«مهن في طي النسيان»| الأخصائي النفسي والاجتماعي في «الإنعاش».. وخطة لإنقاذه «ضرورة»

الأخصائي النفسي والاجتماعي في «الإنعاش».. وخطة لإنقاذه «ضرورة» - صورة مجمعة
الأخصائي النفسي والاجتماعي في «الإنعاش».. وخطة لإنقاذه «ضرورة» - صورة مجمعة

- «البيلي»: فقدان الثقة في المؤسسة التعليمية وقلة أعدادهم مع الكثافة الطلابية وغياب التدريب

- «عبدالعزيز»: ضعف الرواتب ولا توجد مكاتب لهم والخلط بين أدوار الأخصائي النفسي والاجتماعي

- خبراء تربويين: غياب العيادة النفسية وعدم تعيين المؤهلين.. ودوره «مهم» لمواجهة هذه المشكلات

- الحلول.. التنسيق مع كليات الطب وربط الأخصائي بمجلس الآباء وطبع كتيب لأمراض الطلاب

باتت مهنتا الأخصائي النفسي والاجتماعي في طي النسيان، بل تحتضر في مدارسنا، وتحتاج لتدخل عاجل لإنقاذها، خاصة مع تزايد المشكلات النفسية والاجتماعية في مجتمعنا، كارتفاع معدلات الطلاق وما ينتج عنه من تفكك أسري يلقي بظلاله على الأبناء، والحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها كثير من البيوت المصرية، ودخول طلاب وافدين من دول عربية تشهد نزاعات مسلحة كسوريا واليمن والعراق إلى المدارس المصرية واختلاطهم بالطلاب المصريين، وغيرها الكثير من المشكلات.

وتمتلئ بمدارسنا بظواهر نفسية واجتماعية كثيرة، كالتنمر والإيذاء النفسي والبدني والإدمان والعنصرية والعدوانية والشجار بين الطلاب والانطواء والتبول اللاإرادي وضعف اكتشاف المواهب والهوايات وتنميتها للطلاب، لذا تناقش «بوابة أخبار اليوم» مع الخبراء أزمات مهنتا الأخصائي النفسي والاجتماعي، وسُبل النهوض بها وتطويرها لتحقيق الأهداف والأدوار المرجوة منها، وكذا نتطرق لإشكالية الخلط بين المهنتين.

 

أزمات الأخصائي النفسي والاجتماعي

في البداية يقول الدكتور أيمن البيلي، الخبير التربوي ومؤسس نقابة المعلمين المستقلة، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن الأخصائي النفسي والاجتماعي هما أحد أهم الأركان داخل المدرسة خصوصا للتعامل مع الطلاب ذوي المشكلات الخاصة، مضيفا أن أي مجتمع عبارة عن مجموعة من السلوكيات تنتقل من خارج المجتمع للمدرسة والعكس، ويكتسبها التلميذ من البيئة المحيطة به، وبالتالي أحد أدوار المدرسة هو تقويم السلوك الخاص بالتلاميذ لجعله مواطن صالح، وأحد أهم العناصر المساهمة في إعادة تشكيل سلوك التلميذ خاصة في التعليم الإعدادي والثانوي.

 

ولفت إلى أن الأخصائي النفسي دوره هو تقويم سلوك الطلاب الذين يعانون من مشكلات العنف والتنمر والإنطواء والاغتراب، وهي لها أسباب كثيرة اجتماعية ونفسية واقتصادية، وهي موجودة داخل المدارس وتشكل خطورة على المجتمع كله، وبالتالي المدرسة منوطة بعلاج هؤلاء من خلال الأخصائي النفسي والاجتماعي.

 

وأكد د. «البيلي»، أن تراجع دور الأخصائي النفسي والاجتماعي لعدة أسباب أهمها؛ فقدان الثقة بشكل عام في المؤسسة التربوية الحكومية من قبل المجتمع نتيجة لوجود التعليم الموازي «التعليم الأسود» وهو الدروس الخصوصية، والذي تنتفي فيه كل القيم التربوية والسلوكية ويقتصر فقط على جانب واحد تعليمي قائم على الحفظ والتلقين، وارتفاع معدلات الكثافة داخل الفصل الدراسي الواحد أدى إلى عدم قدرة أخصائي واحد على متابعة مدرسة كاملة، الأمر الذي يتطلب 4 أو 5 أخصائيين داخل المدرسة، حتى يقوم بدوره بكفاءة وجودة عالية.

