عمرو الخياط يكتب| «على صعيد عرفات.. اصعد واقترب»

الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم
الكاتب الصحفي عمرو الخياط رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم

على صعيد عرفات سيصعد الحجيج، الصعود هنا ليس أمرا ظاهره المشقة فحسب، بل دعوة إلهية للارتقاء في الدرجات، دعوة ربانية للقربى والاقتراب والتقرب إلى رب السماء، وكأن صوت من السماء يؤذن في الحجاج «اصعد واقترب».
صعوداً محاطاً بالتلبية المتواصلة تتدفق نغماتها حولهم « بأثواب الإحرام المنهكة كما الأجساد المتوحدة على قلب واحد معلق برب السماء وبرحمته، لا تتوقف ألسنتها عن الذكر « لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك «، توحيدا وايمانا واعترافا بالنعمة ويقينا في المغفرة من رب الأرباب وملك الملوك، وتجديدا لعهد التوحيد «لا شريك لك لبيك».
كل فج عميق جاء الحجاج بإذن من المولى عز وجل واستجابة لأذان الدعوة الإبراهيمية، هنا يتحقق الوعد الإلهي بتيسير الاستطاعة لمن عقدوا النية على السعي إلى بيت الله الحرام، هنا حيث تبدأ رحلة التوحيد والإخلاص في ثياب الزهد البيضاء حيث تلتقي الجموع الخاشعة على المحجة البيضاء.
حيث عقدت النوايا المخلصة فى شتى بقاع الأرض، التقت اليوم الأجساد فى البقعة الطاهرة بعدما سبقتها الأرواح بالطواف حول البيت العتيق ترتفع أصواتها بالتلبية والعرفان بالنعمة وبالخضوع لصاحب النعمة.
نداء، التلبية رجاء، التلبية ثناء.
ليس كمثله شىء، سبحان الله عما يشركون، تقدست أسماؤه وتنزهت صفاته، استجاب لدعوات المشتاقين لبيته الحرام فنادى عليهم ودعاهم إليه وسخر لهم سبل الاستضافة تحفهم الملائكة وتباهى بهم الأمم.
حول الكعبة لا يتوقف الدعاء، لا يتوقف الرجاء، تتوالى المناسك يؤديها الحجيج محمولين على بساط الرحمة تغمرهم نفحات السماء.
تتواصل التلبية فتتوقف القلوب عندما تجرى الألسنة بإعلان الاعتراف الكامل بالتوحيد «إن الحمد والنعمة لك والملك»، هنا نداء مباشر على ملك الملوك واعترافا معلنا بعظيم نعمه التى أسبغها على عباده، هنا إقرار بالذنب ومعرفة بقدر المنعم ويقينا فى رحمته.
حول الكعبة يطوف الحجيج تتعالى أصوات تلبيتهم بعدما قدروا الله حق قدره، فمن عليهم بحق كرمه وقدر جلاله.
ينهى بعض الطائفين طوافهم ولا تنتهى تلبيتهم تسبقهم قلوبهم إلى الصفا والمروة، حيث تسعى الأجساد تجسيدا لظاهر الشعائر بينما تسعى القلوب إلى مولاها قاصدة السبيل إلى عرش الملك الذى أضاءت أركانه أنوار وجهه الكريم الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة.
لا ينقطع الحجيج عن الشعائر إلا من أجل الصلاة حيث يقف الجميع بين يدى مولاهم فى أعظم اتصال مباشر بصيغة التوسل القرآنية «إياك نعبد وإياك نستعين».
الزهد البيضاء تغطيها علامات المشقة الظاهرة يتجه الحجيج إلى جبل الرحمات، الجميع سيلتقى على الصعيد الطاهر، الجميع ستغشاه رحمات الملك القدوس، الجميع يلتمس نظرة رضا يمنُّ بها عليهم من علياء استواء عرشه العظيم.
هنا يحاط الجميع بحالة السلام الربانية هنا يتجلى ملك الملوك، هنا تتجسد العدالة الإلهية مانحة الجميع فرصة اكتشاف الذات ومحاسبة النفس التى أنهكتها الذنوب وأثقلتها الخطايا، هنا يد الله فوق أيديهم، يد الله مبسوطة كل البسط.
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك.
تلبية لا تنقطع فى رحلة قوامها معانى التوحيد الشاملة، وبراهين الإخلاص الظاهرة.
تبدأ بدعوة إلهية تصل إلى قلوب المدعوين إليها، فيأتون متوسلين إلى مولاهم، معترفين بالذنب متيقنين فى الغفران طامعين فى تدفق أنعمه.
رحلة تنتهى بالنفوس التى تطهرت وزكاها مولاها فاختارها لزيارة بيته المشرف، فعادت إلى أوطانها لتبدأ حياة جديدة بمنحة إلهية من خزائن الرحمة والمغفرة.