إنها مصر

وماتت «داليا حجى»!

كرم جبر
كرم جبر

و«داليا حجى» لا أعرفها، ولكنها فتاة جميلة «زى القمر»، عمرها مثل زهور الربيع، شكلها منفتحة للحياة ومحبة لها، كانت تجلس وتضحك، وفجأة سكتت وماتت، وتركت طفلة صغيرة.
«متغلاش على اللى خلقها»، وكل نفس ذائقة الموت، وربنا يرحمها ويسكنها فسيح جناته، وصورتها على فيس بوك تفتت الدموع فى العيون، وصديقاتها يكتبن رثاءً مليئا بالاستغراب والدهشة والصدمة.. كيف تموت داليا؟ أو: لماذا يموت الشباب فى سن مبكرة؟
فى الأيام السابقة زادت حالات الموت المفاجئ، لشباب فى مقتبل العمر، أصحاء، أقوياء، زى الفل، يلعبون رياضة، أحوالهم المادية ميسورة، حياتهم مستقرة، ليست لديهم مشاكل فى الحياة.
وفجأة «يطب» الشاب أو الفتاة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون، ويسيرون فى جنازة الميت، والجميع لا يبكى عليه، بل يبكى على نفسه، فلا دواء من الموت، وهو ضيف ثقيل يأتى فى الوقت الذى يختاره، دون إنذار أو إخطار.
سألت أطباء كثيرين: لماذا يموت الشباب فى سن مبكرة؟
لكل أجل كتاب، ولكن الطب يفسر: رقم واحد: ضغوط الحياة ومشاكلها واستفزازاتها، فتشكل عبئاً رهيباً لا يتحمله المخ، فيصدر إشارات للقلب أن يتوقف.. رقم اثنين: أن يكون الشاب مريضاً وهو لا يعلم أنه مريض، فمعظمنا يقول «خليها على الله».. ونعم بالله، ولكن الوقاية قد تكون نافعة.. رقم ثلاثة: الموت يمشى فى خطاوينا وهو الذى يقرر متى يتوقف.
أياً كانت الأسباب، فهى مجرد تبريرات زائفة، لفهم قضية محسومة وغير مفهوم أسبابها، فالموت ليس سلباً للحياة ولا نهاية للوجود، ولكنه انتقال إلى حياة أخرى وبعث جديد، ولا يمكن أن تستمر حياة البشر بلا نهاية، وإلا بحثوا بأنفسهم عن وسائل يتخلصون بها من العيش الطويل وملل الحياة.
فلسفة الموت نفسها فيها انتصار للحياة، عش واعمل واكسب واتق الله، ولا تظلم ولا تخطئ ولا تغتل ولا تغتب، وهيئ نفسك لتعيش طويلاً، وأيضاً لتموت فجأة، وكن مستعداً فى كل الأحوال.
وما دمنا نعلم جميعاً أنه لا مفر، فلماذا نحزن ولماذا نبكى ولماذا نكره الموت ونحب الحياة؟
أصعب ما فى الموت أنه لا يمكننا من الاطمئنان على من نحب، فارقونا دون أن نعلم أحوالهم، ودون أمل فى أن نراهم ونسمع صوتهم ونجلس بقربهم.. إنه الفراق.
الفراق هو القسوة، ولا سبيل لمواجهته إلا التدريب على النسيان.. كمن يطلب منك وأنت ضعيف أن ترفع أثقالاً، أو أن تصارح شبحاً مجهولاً يظهر ويختفى دون إشارات.
رحمك الله يا «داليا»، لا أعرفك، ولكن حين رأيت صورتك، ياسمينة بيضاء كان يداعبها نسيم الفجر، فوق غصن متمايل، ثم فجأة سقطت، وتلاشت تحت تراب الأرض.. وتحت التراب بشر كثيرون، كان من الصعب الاستغناء عنهم.
عش أيامك فى الخير، واطرد من عالمك الشر وأهل الشر، فالعمر قصير ولا تتركه يضيع هباء.