حوار| مستشار المفتي: لا نتبع دينًا جديدًا.. وحالة واحدة تُبيح هدم الأضرحة

مستشار مفتي الجمهورية مع محررة بوابة أخبار اليوم
مستشار مفتي الجمهورية مع محررة بوابة أخبار اليوم

◄جميع الأديان حرمت إيذاء عضو واحد بالجسد.. فما بالنا بالانتحار؟!


هجوم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدي غير مختصين لإطلاق فتاوى، ومصطلحات يتم التلاعب بها ليل نهار لنشر البلبلة بين المصريين.. مثلث خطر باتت أضلعه تحاصر البسطاء إلا أن دار الإفتاء المصرية وعلى رأسها الدكتور شوقي علام تقف لكل ذلك بالمرصاد.


مستشار مفتي الجمهورية الدكتور إبراهيم نجم، تحدث لـ«بوابة أخبار اليوم» عن كل صغيرة وكبيرة تدور في الشارع المصري من منظور ديني ومجتمعي، وتحديدًا فيما يتعلق بـ«تجميد البويضات وموضة الانتحار ومزاعم السلفيين حول الأضرحة».


بين سطور الحوار التالي يضع الدكتور نجم النقاط على الحروف مغلقًا الباب في وجه ما تُعرف بـ«فتاوى السوشيال ميديا»:

اعتادت دار الإفتاء المصرية، على مواكبة الأحداث بعناية وإصدار الفتاوى عبر صفحاتها المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي بما يناسب احتياجات الجمهور، لتصحيح مفاهيمهم بما هم في حاجة إليه.


وفي ظل الإسهامات التي تقوم عليها دار الإفتاء المصرية في مجال الفتوى، بقيادة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم الدكتور إبراهيم نجم، يظهر هجومًا كبيرًا تكون بارزة بشكل كبير على «السوشيال ميديا».


ومن هنا كان لنا حوار مع مستشار مفتي الجمهورية الدكتور إبراهيم نجم، للإجابة عن أبرز التساؤلات الخاصة بهذا الهجوم، وإليكم نص الحوار..


توجه العديد من الاتهامات لدار الإفتاء على الصفحة الرسمية بأنها تغير الدين وتنشر دينا جديدا في الرد على الفتاوى.. فما رأيك؟

دار الإفتاء هي أهل التخصص، وعلماءها تدربوا لسنوات على مهارات الإفتاء، والفتوى الرشيدة هي التي تضمن مجتمعًا متماسكًا، وهذا هو هدف الشرع الإسلامي من كافة الأحكام، والبعض لا يدرك أن الفتوى ديوان لتطبيق المعارف الإسلامية على واقع الناس المعيشي المتغير والمتجدد بقدر حركة الواقع المستمرة، واللجوء إلى أهل التخصص يحل هذه الإشكالية.


فالاجتهاد الفقهي وتجديد المفاهيم والمصطلحات ضرورة من ضروريات العصر والعمل العلمي التي يتعامل بها الفقيه مع النصوص الشرعية من حيث إنزالها على واقع الناس في البلاد المختلفة والأحوال المتنوعة، ونحن مطالبون بوضع حلول لكل المشكلات التي تضع وفق تطور المجتمعات.

فالعصر أفرز الكثير من المشكلات، لذا فإن العقل المنضبط الذي يعالج هذا التغيير في إطار الأصول الشرعية، هو الأمر الذي تحرص عليه دار الإفتاء المصرية في إنزال الأحكام والضلوع في أمر الفتوى، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك للصحابة الكرام رضوان الله عليهم مساحة للاجتهاد ودربهم تدريبًا عمليًا على الاجتهاد حتى يستطيعوا مواجهة الحياة وتغيراتها من بعده، وعليه فالخطاب الديني الحكيم الذين أمله هو الذي يراعي فيه المتكلم والكاتب والداعية أحوال المتلقين.


-  لماذا الهجوم المستمر من السلفيين على فتاوى الإفتاء الخاصة بالأضرحة ومساجد آل البيت؟

يذهب السلفيون إلى أن الأضرحة وإقامة مساجد عليها «حرام»، رغم أن العلماء الثقات على مر العصور قالوا بأن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحة ومشروعة، بل ومستحبة أيضًا، والقول بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه، وذلك ثابت بالكتاب والسُّنَّة وفعل الصحابة وإجماع الأمة الفعلي.


وأما حديث: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيائِهم مَساجِدَ»، فمعناه السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، يدل على هذا المعنى الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في «الطبقات الكبرى» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، فيكون المعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجَدُ له ويُعبَد كما سجد قومٌ لقبور أنبيائهم، وهو دعاء وخبرٌ وليس نهيًا. 


وإزالة الضريح من المسجد لا تجوز شرعا إلا بضوابط شديدة الدقة كأن يكون الضريح قد تعرض لما يضره مثل المياه الجوفية مثلًا؛ لما فيها من الاعتداء السافر على حرمة الأموات، وسوء الأدب مع أولياء الله الصالحين، وهم الذين توعد اللهُ مَن آذاهم بأنه قد آذنهم بالحرب.

