عمرو الخياط يكتب: مقـاول الأطــلال

الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط

بلا مواربة نتكلم عن المقاول الذي مارس التمثيل مؤقتا، عن محمد على عبدالخالق، الذي خرج علينا بمقاطع فيديو.. سنتحدث مباشرة، برغم أن مشاهدي مقاطعه التمثيلية يساهمون في انتشارها، وبالتالي سيستحق محمد على أرباحا عن انتشارها، وحتما ستدفعها إدارة يوتيوب الأمريكية، إلا أننا سنذهب إلى تفاصيل ما قال لنعرض ما يلي:

- لم يقدم محمد على وثيقة واحدة أو دليلا على صحة ما قال.
- أكد عدة مرات أنه عمل مع الجيش لمدة ١٥ عاما، رغم كونه مواطنا عاديا. ونجح خلال هذه السنوات في تحقيق ثروة، لأن الجيش كان ملتزما بتسليمه مستحقاته المالية.
- أصر على إقرار أنه مواطن بسيط ينتمي لمنطقة شعبية، وبرغم ذلك حصل على فرصته في العمل وتحقيق الثروة.
- أقر بأن والده بطل رياضي، أي أنه نشأ في أسرة تمكنت من الحصول على فرص مميزة رغم بساطتها.
- خلال وجوده في مصر، تمتع بحرية الحركة المالية، فباع ممتلكاته، ثم قام بتحويل رصيد ضخم إلى إسبانيا، دون أن يعوق حركته أحد.
- تمكَّن من مغادرة مصر آمنا دون أن يتعرض للمنع أو المضايقة.
- في كل إطلالة كان مصّرًا على اتهامات الفساد المرسلة، ويؤكد أنه كان جزءا منها، أي أنه يعترف بأنه مفسد.
هذا ما قاله محمد على بنفسه عن نفسه، وليست أفكار كاتب هذه السطور.

على مدى خمسة عشر عاما، عمل محمد علي مع الجيش المصري دون أي مشكلة، وقد حقق خلال تلك السنوات أرباحا منتظمة، إلا أنه عندما ظهر، لم يتحدث سوى عن أعماله في السنة الأخيرة، التي يبدو أنه قد حدث فيها الخلاف - وفقا لما قال - دون أن يفصح عن سبب الخلاف، ودون أن يفصح عن سبب ظهوره الآن، رغم أنه موجود خارج البلاد منذ شهر نوفمبر٢٠١٨.
لم يتحدث محمد على عن حجم مكاسبه التي حققها خلال الأعوام الخمسة عشر، والتي مكنته من الاستقرار في إسبانيا، برصيد بنكي ضخم، ومسكن فاره، وسيارات باهظة الثمن، ثم كشف عن عمله الآن بمشروع عقاري ضخم في إسبانيا بأمواله التي تكسبها من أعمال المقاولات مع الجيش، أي أنه حقق ثروة طائلة داخل وطنه، ثم استثمرها في الخارج.
لم يفسر محمد على سببا لرفع مقاطع الفيديو على حساب المخرج الإخوانى الهارب عطية أبوالعلا الذي يعمل بقناة الجزيرة، ولماذا اختص بها قناة الشرق الإخوانية؟!.

