من قلب إسرائيل

معارك الظل الإسرائيلية ضد حزب الله

حسن نصر الله
حسن نصر الله

رغم تصاعد حتمية المواجهة بين حزب الله وإسرائيل التى يدق نفيرها الآن، إلا أن رحى الحرب غير التقليدية دارت فعليًا بين الجانبين منذ عقود ولن تتوقف. 

 

ربما لا تلمحُها عيون الكاميرات بفعل صوتها الهادئ، أو أزيز قاذفاتها المحسوبة على «ثكنات الظل»، لكنها حاضرة وبقوة؛ ففى حين يناور نصر الله برجاله لتوسيع دائرة تمويل تنظيمه، بداعى ما يصفه بـ«الجهاد الاقتصادي»، لا تتردد وحدة الاستخبارات الإسرائيلية «الرُمح» وعبر تنسيق مع واشنطن فى تدمير تلك المناورات .

 

الحرب الاقتصادية عنوان المرحلة

 

تجزم تقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن تمويل أنشطة حزب الله لا يقتصر على مبالغ يتلقاها عبر حقائب دبلوماسية؛ فالحزب ليس «الجهاد الإسلامي» ولا حتى «حماس»، وإنما يعد كيانًا عسكريًا يضاهى الجيوش النظامية، وتحركت ميزانيته فى الماضى ما بين 850 إلى 900 مليون دولار سنويًا، ونظرًا لضلوعه فى الحرب السورية، وخضوعه وإيران (الممول الرئيسي) لعقوبات أمريكية، اضطر العام الماضى إلى تقليص ميزانيته بنسبة 10%، ما حدا بزعيمه نصر الله إلى إنعاش موارده الاقتصادية.

 

منظومة معقدة


وخلال العقد الأول من الألفية الثانية، بحسب تقرير نشرته صحيفة «يسرائيل هايوم»، أدار حزب الله معظم أنشطته المالية من خلال هيئة تحمل اسم «يُسر للأموال والاستثمار»، وكانت بمثابة مصرفه الرسمي، فضلًا عن كونه منظومة معقدة، تتألف من شركات، وهيئات، ومكاتب محاسبين، ومحامين، وصناديق صدقات، وغيرها.

 

ويقول عوزى شعيا، وهو أحد أبرز الكوادر الإسرائيلية المتخصصة فى تعقب الأموال: «كان من المستحيل إدارة هيئة « يُسر» من خارج لبنان، لأنها لم تكن مصرفًا رسميًا، فانضم الحزب إلى البنك اللبنانى - الكندى.LCB من خلال البنك تمكن الحزب من إدارة أمواله، فى الوقت الذى خضع فيه حزب الله لعقوبات أمريكية.

 

وكانت البنوك على علم واضح بأن تلك الأنشطة تخدم حزب الله. أبلغت إسرائيل الإدارة الأمريكية بكافة المعلومات، فتحركت واشنطن ضد البنك لبنان- كندا، وجرى رفع دعوى جنائية فيدرالية ضده؛ أما رؤساؤه الذين أدركوا أنهم باتوا فى ورطة، فأسرعوا فى إعلان إفلاس البنك، ولم يحدث ذلك إلا بعد أن دفعوا غرامات تقدر بمئات ملايين الدولارات للإدارة الأمريكية. وبعد مفاوضات قصيرة، بيعت أجزاء من أصول هذا البنك لبنك فرنسي، لكن أنشطة حزب الله من خلال هذا المحور أغلقت.

 

إحدى الطرق


التنسيق بين واشنطن وتل أبيب أفضى إلى سن تشريع أمريكى حاسم خلال عام 2015، يهدف إلى تقويض مصادر تمويل حزب الله، إذ واجه الحزب صعوبات أمام امتلاك حسابات بنكية منسوبة إليه بشكل مباشر، وبات مطالبًا بمناورات معقدة من أجل ممارسة نشاطه. 

