع المطربين والمطربات المصريين الكبار، ليس من أجل أن يغنوا ولكن لتمنعهم من الغناء، بمقتضى العقود الاحتكارية.
والهجوم الذى تعرض له الفن المصرى لم يشمل السينما فقط ولا الأغانى، وإنما أيضاً المسلسلات، فأغرقونا بالتركية والهندية، وأصبح المسلسل المصرى غريباً فى وطنه، واعوجت ألسنة الأمهات والأولاد فى البيوت بلهجة غير مصرية.
مصر بدأت تسترد سوق المسلسلات فى السنوات الأخيرة، وعاد المسلسل المصرى قوياً ومنتشراً، وتترسخ السيادة إذا تم انتقاء قصص ذات مضمون جيد، مع استعادة الفنانين المتعطلين، وتقليل حدة الغضب.
أتمنى أن يكون «الممر» مجرد بداية:
بداية لعودة السينما المصرية الأصيلة، الرابضة فى قضايا وهموم ومشاغل الوطن، والمعبرة عن المصريين بمشاكلهم السياسية والاجتماعية، والكاشفة لكنوز مدفونة، والباعثة لأجيال جديدة من صناع الوعى.
بداية لدقات المسرح، التى تقطع سكون الصمت، فقد كانت القاهرة موطناً لمسرحيات كثيرة فى الموسم الواحد، والآن أصبحت المسارح أطلالاً، حتى المسرح القومى باعث الفنون الأصيلة، لا نعلم عنه شيئاً.
بداية لأضواء المدينة، كشاف المواهب الغنائية، ولا أدرى لماذا لا نتبنى مشروعاً كبيراً لحفل شهرى فى المحافظات، يكتشف المواهب ويدفعها للأضواء، بدلاً من المشروعات الفنية الفاشلة التى ننفق عليها الملايين؟
بداية لاحتضان المواهب الشابة فى كل المجالات، فهذه الأرض ولادة وفيها أحفاد أم كلثوم وحليم وعبد الوهاب والسنباطى والموجى وغيرهم، وينتظرون فقط من يمد إليهم يد العون والمساعدة.
بداية لاسترداد الشباب من براثن التطرف، وإعادتهم لأحضان الوطن، وأن تقول لهم: فى فيلم «الممر» كان العدو هو إسرائيل وليس الجيش المصرى، وكان المحتل هو إسرائيل، وصاحب الأرض هو مصر.
لا سامحهم الله، من حاربوا الفن المصرى، ومن لم يؤمنوا بدوره، فجرفوا الساحة وحطموا المواهب، فصار الفن غريباً، والفنان لاجئاً، وتعرَّت الضمائر من اللمسات الإنسانية.