 

وتابع حديثه قائلا: «لا يوجد تطوير مهني حقيقي للأخصائيين، فنحن نسمع عن دورات تدريب لمعلم الفصل أو دورات على الإدارة المدرسية، لكننا لم نسمع يوما عن تخصيص وزارة التعليم أو أكاديمية المهن التعليمية عن دورات لتطوير الأخصائي الاجتماعي مهنيا وتثقيفه من حيث انتهى الآخرون في مدارس علم النفس المختلفة للتعامل مع المراحل العمرية المتعددة»، موضحا أن هناك أخصائيين لا يدركون مثلا معنى «التنمر» المتمثل في قيام مجموعة من الطلاب بالإيذاء النفسي وأحيانا البدني لأحد الطلاب ضعاف الشخصية الذين يعانون من أمراض نفسية أو إنطواء، وتساعد في هذا النوع من العنف المدرسي مثيرات اجتماعية منها العنف الأسري أو عنف الوالدين مع الأبناء وكذلك أفلام العنف، وهذا العنف يمكن معالجته بواسطة الأخصائي ولكننا لم نجد دورة واحدة لمواجهة هذه الظاهرة.

 

وأكمل الخبير التربوي ومؤسس نقابة المعلمين المستقلة، أن أهم أسباب تراجع دور الأخصائي هو عدم تعيين الحاصلين على مؤهلات متخصصة (خريجي آداب وتربية علم نفس وحاصلين على ماجستير ودكتوراه) ودرسوا هذه الظواهر المدرسية ولا يتم تعينهم، مضيفا أن غياب العيادة النفسية داخل المؤسسة التعليمية التربوية في مصر، منوها على أننا حين نقوم بتقليد برامج تعليم أجنبية سواء المشروع الياباني أو الألماني أو الصيني لا ننقل التجربة بكاملها خاصة فيما يسمى بالعيادة النفسية والاجتماعية ودور الأخصائي، وهي غير مكلفة على الإطلاق، وفيها يشرف على المدرسة أحد الاستشاريين أو أساتذة الجامعات ويقوم بالمرور على المدرسة ودراسة الحالات ومقابلتها داخل العيادة النفسية والحصول على ملفات من الأخصائي عنهم.

 

وذكر أنه في إطار دعم الدولة وتشجيعها لعملية دمج الطلاب الذين يعانون من حالات قصور في الذكاء ودمجهم بين الطلاب كجزء من العلاج، تظهر أهمية العيادة النفسية.

 

الخلط بين الأخصائي النفسي والاجتماعي

 

وتابع د. «البيلي» حديثه لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنه يتم الخلط بين دور الأخصائي النفسي والاجتماعي، فدور الأخصائي الاجتماعي هو بحث علاقة الطالب بأسرته وتأثير هذه العلاقة على مستوى الطالب داخل المدرسة، أما الأخصائي النفسي يقوم بدراسة الحالات النفسية السلوكية الخاصة بكل تلميذ، ولدينا قرارات وزارية وإدارية منظمة لطبيعة دور كل واحد منهم، وأحيانا تكون هناك حالات مشتركة يقوما الأخصائي النفسي والاجتماعي بدراستها كمعاناة أحد التلاميذ من إنطواء أو عنف شديد مع زملاؤه أو الاعتداء على المدرس أو كسر مقعده أو تمزيق الكتب، فيقوما الأخصائي النفسي والاجتماعي بدراسة الأسباب ونمط تربيته ومحاولة تقويم هذا السلوك وتطبيق برامج علمية تناسب المرحلة العمرية للتلميذ ومتابعته خارج المدرسة.

 

تطوير دور الأخصائي

 

وشدد على ضرورة أن تكون هناك برامج من وزارة التعليم والتعليم العالي خاصة كليات التربية والآداب لعقد دورات تخصصية، والتنسيق بين كليات الطب وخاصة الطب النفسي ووزارة التعليم لعرض الحالات السلوكية على متخصصين.

