فوضى «الكافيهات» تبتلع الشوارع.. هل يواجه القانون الجديد 2 مليون مقهى؟

فوضى «الكافيهات» تبتلع الشوارع.. هل يواجه القانون الجديد 2 مليون مقهى؟
فوضى «الكافيهات» تبتلع الشوارع.. هل يواجه القانون الجديد 2 مليون مقهى؟

- «الإحصاء»: لدينا 2 مليون مقهى.. و150 ألفا بالقاهرة.. وإنفاق 40% من الرواتب.. و40 مليار جنيه على الشيشة

- إشغالات وضوضاء وتحايل على التراخيص وسرقة كهرباء وتهرب ضريبي وافتقاد الأمن الصناعي

- القانون الجديد.. مواعيد للفتح والغلق.. وتقديم الشيشة بترخيص.. وتركيب كاميرات.. والعقوبة 20 ألفا

- «برلماني»: إعداد اللائحة التنفيذية لقانون المحال والمقاهي.. والغلق وسحب التراخيص «رادع»

- «عبدالله»: تنشر الإدمان والمشكلات الأسرية والنفسية.. وعودة المؤسسات التربوية «ضرورة»

 

بين كل مقهى ومقهى يوجد «مقهى» في شوارع مصر المحروسة، ووفق الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أنه يوجد 2 مليون مقهى في مصر، وتستحوذ محافظة القاهرة وحدها على 150 ألف مقهى، ويبلغ حجم إنفاق المترددين عليها 40% من رواتبهم، كما تبلغ التكلفة الاقتصادية التي ينفقها المصريون سنويا على تدخين السجائر والشيشة 40 مليار جنيه.

2 مليون مقهى تمتلئ بهم شوارعنا ينشرون الإشغالات من كراسي وطاولات و«تاندات» ويعتدون على حق المشاة في الرصيف، ويعطلون المرور، وأوكار للفوضى وترويج المخدرات والتحرش والإزعاج والضوضاء وإهدار الوقت، ما يزعج السكان الذين يقطنون أعلى تلك المقاهي.

الأخطر من ذلك التحايل على التراخيص كأن يحصل على رخصة «مطعم سياحي» من وزارة السياحة ويحوله لـ«كافيه» أو مقهى بعد ذلك، فضلا عن سرقة الكهرباء والمياه والتهرب الضريبي، ونشر أساليب التغييب والتسطيح بالمجتمع، وافتقادها لإجراءات السلامة والأمن الصناعي وتركيب الكاميرات المراقبة!

لم تكن المقاهي وحدها التي تنشر الإشغالات بشوارعنا؛ فتشاركها المطاعم أيضا بمد أفرانها و«الشوايات» والمقاعد والطاولات وتتصاعد منها الأدخنة، فلا تندهش إذا كانت مساحة المطعم متر× متر وتجده وقد توسع وامتد حوله وأمامه لأمتار عديدة!

«بوابة أخبار اليوم» قامت بجولة في شوارع القاهرة والجيزة لرصد مخالفات وإشغالات المطاعم والمقاهي، كما ناقشنا الخبراء للتعرف على كيفية مواجهة تلك المخالفات، ومستجدات القانون الجديد لتنظيم المحال العامة والمقاهي.

 

إشغالات ومخالفات بالجملة

في شوارع المريوطية وسهل حمزة والكوم الأخضر والعريش المتفرعة من شارع الهرم بالجيزة؛ تصطف الكراسي والطاولات التابعة للمقاهي معتدية على الأرصفة وحقوق المشاة والسيارات في الشوارع، ما ينتج عنها نشوب مشادات كلامية وأحيانا مشاجرات بين أصحاب المقاهي وقائدي السيارات.

أما عم «محمد»، أحد سكان شارع العريش سهل حمزة، فيقول إن الشارع به مقهى يفتح أبوابه 24 ساعة، ليل نهار لا يكف عن الضوضاء والإزعاج لسكان العمارة أعلاه، ويعتدي على مدخل العمارة فضلا عن تحرش الشباب به بالفتيات من سكان العمارة.

