أمنية

محمد سعد يكتب: صديقى.. تشبث بالحياة

محمد سعد
محمد سعد

«بكل كسرة قلب وصدق ودموع أقول إن السرطان أصعب ما يمكن أن تمر به فى حياتك، فأنا لا أعلم ما مدى إمكانية أن يساعد العلاج فى الشفاء، كما أننى أتساءل أحيانا إذا كان العلاج يستحق كل هذا العناء على المدى الطويل، ولكن يبدو لى أنه أكثر ضررا من نفعه».


هكذا حدثنى صديق لى منذ الطفولة يعيش الآن فى ألمانيا ويعمل فى مجال عمارة السفن، وقد أصابه المرض اللعين منذ عدة شهور، وما زاد الأمر صعوبة أن الأطباء لاحظوا ارتفاعاً كبيراً فى نسبة انزيمات الكبد لديه مما يستوجب وقف تناول جرعات العلاج الكيماوى مما يهدد بزيادة نشاط الخلايا السرطانية.


استكمل صديقى حديثه فأخذ يقول: لا شيء أكثر ألما من محاولة الابتسام والاستمرار فى أن تكون إيجابياً، ولكن بعد جلسات العلاج الكيميائى، وانت تعرف كم التغيير الجسدى الذى يحدث لك والالم المصاحب لذلك، تستطيع بالكاد أن تبتسم أمام من حولك.


أنا لا أعلم ماذا أفعل ولا نتيجة ما أفعل، وصلت إلى منتصف طريقين الاول مر والآخر علقم، هل أستمر بتعاطى السم على أساس انه علاج وهو بالفعل يقتلنى وليس بيدى شئ سوى الرضوخ، أصبحت لا أعرف نفسى، فتارة تتساقط رموشى وحواجبى ويغمق جسدى تماما، وتارة حروق بكفى اليدين والقدمين وتسلخ جلدى، وتارة سقوط شعرى، وتارة تقرحات شديدة للغاية بالفم والحلق لدرجة عدم بلع الريق.


استسلامى غصب، وكأن هناك من يجذبنى للوراء رغم محاولتى التقدم للأمام ما هى إلا خطوات صغيرة وأعود ثانيا للوراء، هذا ليس طبعى ولكن بالفعل هناك وحش مستعمر لا يريد الازاحة ولا الانهزام، ولا أعلم ماذا أفعل.. هل أكمل طريقى بالعلاج الكيماوى القاتل وكل جلسة يكون طريقى محفوفا بالشوك وعلاج العلاج لضعف جسدى المتهالك أم أرفض كل شيء وأحيا طبيعيا ولو لشهور، لكنى أعلم أن خطرها لا يتحمله بشر.


‎هل تعلم ياصديقى شكل وانتظار المجهول فى كل ثانية؟ هل تعلم أن نظرة صغارى وتمسكهم بالأمل يقتلنى فهو يشعرنى بتخاذلى تجاههم؟ هل تعلم مدى وجعى ومعاناتى فى كل لحظة أتعاطى فيها العلاج؟، وما هو إلا سم قاتل كل نقطة تدخل جسدك تحرقه.


هناك الكثير لم أنجزه ولم أعشه مع أولادى، ليس عيبا أو حراما لأستنشق رحيق تفاصيلهم فهم بنظرى أطفال يمسكون بنهاية ملابسى طمعا بالأمان والحماية.


مسك الختام


اللهم ارحم كل من عانى مع مرض السرطان، واشفِ من لا يزال يعانى منه، وأقر أعين أهله بشفائه.