قمة «السبع الكبرى» تبرز نجاحا ملحوظا للدبلوماسية الفرنسية بقيادة ماكرون

قمة «السبع الكبرى»
قمة «السبع الكبرى»

 
أبرزت قمة مجموعة الدول السبع، التي اختتمت أعمالها الاثنين الماضي بمدينة بياريتز الفرنسية، نجاحا ملحوظا للدبلوماسية الفرنسية بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي حرص على توفير مناخ توافقي بين القادة المشاركين، ونجح في إعادة البريق لهذا التجمع الدولي الذي استضافت فرنسا أولى قممه عام 1975 تحت رعاية الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان.

وفي كلمته أمام المؤتمر السنوي للسفراء، وصف الرئيس ماكرون قمة الدول السبع بأنها "مفيدة"، مشيرا إلى أنها تندرج في إطار خطوات عميقة ومتسقة مع استراتيجية تهدف إلى وضع فرنسا في قلب القواعد الدبلوماسية.

وعلى الرغم من كثرة القضايا الخلافية التي طرحت على طاولة المحادثات خلال القمة ، إلا أن الدبلوماسية الفرنسية نجحت بدرجة كبيرة في إشاعة أجواء من التفاهم والمرونة وساهمت في خروج القمة بنتائج جيدة، وفقا للمراقبين.

ولعل أبرز مثال على نجاح الدبلوماسية الفرنسية هي التطورات التي شهدها الملف النووي الإيراني والزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي أجرى مباحثات مع الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الفرنسي جون ايف لودريان بمشاركة مستشارين دبلوماسيين ألمان وبريطانيين، في خطوة جسدت منعطفا خطيرا في مسار هذه القضية.

فقد تمكن ماكرون من استغلال فرصة انعقاد قمة الدول السبع الكبرى لحلحلة الأزمة وتهدئة الأجواء بين الولايات المتحدة وإيران بعد تفاقمها لتجنيب التصعيد في المنطقة ، كما نجح الرئيس الفرنسي في إقناع نظيره الأميركي دونالد ترامب بقبول وساطته، من خلال تقليل الهوة الكبيرة التي كانت تفصل بين الاستراتيجية الأميركية والرؤية الفرنسية، الأوروبية حول هذا الملف ، وهو ما دفع ترامب لوصف محادثات ظريف في بياريتز بأنها كانت "ناجحة"، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي "يقوم بعمل جيد" بالنسبة للملف النووي، وهو ما يتناقض مع تغريداته السابقة التي كان ينتقد فيها وساطة ماكرون.

ومع إعلان الرئيس الفرنسي ، في ختام فعاليات القمة ، أن "الظروف قد توافرت للقاء بين الرئيسين الأميركي والإيراني، وبالتالي التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني"، فإنه بذلك يكون قد ربح رهانه بالقيام بالوساطة في ملف بالغ التعقيد. وفي حالة انعقاد هذه القمة الأميركية الإيرانية، فإن ماكرون يكون قد سجل "ضربة دبلوماسية" ناجحة وغير متوقعة.

من الأمور التي كرست أيضا نجاح الدبلوماسية الفرنسية خلال القمة هي أداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي اختلف بشكل ملحوظ عن أدائه خلال قمة مجموعة السبع العام الماضي في كندا، والتي انسحب فيها من البيان الختامي موجها انتقادات لرئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو.

أما هذه المرة فقد تبنى الرئيس الأميركي نهجا أكثر هدوءا ولهجة أكثر مرونة. ففي كل لقاءاته الثنائية، حرص ترامب على أن يكون "سلساً" و"منفتحا" حتى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي وصفها بـ"المرأة الذكية التي تفهم في كل شيء"، وذلك على الرغم من أجواء التوتر التي تخيم على علاقتهما. كما أبدى مرونة ملحوظة إزاء معظم الملفات التي طرحت خلال القمة وأبرزها الملف النووي الإيراني الذي أكد أنه شهد "تقدماً كبيراً"، وتوافرت حوله "وحدة المشاركين بدرجة كبيرة".

ورغم التأزم الذي خيم على علاقاته بماكرون الفترة الأخيرة، إذ وجه إليه انتقادات لاذعة في تغريدة قاسية لدوره في المفاوضات مع إيران، فضلاً عن تنديده بدفع باريس لفرض ضرائب على عمالقة التواصل الاجتماعي، إلا أن الرجلين توصلا إلى "اتفاق جيد جداً" حول هذه المسألة، حيث أشار ماكرون إلى أن فرنسا ستلغي الضريبة التي تفرضها، وستعوض الشركات عبر تخفيضات على الضرائب الجديدة عند البدء بتنفيذ الاتفاق الجديد.

وفيما يتعلق بالحرب التجارية مع الصين، أظهر الرئيس الأميركي مؤشرات إيجابية، معلناً أن المفاوضات مع بكين ستُستأنف قريباً جداً.

كما أجري ترامب مباحثات جيدة مع رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون الذي نجح في انتزاع مكسب دبلوماسي لبلاده تمثّل في وعود أميركية بالإسراع في إبرام اتفاق تجارة حرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمقرر حدوثه في 31 أكتوبر المقبل.

وقاد ترامب مناقشات مثمرة مع رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي حيث ركزا على التقدم الذي أحرزه الرئيسان في إبرام اتفاق تجارة حرة يُجنّب طوكيو موجة رسوم جمركية أمريكية.

كما وصف ترامب، على موقع التواصل "تويتر"- لقائه الثنائي مع رئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، بأنه "جيد جدا" وذلك خلافا لما كان الوضع عليه العام الماضي في قمة الدول السبع حيث شن ترامب هجوما شرسا ضده. 

ويرى المراقبون أن هذا الأداء المختلف للرئيس الأميركي والإنجازات التي شهدتها قمة الدول السبع يرجعان بدرجة كبيرة إلى الجهود التي قامت بها الدبلوماسية الفرنسية، وتحديداً الرئيس ماكرون الذي نجح في أن يلين مواقف "سيد البيت الأبيض" وتأمين مناخ توافقي لإزاحة التوتر وإنجاح القمة، فقد تعمد على سبيل المثال عدم الإشارة، خلال لقائه نظيره الأميركي في منتجع بياريتز، إلى انتقادات ترامب التي سبق أن وجهها له، بل خصّه باستقبال متميّز و"غداء عمل" ثنائي وصفه الرئيس الأميركي بأنه "أفضل لقاء" جمع الرجلين "على الإطلاق".

ورغم تحذير البعض من خطورة الإسراع في التفاول إزاء نتائج قمة مجموعة السبع خاصة أن هذا النوع من اللقاءات لايثمر عنه إنجازات كبرى، إلا أن فريق واسع من المراقبين أكد أنه- بعيدا عن النتائج المنتظرة- فإن الرئيس ماكرون قد نجح خلال فعاليات هذه القمة في ممارسة نوعا من الدبلوماسية الفاعلة والمؤثرة التي جعلت من قمة مجموعة السبع لقاء متميزا يعيد للجمهورية الفرنسية ريادتها على الساحة الدولية.