يلتقط منه طرف الحديث عم «سعيد»، أحد سكان الشارع، فيقول إن مطعم «المشويات» والفراخ تتصاعد منه ألسنة الدخان ليل نهار ولا يقوم بتركيب احتياطات الأمن الصناعي من فلاتر وشبكات لتنقية الدخان، موضحا أن أدخنته تتصاعد حتى شرفات العمائر وينشر التلوث والروائح النفاذة في كل مكان.

أما سرقة التيار الكهربائي والمياه والتهرب الضريبي، فهو حال كثير من مقاهي منطقة مصر القديمة، وعلى مرأى ومسمع الجميع بمناطق البساتين والأباجية والفسطاط وحوش "الغجر"، ولاسيما ترويج الحبوب المخدرة والتحرش، وذلك بحسب روايات سكان المناطق المحيطة بتلك المقاهي.

أما شوارع وسط البلد بالقاهرة في محمد نجيب والتحرير والعتبة والإسعاف؛ فإشغالات المطاعم والمقاهي لا تغيب عن الشوارع ما ينتج عنها تعطيل المرور.

ورغم أن المقاهي في وسط البلد تكون لأهداف أخرى غير قضاء وقت الفراغ وتدخين الشيشة؛ كجمع أبناء المهنة الواحدة والاسترزاق من المقهى حال المحامين والسماسرة والحرفيين وأصحاب «الصناعات»، إلا أن الإشغالات والمخالفات هي القاسم المشترك بين كل المطاعم والمقاهي في شوارعنا.     

 

جهود كبيرة.. والأزمة مستمرة

كل يوم تطل علينا وسائل الإعلام بأخبار حملات المحليات بالتعاون مع شرطة المرافق لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط للشارع المصري وإغلاق المقاهي والمحال المخالفة، ووضع المضبوطات بمخازن الحي وتحرير المحاضر اللازمة، لكن تبقى الأزمة مستمرة!

لكن محافظة القاهرة تؤكد على مواجهة المخالفين ومراجعة تراخيصها وإغلاق غير الملتزم باشتراطات الترخيص، ومؤخرا أسفرت تلك الحملات خلال يوم واحد عن تنفيذ 630 إزالة إدارية، وتحرير 106 محاضر إشغال طريق و46 محضر إدارة دون ترخيص، وكذلك تحرير 23 محضر تلوث بيئي، و33 محضرا ضد باعة متجولين، بالإضافة إلى رفع العديد من عربات اليد وعربات الفول ولافتات إعلانية غير مرخصة.

لكن الأزمة تكمن في أن العقوبات غير رادعة، ما يجعل مشهد الإشغالات والمخالفات يتكرر رغم الجهود الكبيرة المبذولة، فأخر تعديل على قانون رقم 140 لسنة 1956 في شأن إشغال الطرق العامة، والذي تسري أحكامه على الميادين والطرق العامة على اختلاف أنواعها، كان في يوليو 2016، وبقضي بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه.

قانون جديد لتنظيم المقاهي والمحلات

مجلس النواب قرر أن يتصدى للأزمة فأصدر في 15 يوليو من العام الجاري، نهائيا قانون المحال العامة، ويعطي التشريع لوزير التنمية المحلية، سلطة تحديد مواعيد فتح وغلق المحال العامة، كما يلزم المحال العامة والتي تشمل "المطاعم والكافيتريات والكافيهات والمقاهي، الفنادق والبنسيونات"، بتركيب كاميرات للمراقبة الخارجية، بهدف مساعدة قوات الأمن في ضبط المنظومة الأمنية في الشارع، فضلا عن كاميرات للمراقبة الداخلية.

ويهدف القانون لتقنين وضع المحال المخالفة، ووضع مجموعة من الضوابط لتنظيم حالة الفوضي الموجودة بها.

وحظر التشريع على المحال العامة تقديم "الشيشة" إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك، برسوم لا تتجاوز 10 آلاف جنيه، على أن تؤول نسبة 10% من تلك الرسوم إلى موازنة وزارتي الصحة والبيئة مناصفة فيما بينهما.