سيواجهنا السؤال الحتمي، وهو: إذا كان محمد على له اتصال إخوانى، فكيف عمل مع الجيش طوال هذه السنوات؟، وهو المنطق المغلوط الذي يحاول هذا المقاول استخدامه لتقوية موقفه الإقناعي.
لكن هذا السؤال يقابله سؤال آخر أكثر حتمية، وهو: إذا لم يكن له اتصال إخواني - كما ينفى - فما هو التغير الذي طرأ عليه في الشهور الأخيرة خلال وجوده خارج البلاد؟، وما هي أساليب السيطرة الاستخباراتية التي يمكن أن يكون قد تعرض لها ماليا، خاصة وأنه قد تم تمكينه من المشاركة في مشروع عقاري ضخم في إسبانيا - وفقا لاعترافه - والذي يمكن استخدامه غطاءً للتدفقات المالية؟.
أي أن محمد على من الممكن جدا أن يكون متعرضا لضغوط مهولة تدفعه لتنفيذ ما يطلب منه، خاصة أنه بدأ حركته الدرامية بأسلوب الصدمة، التي اتهمت أطرافا بعينها بالفساد دون دليل، من أجل أن يُكْسِبَ نفسه مساحة من التعاطف المبنية على تصدير حالة المظلوم المضطهد من منظومة فساد جبارة، فيرسخ صورة لنفسه باعتباره مناضلا منفردا في مواجهة آلة جهنمية، ليكون بذلك كمن انهال على رأس الرأي العام بمطرقة ضخمة، فأفقده توازنه لفترة تسمح له بالسيطرة عليه، من خلال مقاطع الفيديو المتتالية التي كان يبثها كلما حاول الرأي العام استعادة توازنه من أثر الضربة الأولى.
فلنتابع إذن تطور أدائه الإلكتروني، من خلال العودة إلى مقطع الفيديو الأول الذي أطلقه، والذي تحدث خلاله عن مشكلته التي ادَّعاها دون تقديم دليل، أو مستند على ما قال، رغم أنه كان بإمكانه أن يعرضه ليدعم الفيديو بدلائل مادية تمنحه مصداقية، إلا أنه قال ما قال مرتكزًا على أن الرأي العام سيتقبل كلامه دون دليل، كما لو كان أحد قادة الرأي المؤثرين، رغم كونه ممثلا ناشئا، وليس نجما يمتلك دوائر تأثير متعددة، لكنه كان يمارس ذلك، وهو مدرك أن الرأي العام سينجذب نحو حالة الجرأة الدرامية التي أقدم عليها، والتي سيكون لها تأثير على الوعي الجمعي العام، الذي ربما يكون مضغوطا من جراء الإصلاح الاقتصادي، وبالتالي فإن قابليته للمؤثرات الخارجية ستكون شديدة العاطفية، وليس المنطق.
بعدها تلقفت قنوات الإخوان، ولجانهم الإلكترونية هذا المقطع، وراحت تُمارس حالة تدوير إلكتروني له، لتضخيم مساحات التأثير. الأمر الذي ارتد على محمد على، ومنحه شعورا بحجم تأثير مهول، أنتج تضخما مفاجئا للذات، فوجد نفسه فجأةً أسيرًا لحالة شهرة ونجومية كانت سببا في اندفاعه نحو سلسلة متعاقبة من المقاطع، تشعب خلالها إلى موضوعات ليس لها علاقة بما بدأ من أجله، رغم أنه أصر أنه ليس له أي علاقة بالسياسة، ولا يفهمها ولا يمارسها!.

لقد بدأ محمد على ظهوره الأول بعرض مشكلة خاصة به، ثم أصبح الظهور اليومي هدفاً في حد ذاته، وتوقف تماماً عن الحديث عن أزمته التي ظهر أساساً من أجلها، واستغرقته حالة نضال ومعارضة إلكترونية، راح خلالها يمارس تنظيراً وتقييماً لأداء النظام بالكامل، سياسياً واقتصادياً وإقليمياً، بما يتجاوز حجم إدراكه وثقافته المحدودة باعترافه، وبكشفه عن حصوله - فقط - على شهادة الدبلوم، كدليل على ضحالة المعرفة والخبرة بالشأن السياسي أو الشأن العام.
وفى مواجهة شهوة الظهور اليومي التي سيطرت تماماً عليه، هناك حتماً من وجد في محمد على ناشطاً إلكترونياً يمكن أن يحمل أسفاراً دون أن يفهمها، ودون حاجته لفهمها، ما دامت مادتها ستتيح له الظهور يومياً، ودون اكتراث بحجم تأثيراتها، أو حجم تنفيذها لأجندة مرتبة تستهدف كيان الدولة المصرية، ولو بغير إدراك منه، لأن ما يعنيه - فقط - هو أن تظل في جعبته مادة يومية صالحة لظهوره، مهما كان مصدرها أو هدفها، ما دام يحقق ذلك هدفه الشخصي.
ارجع إلى مسيرته، ستجده غير مؤهل فنياً، ورغم ذلك اتجه نحو التمثيل، بما يؤكد نزوعاً شديداً لديه نحو الأضواء، وإن لم يكن لديه ما يؤهله لذلك.
نرجع مرة أخرى إلى مقطع الفيديو الأول لنتوقف عند إصراره المتكرر، على ترديد عبارة «أنا مش إخوان»، والتي لازمته على مدار سلسلة الفيديوهات المتلاحقة، بهدف خلق عملية انجذاب عامة إليه، برغم أن المسوِّق الرئيسي لمنتجه الإلكتروني هي الآلة الإعلامية الإخوانية متعددة الأذرع المعلنة.
لقد بدأ محمد على متحدثاً عن مظلمة شخصية ناتجة عن حالة فساد، لم يقدم عليها دليلاً واحداً، ورغم إصراره على أنه ليس سياسياً، فإن حركته الإلكترونية تحولت من مقاطع فيديو متواصلة إلى برنامج إلكتروني يومي، بما يحقق له فعل الظهور المستمر، وانتهت إلى دعوته الصريحة للنزول إلى الشوارع لاقتلاع النظام بأكمله، دون أن يتوقف أحد عند السؤال: «ماذا لو تمت الاستجابة لدعوات محمد على، وتكرر ما حدث عام ٢٠١١؟ ومن الذي سيدفع الثمن بينما يقيم محمد على آمناً مطمئناً في إسبانيا»؟!
تخيَّل لو أن كل من يعانى من مشكلة خاصة سيدعو إلى ثورة، حتى ولو لم تؤد إلى إنهاء مشكلته، لكنه سيشفى غليله الشخصي بعقاب دولة بالكامل اعتقد دون دليل أنها كانت سبباً في أزمته.

