بالشمع الأحمر

قضية «محفوظ» المجهولة!

إيهاب الحضرى
إيهاب الحضرى

لم أشعر بالمفاجأة، عندما أكد الأديب الكبير يوسف القعيد عدم وجود أى مخطوطة للسيناريوهات التى كتبها العالمى نجيب محفوظ، لكن حديثه يحمل دلالات مُتفجّرة، ليس بوصفه فقط المُشرف على متحف أديب نوبل، بل أيضا باعتباره واحدا من المقربين منه على مدى عقود. جاءت كلمات القعيد فى إطار الحديث عن حتمية إثراء مقتنيات المتحف، خاصة أن اختفاء النسخ المخطوطة لا يتوقف على السيناريوهات، بل يمتد إلى كثير من أعماله الأدبية، لهذا انتهت الندوة المهمة، بمطالبة كل من يملك أوراقا بخط الكاتب الكبير أن يبادر بإهدائها إلى المتحف.
وبالتأكيد لا يُعتبر جمع هذه الأصول ترفا، بل أمرا حتميا لأن وجودها فى مكان واحد يجعلها فى متناول الباحثين، وسوف تؤدى دراستها بلا شك إلى الكشف عن مزيد من أسرار الكاتب الكبير، الذى يعتقد البعض أن عالمه أصبح كتابا مفتوحا لكثرة ما كُتب عنه، غير أن الواقع يشير إلى غير ذلك، خاصة بعد ما فعله الكاتب الصحفى طارق الطاهر فى كتابه «نجيب محفوظ بختم النسر»، الذى اقتنص فيه جانبا فريدا، هو مستندات ملفه الوظيفى.
قبل أيام أدرتُ ندوة لمناقشة الكتاب، بمتحف نجيب محفوظ، واعترفتُ فى بدايتها أننى شعرت بالقلق عندما أخبرنى المؤلف بموضوع كتابه قبل أن يشرع فيه، لأن الملفات الوظيفية لا تتضمن عادة إلا بيانات جافة، لكن بعد قراءة الكتاب تأكدتُ أن الطاهر تفادى هذا المأزق بمهارة، واستغل البيانات الصماء كمنصات انطلاق، لا تكشف فقط مزيدا من أسرار الأديب الكبير، بل تمتد فى بعض الأحوال إلى تقديم إضاءات لبعض ملامح عصره فى حقب متنوعة.
اكتشفتُ أننى لم أكن الوحيد الذى انتابه الإحساس ذاته، فقد أكد العديدون أنهم لم يتوقعوا أن يكشف الملف الوظيفى المزيد من المعلومات، غير أن جهد المؤلف أسفر عما أدهش القعيد نفسه، فقد فوجئ بمعلومات جديدة يعرفها لأول مرة. وأعتقد أن من بين هذه المعلومات قضية مجهولة رفعها أديب نوبل على وزارة الأوقاف، للحصول على ترقية تم إلغاؤها فى نفس يوم حصوله عليها! تحدث محفوظ عن الواقعة فى حوارات عديدة، لكنه لم يتحدث أبدا عن رد فعله، وهو ما اكتشفه طارق الطاهر، عندما عثر على قرار بمنح أديب نوبل الترقية المسحوبة، نتيجة حكم قضائى أنصفه بعد سنوات، كان قد انتقل خلالها إلى وزارة الإرشاد القومى.
للأوراق إذن أهميتها، مما يستدعى البحث عنها وجمعها، مع غيرها من المُقتنيات المُتناثرة. وكان هذا دافعى لكتابة مقال قبل أسابيع، بعنوان «ورثة.. ومنتفعون!» تحدثتُ فيه عن احتفاظ ورثة كبار المبدعين بمقتنياتهم، وطالبتُ بإيجاد آلية تكفل جمعها لإثراء متاحف الأدباء، وقد عقّب الروائى الكبير يحيى يخلف وزير الثقافة الفلسطينى الأسبق على كلماتى، وروى تجربة بلاده فى تأسيس مؤسسة ومتحف محمود درويش، وذكر بوضوح أن عائلة المُبدع الراحل تنازلت عن جميع حقوقها ومنحتها للكيان الجديد. وأعتقد أن هذا التصرف يتضمن وعيا عاليا بأهمية تخليد تراث الشاعر الكبير.
قدّم كتاب طارق الطاهر الكثير من المعلومات المهمة، وأثمر معرضا لصور أوراق الملف الوظيفى، افتتحته وزيرة الثقافة قبل دقائق من انطلاق الندوة. وأعتقد أن أصول الأوراق لابد أن تكون من بين مقتنيات المتحف الأساسية، خاصة بعد إضاءات رئيس تحرير أخبار الأدب، الذى تعامل معها بعين المحقق، مثلما وصفه الفنان الكبير مصطفى الرزاز، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا أفرجت أطراف كثيرة عما بحوزتها، وقدّمت تخليد ذكرى نجيب محفوظ على المصالح الشخصية.