ومنع التشريع فتح أو تشغيل صالات ألعاب رياضية أو نواد صحية بالمحال العامة وكذلك لعب القمار.

ويُغلق المحل إداريًا، طبقا للقانون، في الحالات الآتية:

1- إذا تغير نوع المحل أو الغرض المخصص له دون الحصول على ترخيص جديد.

2- البيع بأسعار تغاير التي اعتمدتها جهة الترخيص.

3- تحصيل حد أدنى من "الزبائن" لتقديم الخدمات، والمعروف بـ"مينيمم تشارج".

4- تحصيل مقابل خدمة على قيمة الفاتورة.

5- تقديم "الشيشة" دون الحصول على ترخيص.

كما تُلغي رخصة المحال، في الحالات الآتية:

1- إذا أوقف العمل بالمحل لمدة 12 شهرا، ما لم يكن هذا التوقف بسبب قوة قاهرة أو أسباب خارجة عن إرادة المرخص له.

2- إذا قام المرخص له بتعطيل أو إتلاف أو إزالة كاميرات المراقبة الخارجية أو التلاعب عمدا فى بياناتها المسجلة.

وفرض التشريع عقوبة بالحبس لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه، في الأحوال التالية:

1- بيع أو تقديم مشروبات روحية أو مخمرة أو كحولية دون ترخيص.

2- استعمال تلفاز أو وسائط عرض أو ألعاب لجذب الجمهور دون ترخيص.

كما فرض القانون عقوبة بالحبس وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه، في الحالات الآتية:

1- تقديم "الشيشة" دون تصريح.

2- كل من حصل على مقابل خدمة على الفاتورة الصادرة عن المحل العام.

3- كل من وضع حدا أدنى للأسعار، نظير التواجد بالمحل العام، أو تقديم الخدمات.

ومنح القانون الجديد مُهلة 6 أشهر من صدور القانون لأصحاب المحال، لتوفيق أوضاعهم، على أن تُمنح المحال التي بدون تصريح، تصريحا مؤقتا بالتشغيل لمدة 6 أشهر، مقابل رسم تأمين لا يجاوز 500 ألف جنيه لحين توفيق أوضاعهم.

 

تطبيق القانون والعقاب التدريجي

ويقول النائب سليمان العميري، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن قانون تنظيم المحال العامة والمقاهي صدر في منتصف شهر يوليو الماضي، وبعد صدور القانون يعقبه إعداد اللائحة التنفيذية لتطبيقه، وذلك بواسطة جهة الإدارة التنفيذية المتمثلة في وزارة التنمية المحلية، وإذا جاء فيها أي بند مخالف لنصوص القانون يتم مراجعتها من جديد أمام لجنة الإدارة المحلية.

وأوضح «العميري»، أن القانون نص على مهلة 6 شهور لبدء تنفيذ القانون منذ إقراره في 15 يوليو الماضي، ويجب انتهاء جهة الإدارة المتمثلة في وزارة التنمية المحلية من إعداد اللائحة التنفيذية للقانون، مؤكدا أن المحليات هي من تعطي وفق القانون ترخيص استخدام الشيشة في المقاهي.

وأضاف أن إشغالات المقاهي والمطاعم ملزمة بإزالتها المحليات بالتنسيق مع أجهزة الأمن بوزارة الداخلية لأنها الجهات المنوط بها تطبيق القانون، مشددا على ضرورة إزالة الإشغالات بشكل صارم وحازم لإعطاء المواطن حقه في الرصيف والشارع وتسيير الحركة المرورية.

وشدد على ضرورة تطبيق "العقاب التدريجي" وليس إزالة الإشغالات فقط، بأن يتم فرض الغرامة المادية في أول مرحلة ثم رفعها تدريجيا لأربع مراحل وبعدها غلق المحل أو المقهى وسحب الترخيص من صاحبها، وتلك الإجراءات تشكل رادع للمخالفين الذين يشغلون الطريق بدون الالتزام بالترخيص.