 

كانت إحدى هذه الطرق من خلال جمع التبرعات من الطوائف الشيعية فى مختلف دول العالم. أما الطريقة الأخرى التى جرى الكشف عنها مؤخرًا، بحسب عوزى شعيا، فهى بيع بضائع لرجال أعمال وشركات تابعة لحزب الله. 

 

وخلال العام الماضى بيعت لمثل هذه الدوائر سفينة إيرانية كانت ترابض لفترة طويلة فى ميناء بيروت، وعلى متنها حمولة كبيرة من الحديد. كانت الشركة الأم للسفينة الإيرانية تخضع لعقوبات، إلا أنه لم يتم إحباط الصفقة، وبات واضحًا أن جزءًا من الثمن وصل إلى حزب الله.

 

انهيار البلاد


وحتى الآن يمتنع الغرب بما فى ذلك الولايات المتحدة عن المساس بكامل اقتصاد حزب الله، حتى لا يؤدى ذلك إلى انهيار البلاد سياسيًا وانزلاقها إلى الفوضى، وفى لبنان يتفهمون ذلك جيدًا؛ فخلال زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي، طلب رئيس الوزراء سعد الحريرى أن تتراجع الولايات المتحدة عن القيام بأعمال تشكل ضررًا على لبنان ومؤسساته.

 

ولا يعمل الحريرى قطعًا لصالح حزب الله، وإنما يخشى أن تؤثر الإجراءات الاقتصادية الواسعة ضد الحزب على بلاده، وفى حين رفضت واشنطن قبل ذلك طلب إسرائيل الضغط على بنك كندا - لبنان وبنوك أخرى فى لبنان لوقف تقديم خدماتها لحزب الله، مبررة رفضها بالخوف من انهيار المنظومة البنكية اللبنانية، لكن إسرائيل رأت أن الحرب الاقتصادية هى الأكثر نجاعة لهزيمة حزب الله، ولعل ذلك هو ما حدث إبان حرب لبنان الثانية، حينما قصفت إسرائيل فروع البنوك التى تقع فى مناطق نفوذ حزب الله.

 

وحدة «الرمح» الاستخباراتية تتعقب أموال حزب الله

 

«تسلسَل»، أو بالعربية (الرُّمح)، هى تلك الوحدة السرِّية التابعة للموساد، والمعنية بتعقب وغلق قنوات تمويل حزب الله داخل لبنان وخارجه، بالإضافة إلى مختلف التنظيمات التى تعتبرها إسرائيل إرهابية. 

 

ظهر اسم الوحدة للمرة الأولى على لسان إحدى مجنداتها الفقيهة القانونية نيتسانا درشان - لييتنر فى سياق كتابها الصادر أواخر عام 2017 تحت عنوان (الرمح: فى عمق الحرب السرية ضد أباطرة أموال الإرهاب) Harpoon: inside the covert war against terrorism›s money masters. 

 

وتتحالف الوحدة فى مهامها مع مختلف أذرع أجهزة الأمن الإسرائيلية، لاسيما الـ«شاباك» (جهاز الأمن العام) و«أمان» (الاستخبارات العسكرية) ووزارة الأمن الداخلي، لتشكيل كيان متكامل، يمكن من خلاله إصابة قنوات تمويل مختلف التنظيمات بالشلل التام. وإلى جانب العمل على حزب الله، وجهت الوحدة الاستخباراتية هجماتها لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» فى قطاع غزة، ولم تنج منها أيضًا عمليات تمويل السلطة الفلسطينية.

 

ويعد مئير داجان، أشهر من تولى قيادة «تسلسَل»، فرغم صدور قرار بتعيينه رئيسًا للموساد فى عهد رئيس الوزراء الأسبق أريئيل شارون، إلا أنه رفض التخلى عن قيادة الوحدة بنفسه إلى جانب منصبه الجديد، وكان هو المحرك الفعلى لقصف البنوك التى تتعامل مع حزب الله إبان حرب لبنان الثانية، إذ طلب مصادقة رئيس الوزراء حينئذ إيهود أولمرت على قصف تلك البنوك، وقال له، بحسب مؤلفة الكتاب: «لا يمكننى عرقلة مسار أموالهم، لذا ينبغى قصف البنوك، وسأخبرك بالفروع المستهدفة». 