حتى هذه اللحظة، مازال محمد على مستمراً في أعمال المقاولات الإلكترونية، بإنتاج مقاطع فيديو جديدة ورفعها على شبكات التواصل الاجتماعي دون توقف، وفِى كل مرة ينتقل إلى مرحلة جديدة يتم خلالها الكشف عن أهداف جديدة، وصولاً إلى دعوات ثورية صريحة لإسقاط النظام. ولم يعد يتطرق أبداً إلى أصل مشكلته الأولى، التي بدأ بها كمصيدة، لتمهيد الرأي العام حوله، وتهيئته لتقبل رسائله الجديدة، بعد أن تمت السيطرة عليه، استغلالاً لحالة الشبق والفضول التي نتجت عن أول ظهور له، والتي خلقت رغبة لا إرادية في متابعة ما هو جديد، وبالتالي يتم التعرض لمضامين الرسائل إجبارياً، ولو ظن المتابعون أنها اختيارية.
وفى هذه الحالة فإن محمد على نفسه، أصبح فريسة لعملية بث لا إرادية، إما لأنه أصبح أسيراً لحالة الزخم والأضواء التي أحاطت به، أو لأنه أصبح خاضعاً لسيطرة طرف خفي يستخدمه تحت ضغط ما، يتعرض له محمد على ولا يستطيع مقاومته، أو يخشى افتضاح أمره.
تذكر أن محمد على سبق وأن ادعى أن السفارة المصرية في إسبانيا تواصلت معه دون أن يفصح عن هوية المتواصل، أو مضمون التواصل وهدفه، أو حتى نتيجته. ولو كان ادعاؤه بالتواصل صحيحاً، فإنه يعبر عن اعتراف مبدئي من الدولة بصحة موقفه، وبرغبتها في التفاهم وصولاً للحل، إلا أن محمد على لم يفصح عما انتهى إليه التواصل، ولم يعد يذكر عنه أي شىء، أي أن محمد على لا يريد إنهاء المشكلة، لأن نهايتها تعنى توقف الفيديوهات، وهو الأمر الذي يبدو أنه خرج عن سيطرة المقاول، ولم يعد بإمكانه التوقف لحين إتمام عملية الاستخدام.
بمرور الوقت، ومن فيديو إلى الذي يليه، كان محمد على يتدرج سريعاً، ويقفز في مساحات الوعي المصري العام، وصولاً إلى الدعوة الصريحة لتكرار سيناريو يناير٢٠١١، إلا أنه الآن منشغل ومضغوط الأعصاب، انتظاراً لحجم الاستجابة لدعواته، والتي إذا فشلت ستكون إيذاناً برحيله عن أضواء النجومية، التي لم تبرحه منذ شهر إلا قليلاً، وربما ستتطور عملية الرحيل إلى مرحلة الترحيل.
لقد وصل محمد على إلى مرحلة خطيرة من التمحور حول شهوة الذات، التي تجعله في حالة تمنى دائمة لاستمرار الحالة التي فجرها، ما دامت ستضمن استمرار ظهوره الإلكتروني لأطول فترة ممكنة.

نحن أمام حالة مَرَضِية واضحة المعالم، دفعت صاحبها إلى تبنى دعوة صريحة للانتحار العمومي، والاعتقاد في أن خسائره المالية الشخصية - إن صحَّت - تستوجب تحركاً شعبياً عقابياً لهدم كيان دولة بالكامل، تعاطفاً مع محمد على المرتكز على رصيد بنكي ضخم في بنوك إسبانيا. 
محمد على المستقر في إسبانيا، والذي عمل لسنوات في مهنة المقاولات، لم تترسخ لديه ثقافة البناء بقدر ما ترسخت ثقافة الهدم، لكنه الآن لن يكون موجوداً على أرض وطن يدعو لهدمه، ولن يشارك حتى في رفع أنقاض الهدم إذا ما تمت الاستجابة لثورة الأطلال.