يوميات الأخبار

قصة البطل.. أم حكاية البطولة؟

يكتبها اليوم : سمير الجمل
يكتبها اليوم : سمير الجمل

البطل الحقيقى هو من يعرف نفسه.. ويعرف ما يدور حوله.. وقد حدد مساره وعرف هدفه.

 فى كل مناسبة نحتفل فيها بأعياد اكتوبر نسأل انفسنا ويسأل الناس: أين الأعمال الفنية التى ترصد هذا الحدث العظيم.. ونحن نحتاج الى معنى العبور فى كل عمل.. وكيف تحول الانكسار الى الانتصار.. وكيف بدأت عملية التحول بعد اسابيع قليلة من نكسة ٦٧.. حيث ضربنا العدو فى رأس العش.. ثم دخل ابطالنا الى «إيلات» وفعلوا ما فعلوا.. ثم كانت حرب الاستنزاف وبناء قواعد الصواريخ وكيف تلاحم الشعب والجيش معاً فى رواية انفرد بها المصرى دون غيره.
الحرب والمحارب
والسؤال هل يمكن لسيناريو عن محارب ان يلخص قصة الحرب نفسها؟.. سؤال يراه البعض بسيطا الى حد السذاجة اذا قلنا إن الحروب لا معنى لها بلا محاربين.. وقد يراه البعض الآخر معقدا فكيف يمكن تلخيص عشرات القصص بل المئات واختصارها فى شخص!!
هنا نعود الى الاشكالية التى جرت فى زمن الرئيس مبارك عندما تم الاعلان عن فيلم «الضربة الجوية» المأخوذ عن قصة للكاتب الصحفى صلاح قبضايا وسيناريو وحوار الكاتب الكبير عاطف بشاى وترشح لإخراجه على عبدالخالق وهو صاحب خبرة فى افلام الحرب «اغنية على الممر ـ يوم الكرامة ـ حائط البطولات».
وصاحت الاصوات كيف نختصر الحرب العظيمة فى الضربة الجوية وهو ما يجعل مبارك بطلا للحرب متجاوزا فى ذلك آلاف الابطال والقادة والجنود وكان اسم الفيلم فى البداية «القائد الاعلي» وتعثر الانتاج ولم يظهر .
سعد الشاذلى
هنا اتحدث عن تجربتى فى كتابة مسلسل «الكبرياء» وبطله سعد الدين الشاذلي.. وكان دافعى ان هذا الرجل الذى يعتبر مهندس حرب اكتوبر قد تعرض للظلم مرة من السادات بعد الخلاف  على تطوير الهجوم وخروج قواتنا بعيدا مظلة الدفاع الجوى بعد ١٤ اكتوبر.. وهو ما ترتب عليه ثغرة الدفرسوار.. واشتد الخلاف حول معالجتها.. ثم كان الظلم الثانى عندما استدركه مبارك الى السجن وكأنه بذلك يصفى حساباته مع رجل رفع صورته من غرفة عمليات حرب اكتوبر ووضع نفسه بدلا منه.. والترتيب العسكرى يقول: القائد الاعلى ثم القائد العام ثم رئيس الاركان «الشاذلي» ثم رئيس العمليات «الجمسي» ثم قادة الاسلحة ومنهم مبارك قائد الطيران.
ولهذا اخترت نقطة البداية فى سيناريو المسلسل يوم رحيل مبارك عن الحكم ورحيل الشاذلى عن الدنيا ووقتها كان ميدان التحرير يهتف ضد الاول ويهتف باسم الثانى ويشيعه الى مثواه الاخير بطلا.
قصة الشاذلى بعد ان درستها جيدا تلخص سنوات من تاريخ العسكرية المصرية.. وانت فى المسلسل التليفزيونى مطالب بكشف الجوانب الانسانية والاجتماعية للحرب وآثارها على البيوت والناس.. اكثر من اجواء الميدان نفسها.. وهو ما يليق بالسينما اكثر.
أتكلم عن تجربتي.. التى لم يكتب لها الظهور دراميا فى مسلسل لكنها ظهرت فى كتاب من طبعتين.. نظرا لعزوف منتج القطاع الخاص عن تقديم مثل هذه النوعية وايضا فى ظل غياب الدولة عن الانتاج الدرامى بعد ٢٠١١. وما يهمنا هنا.. كشف الجوانب الفنية الدرامية لنصوص من هذا النوع والقاعدة تقول: انظر الى حكايتك من الزاوية التى تريدها.. لكن كيف ستحكي؟ ومن اين تبدأ؟ والى اين تنتهي؟ وفى موضوع عن حرب اكتوبر.. المعلومات الرئيسية معروفة وقتلت بحثا وأنت فى السيناريو تفتش عن التفاصيل الصغيرة اما فى اطار الحدث الرئيسى او من خلال الشخصية.. حيث لا حدث بدون شخصية أو فاعل.. وهذا هو جوهر الصراع الدرامى وهو اساس كل حكاية.. والصراع له مستويات عديدة فقد يكون صراع القوى ضد الضعيف او الظلم ضد العدل.. والفقر ضد الغني.. والحلال فى مواجهة الحرام.. وقد يكون الصراع بين الانسان ونفسه بأمراضها وعقدها.. وقد يكون ضد الطبيعة البحر ـ الرياح ـ المطر ـ وقد يكون ضد الأخطار التى يمكن ان يتعرض لها.. وقد نرى صراعه مع قدره.