 

ورغم رفض قيادة الجيش الإسرائيلي، إلا أن أولمرت صادق على الطلب وخرجت عملية داجان إلى حيز التنفيذ.يضاف إلى ذلك تنسيق عناصر وحدة «تسلسَل» مع منظمة DEA فى واشنطن (إدارة مكافحة الاتجار فى المخدرات)، لإحباط عمليات غسل أموال واتجار فى المخدرات منسوبة لحزب الله.

 

شخصيات لبنانية تحت عيون الموساد

 

فيما وصفته دوائر إسرائيلية بـ«صحيفة الحالة الجنائية» للشخصيات الضالعة فى تسهيل تمويل حزب الله، اعتلى محمد قصير الملقب بـ«الحاج فادي»، الذى يعد رجل حزب الله اللوجستى رأس القائمة، فأهميته تزيد عن لقبه، لاسيما أن شقيقه متزوج من ابنة حسن نصر الله، أما شقيقه الآخر فكان أول شهداء التنظيم عام 1982. 

 

وتعتبر إسرائيل الحاج فادى مدير المنظومة المتشعبة لتهريب أموال حزب الله، ويتمتع بصلاحيات الاقتراب المباشر من القيادة فى طهران ودمشق وبيروت؛ فخلال العام الماضي، جرى تصويره وهو يشارك فى اللقاء الذى جرى فى طهران بين الرئيسين روحانى والأسد، حينما جلس بين الرئيسين.

 

وفى المركز الثانى يأتى رجل الأعمال السورى عامر الشويكي، الذى يعد وفقًا لصحيفة «يسرائيل هايوم» أحد الأنابيب الرئيسية لتحويل الأموال فى المنطقة، والمسئول عن مساعدة إيران فى الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، وتمويل حزب الله ودوائر أخرى. 

 

وخلال الأشهر القليلة الماضية اضطر إلى الابتعاد عن عيون الكاميرات، وذلك بعد انضمامه فى نوفمبر 2018 إلى قائمة الشخصيات والهيئات التى فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات.

 

وتضع الدوائر الإسرائيلية رجل الأعمال اللبنانى الثرى أدهم طباجة فى المركز الثالث بالقائمة، فالرجل الذى يمتلك عدة شركات بناء وعقارات فى لبنان، أمدت إسرائيل الولايات المتحدة بمعلومات عنه، تفيد باستخدام شركاته فى مساعدة حزب الله، وأنه قام بتحويل مبالغ مالية طائلة لصالح الحزب من خلال شركاته. وفى أعقاب ذلك أدرج طباجة (إلى جانب شركاته وعدد من كبار الشخصيات المرتبطة به) على قائمة العقوبات الأمريكية.

 

وفى المركز الرابع جاء محمد بازي، وهو رجل أعمال لبنانى آخر، أدرجته الولايات المتحدة على القائمة ذاتها، بعد تلقيها معلومات من إسرائيل تفيد بأن بازي، الذى تعمل شركاته فى أوروبا (خاصة فى بلجيكا) وفى أفريقيا (فى جامبيا، التى تعتبر قاعدة معروفة وشهيرة لحزب الله فى القارة السوداء، والتى تعتمد على الطائفة الشيعية الكبيرة لدى الدولة)، كان متهمًا بالضلوع فى مساعدة حزب الله ماليًا، وتمويله غير المباشر لجانب من أنشطة الحزب. 

 

أما رجل الأعمال اللبنانى إبراهيم حمدون، فوضعته إسرائيل فى المركز الخامس، إذ اعتبرته من أبرز مؤيدى وداعمى حزب الله، وقالت إنه سمح للحزب بإدارة أمواله من خلال شركاته، فقام بدفع الرواتب، واستخراج شيكات بنكية، وتنفيذ تحويلات بنكية، والحصول على ائتمانات لصالح حزب الله.