 

ونوه على ضرورة أن يكون هناك كتيب مطبوع داخل المدرسة للأخصائي النفسي والاجتماعي حتى يتم الرجوع له، خاصة أن منظمة اليونسكو أصدرت كتاب للأمراض المنتشرة بين أطفال العالم، والسلوكيات المشتركة لأطفال العالم النامي وكيفية التعامل معها.

 

وذكر أنه لدعم دور الأخصائي النفسي والاجتماعي لابد من حوافز مالية لهم خاصة مع معاناتهم الاقتصادية وكونهم لا يقومون بإعطاء دروس خصوصية، لتأمينه اجتماعيا، مشددا على ضرورة إشراك الأخصائي النفسي والاجتماعي في مجلس الآباء وكذلك مجلس الأمناء لعرض الحالات على المجلسين لإشراك أولياء الأمور في تقويم سلوك أبنائهم.

 

واقترح إنشاء مجلس للتقويم الاجتماعي والسلوكي للتلاميذ يكون عناصره الأساسية أولياء الأمور والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين ومدير المدرسة.

 

أهمية الأخصائي بالمدرسة

 

وأشار د. «البيلي»، إلى أن تزايد نسب الطلاق في مصر لتحتل المركز الثاني عالميا، وصعوبات اقتصادية على الأسرة المصرية في المصروفات تنعكس على الطلاب إما بالعنف أو الإنطواء، ومجيء وافدين من دول أخرى بثقافات وعادات مختلفة ولون بشرة وزي مختلف، ولكي يتم الإندماج يحدث نوع من الاحتكاك في البداية بين هؤلاء الطلاب تتطلب تدخل الأخصائيين، وكذلك المناهج نفسها تؤدي إلى عنف في طريقة عرضها وشرحها وتخلف المعلم في طرق التدريس ولجوئه للعنف ينعكس على الطلاب بالنفور والتنمر والهروب من المدرسة والتسرب من التعليم، وكل ذلك يتطلب أخصائي نفسي واجتماعي على درجة من العلم والتطور لمواجهة هذه الظواهر.

 

تخصيص أماكن للأخصائيين

أما الدكتور محمد عبد العزيز، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس والخبير التربوي، فيقول إن هناك خلط بين عمل الأخصائي النفسي والاجتماعي، فالأخصائي النفسي يعالح المشكلات النفسية للطلاب، أما الأخصائي الاجتماعي دوره محدد بمشكلات الطلاب مع بعضهم أو مع المدرسين أو الإدارة أو مشكلة مجتمعية يعيشها الطالب في أسرته، فيأتي دور الأخصائي المدرب جيدا حتى يناقش الطالب بعيد عن أقرانه لأنه قد يكون لديه مشكلة مجتمعية لا يرغب في المصارحة بها لأحد، مضيفا أن الأخصائي لا يوجد له مكان محدد في المدرسة أو معه مدرسين آخريين، فكيف نطالب الأخصائي بمناقشة الطالب بشكل فردي؟!

 

وأوضح أن افتقاد التدريب يؤدي لاستمرار المشكلات والعنف المدرسي، والإدارات لا تصعد المشكلات وتتركها لتزداد، منوها أن قلة أعداد الأخصائيين أزمة مستمرة أيضا، ففي المدرسة حوالي ألف طالب بها أخصائي اجتماعي واحد فكيف يمارس عمله في حل مشكلات كل الطلاب؟!.. وقد يضطر لزيارة منزلية لأسرة الطالب، مضيفا أن أغلب الأخصائيين "نساء" وهم معرضون لمشكلات صحية أو إجازة زواج ووحمل ووضع فلا توجد بدائل!

 

وأشار إلى أن الحلول تكمن في زيادة أعدادهم، ورفع الرواتب فقد يضطروا لمصروفات إضافية تتعلق بزيارات منزلية للطلاب، ووضع لائحة لاختيار الأخصائي النفسي والاجتماعي وعمل اختبارات له، وتخصيص ميزانيات لذلك، ووضع كود مخصص لكل قائم بعمل لتحديد التوصيف الوظيفي العملي على أرض الواقع، وتوفير الأماكن المخصصة لهم كغرف منفصلة، وكتابة تقارير بحالات الطلاب ورفعها للجان لحلها.