وفى حكاية الحرب نجد الصراع بين امة بأكملها جيشها وشعبها ضد العدو.. بعضهم يحارب بشكل مباشر وجها لوجه والبعض الآخر يحارب بطريقة غير مباشرة ويسخر جهده كله للمجهود الحربي.. حتى تضع الحرب اوزارها.
وفى قصص الحرب قد نجد كل انواع الصراعات «ضد العدو ـ ضد الخطر ـ ضد اليأس» ـ ضد الهزيمة ـ ضد الراحة والرفاهية فى الظروف العادية ـ ضد الخوف».
ونأتى الى الجانب الاحترافى فى الموضوع الذى يتلخص فى خلق شخصيات فرعية او اضافية تخدم الخط الرئيسي.. وقد لجأت الى ايجاد شخصية دكتور شاب يعمل فى المركز الطبى العالمى وهو ابن قائد عسكرى كبير كان زميلا للشاذلى فى فترة خدمته وحبا فيه.. اطلق اسمه كاملا على ابنه «سعد الدين الشاذلي» ثم يأتى اسم الاب والجد كالمعتاد.. وهو ما سمح لى برصد الايام الاخيرة فى حياة الفريق وهو على فراش مرضه بينما لشعب يغلى فى ميدان التحرير وباقى محافظات مصر. وهنا نعود إلى السؤال الرئيسى فى موضوعنا: هل يمكن اختصار قصص الحرب فى قصة محارب؟ الاجابة نعم بشرط ان تحتمل هذه القصة محاور الحكايات الاخرى مع التسليم بأن القصة الواحدة او العديدة لا تكفي.. برصد حرب اكتوبر لان فيها الكثير وكلما قالت الوثائق والاسرار توفرت للكاتب فرصة اصطياد لحظات او شخصيات او حكايات جديدة يرصد منها الحرب ولا اعتقد ان عدد الافلام التى قدمناها او المشاهد القليلة فى مسلسل هنا او هناك قد غطت جوانب حرب اكتوبر العظيمة.
طريق واحد
قد يتكلم الكاتب عن حرب اكتوبر ولكنه يختزل من خلالها معنى البطولة.. وسير الابطال فى حروب اخرى سبقتها او تلتها.. وهل رجالنا الشهداء والمصابون والمقاتلون ضد عصابات الشر بألوانها وإرهابها فى ايامنا هذه بعيدة عما جرى فى اكتوبر؟.. الاجابة بالطبع لا.. لان فلسفة الحرب اننا نخوضها دفاعا عن ترابنا ومقدساتنا وحياتنا.. قد يختلف المكان أو الزمان أو الاسلوب لكنها الحرب.. وفى السنوات الاخيرة اتخذت اشكالا أخرى لم تكن موجودة لان الدبابة من السهل عليها ان تواجه الدبابة او المدرعة لكنها لا تستطيع ان تخوض حرب العصابات فى الشوارع او الادغال.. وقد اختلف السلاح كما اختلفت الحرب ودخلت ميلشيات المواقع والسوشيال ميديا لكى تتحول الى اسلحة تدمر العقل والنفس بالاكاذيب والشائعات والاحباط.
والكاتب المحترف يستطيع بأساليب عديدة ان يربط الحروب بقصص المحارب.. وان يتخذ من مبدأ اكتوبر الذى حول الانكسار الى انتصار.. قاعدة لحروب الجيل الرابع والخامس.. وما قبلها وايضا ما بعدها.
فى الحرب التقليدية انت ترى عدوك وتواجهه.. لكن فى حروب العصر الحديث.. تصارع ذلك العدو الافتراضى المتنكر تحت اسمه المستعار وانت لا تعرف مكانه.. لكنك ترى ضرره وتصل اليك ضرباته.. والامر يتطلب منك المزيد من الثبات والعزم والرؤية الثاقبة النافذة. وما بين البطل والبطولة سوف نكون امام عشرات القصص لزويها للاجيال الجديدة لكى تعرف معنى الرجولة والشجاعة وحب التراب الوطنى والدفاع عنه بالدم والروح.. وتتأكد الاجيال القديمة انها تسلم الرأية مرفوعة شامخة.
فهيا بنا نحكي.. وعلينا ان نروى الحكاية مكتوبة ومسموعة ومرئية فان الذكرى تنفع المؤمنين.. وتلك هى الرسالة الواجبة.. لأجهزة الاعلام ليس فى اكتوبر وحده.. لكن طوال العام وما احوجنا اليها فى هذا الوقت وهناك من يحاول أن يأخذ شبابنا ويلهب فى عقولهم بالتقاليع والتفاهات.