 

فجاء في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري، فلا يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل، ومن أراد توسعة مسجد أو تجديده يجب عليه شرعًا أن يُبْقِى الضريح الذي فيه في مكانه ولو أصبح وسط المسجد، أو يُتْرَك المسجد كما هو، كما أن الصلاة في هذا المسجد مع وجود الضريح فيه صحيحةٌ ومشروعةٌ؛ حيث تواترت على ذلك الأدلة: من الكتاب، والسُّنَّة،وفعل الصحابة، وإجماع الأمة الفعلي،والقولُ بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه.

 

- هناك خلط كبير من الجمهور بين المؤسسات الدينية المختلفة حول المختص للإفتاء.. فمن المسئول عن الفتوى؟


المسؤول عن الفتوى هم أهلها، وأقصد أهلها بمعنى أهل الاختصاص الذين تدربوا على الإفتاء وشؤون الفتوى، والمؤسسات الدينية في مصر تكمل بعضها البعض كونها كلها تعمل وفق منهج واحد ورسالتها واحدة هي القضاء على فوضى الفتاوى، وتوصيل رسالة الأزهر الشريف للجميع في الوطن وفي كل بقاع الأرض، وجميعنا نعمل لنشر صحيح الدين.

على سبيل المثال فإصدار الفتوى بدار الإفتاء يتم وفق المنهج الأزهري القائم على مراعاة المآلات والأحوال والعادات والتقاليد التي تتفق والشرع الشريف وكذا إدراك الواقع؛ وهو ما يفتح باب الاجتهاد أمام علماء الأزهر ودار الإفتاء للتفاعل مع قضايا الأمة، بما يعود عليها بالنفع، ويناسب العصر، ويسد الباب أمام الفتوى المتطرفة والشاذة.

 

وعلاوة على أن الفتوى مستمدة من منهج الأزهر الشريف فهي أثناء التكييف الفقهي للمسألة تبحث في الوقائع بصورة متخصصة، بالإضافة إلى التنقل بين المذاهب الفقهية المعتمدة، مع دراسة الواقع ومآلات الفتوى؛ لأجل الوصول إلى حكم شرعي صحيح يراعي الزمان والمكان والعوائد والأحوال، والاختلافات الفقهية بين العلماء والمفتين- وليست الخلافات- تسهم بصورة كبيرة في ثراء الحقل الفقهي، والدليل على ذلك تعدد المذاهب الفقهية، بل وتعدد الآراء داخل المذهب الواحد، هذا بالإضافة إلى أن وجود أكثر من جهة للفتوى تعمل بمنهجية علمية منضبطة تحت مظلة الأزهر الشريف هو من باب الثراء الفقهي من جهة، وتيسير الأمر على طالب الفتوى للحصول على فتواه من المؤسسات المعتمدة في الدولة من جهة أخرى.

 

- مسألة تجميد البويضات أثارت جدلا واسعا خصوصا بعد إفادة دار الإفتاء بأنها جائزة وفق ضوابط معينة.. فلماذا جاء الهجوم بهذا الشكل من التيارات المختلفة؟

وضعنا شروطا لإجازة عملية تجميد البويضات و ليس فيها محظورا شرعيا إذا ما تمت وفق ضوابط معينة، وتعتبر تلك العملية من التطورات العلمية الجديدة في مجال الإنجاب الصناعي، مما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة، وذلك دون إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى وتتمثل الضوابط الشرعية لإجازة تجميد البويضات في أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم استخراج البويضة واستدخالها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها وبين صاحب الحيوان المنوي، ولا يجوز ذلك بعد انفصام عري الزوجية بين الرجل والمرأة بوفاة أو طلاق أو غيرهما.

 

أما الضابط الثاني الذي حددته الدار لعملية تجميد البويضات، فهو أن تحفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن تمامًا تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمدًا أو سهوًا بغيرها من اللقائح المحفوظة، والضابط الثالث تمثل في ألا يتم وضع اللقيحة في رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعًا ولا بمعاوضة، والضابط الرابع وهو ألا يكون لعملية تجميد البويضة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخِلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد.

 

- الانتحار.. كثرت الآراء بخصوصه خلال الفترة الأخيرة بأنه ليس حرام وهو ما اختلفت معه دار الإفتاء.. فهل هو حرام فيكل الحالات؟


الشريعة الإسلامية وكافة الشرائع السماوية تدعو إلى حفظ النفس وحمايتها وتحرِّم قتل النفس وإزهاق الروح، أو حتى إتلاف عضو من أعضاء الجسد أو إفساده، ثبت في كتاب الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، فقال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، ولم يقتصر الأمر على التحذير من قتل النفس فقط، بل حرَّم الله تعالى كلما من شأنه أن يهلك الإنسان أو يلحق به ضررًا.

 

 كما أنه من كبائر الذنوب، وهو حكم ثابت في الكتاب والسنة، وأجمع المسلمون قاطبة على ذلك، كما أن الشريعة الإسلامية الغراء تدعو إلى حفظ الكليات الخمس وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، وهذه الكليات هي التي اتفقت جميع الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها، وقد أجمع أنبياء الله تعالى ورسله من عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب حفظها.