وذكر عضو مجلس النواب، أن أصحاب المقاهي والمطاعم يمنحهم الترخيص مساحات محدودة "عين" فيستغلوا مساحات كبيرة حولهم من الأرصفة والطرق معتدين على حق المشاة والسيارات في الشارع، مشيرا إلى تحايل بعض أصحاب المقاهي على شروط التراخيص بجلب ترخيص مطعم سياحي من وزارة السياحة ويحوله بعد ذلك لمقهى ويجب على جهات تنفيذ القانون متمثلة في المحليات والشرطة تنفيذ القانون وإلزام أصحاب المقاهي والمحلات بشروط الترخيص الحاصلين عليها.

وأكد على ضرورة تطبيق قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، أي ترك أصحاب المقاهي والمحلات يعملون لتوفير فرص عمل وأبواب رزق، دون التعدي على حقوق الآخرين في الرصيف والشوارع وتعطيل حركة المرور.

أمراض اجتماعية ومشكلات أسرية

أما الدكتور إيمان عبدالله، خبير علم النفس والاجتماع، فتقول إن المقاهي موجودة في التراث الشعبي والثقافي للمصرين، وكانت تستغل بشكل لائق للاجتماعات الثقافية والأدبية والسياسية بشكل متحضر ونشر الوعي والثقافة، وكان لدينا مقاهي متخصصة لجلوس الأدباء والمثقفين، وكانت جلوس المقاهي يلهمهم الأفكار والأشعار، فمثلا الراحل الكبير نجيب محفوظ كان يكتب رواياته على مقاهي الحسين، وكانت لا تعطل حياة الناس ولا تضر بالسكان.

وتابعت «عبدالله» حديثها لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن المقاهي أصبحت ملاذ الشباب هذه الأيام لأن لديه وقت فراغ كبير يقضيه في الحوارات غير الهادفة وإدمان الشيشة والتبغ، رغم أن معظم الدراسات أكدت أن أبرز أسباب العقم هي التدخين، مشيرة إلى أن المقاهي أوكار لانتشار أصدقاء السوء والإدمان والمخدرات مع غياب رقابة الأسرة على الشباب، فضلا عن استكانة الشباب للبطالة والركون لعدم البحث عن عمل.

وأوضحت أن الهروب من المشكلات الزوجية والأسرية وإضاعة الوقت وجذب الشباب المتسربين من التعليم، بإتاحة خدمات الإنترنت "واي فاي"، مؤكدة على أن المقاهي تغيرت أشكالها واحتلت الأرصفة والشوارع بدلا من كونها داخل مكانها المخصص اللائق سابقا، وجلوس الفتيات عليها وشرب الشيشة وإقامة الخيام الرمضانية، ما أدى لتغييب القيم والأخلاق في المجتمع.

وذكرت أن المقاهي تنشر الأذى على الطريق ضاربين بحدث الرسول  - صلى الله عليه وسلم – "إماطة الأذى عن الطريق صدقة" وكذلك الحديث الشريف: "إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ".

وأكدت خبير علم النفس والاجتماع، أن المقاهي أصبحت بديل الشباب عن ممارسة الرياضة ما سبب اضطرابات نفسية لهم، فضلا عن الجلوس في الشوارع وابتلاع تلوث وأدخنة السيارات، وذلك نتيجة غياب مؤسسات الثقافة والترفيه والرياضة والإبداع.

ولفتت إلى أن جلوس الآباء على المقاهي يضر بدورهم الأسري ورعاية الأبناء وتربيتهم، فضلا عن ابتعادهم عن زوجاتهم وإحساسهن بالفراغ العاطفي والإهمال في تربية الأبناء، وصولا للتفكك الأسري.

وطالبت الشباب باستثمار أوقاتهم في إقامة مشروعات صغيرة أو تسويق إلكتروني تدر عليهم دخل مادي بدلا من استمرارهم "عالة" على أسرهم، مشيرة إلى أن العلاج يكون باستعادة دور المؤسسات الدينية والتربوية كالمدارس والجامعات ووسائل الإعلام لتوعية الشباب بحسن استثمار الوقت واستغلال طاقاتهم.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي