حكايات| «الليمون والجنس الناعم» .. رحلة البحث عن لقمة العيش

النساء يجمعن الليمون ويجهزونه للبيع
النساء يجمعن الليمون ويجهزونه للبيع

زقزقة العصافير المنبه الإلهي لسيدات «قرية النجاح»، فعندما تشق الشمس طريقها في السماء يبدأ مشوار فلاحات البحيرة في البحث عن لقمة العيش، فبين أطنان الليمون تغطس النساء في الأمواج الصفراء؛ يتبادلن أطراف الحديث ويبدأن في سرد حكاياتهن وأسرارهن التي تهون عليهن مشقة الرحلة.

 

وراء كل سيدة لغز وقصة وحكاية تنفطر لها القلوب، القاسم المشترك بينهن البحث عن لقمة العيش، التي تتطلب منهن بذل الكثير من المجهود، فجميعهن يأكلن من عرق جبينهن، جسدهن أصبح مبرمجًا على الاستيقاظ مبكرًا؛ للذهاب إلى عملهن لجمع أكبر قدر ممكن من الليمون، وبالرغم من ظروف الحياة الصعبة واستسلامهن إلى الأمر الواقع إلا أن الإيمان بالله نسج لهن خيوطًا من الصبر والتحدي.

 

مشرفة على ما تفرج

 

مع الساعات الأولى للصباح تجد «أم عمرو» نفسها مضطرة إلى الاستيقاظ مبكرًا للتغلب على ظروف الحياة الصعبة، فهي أم لخمسة أولاد يحتاجون إلى الكثير من الرعاية و المصاريف، وزوجها عامل بسيط يعمل في إحدى محطات الري فكان الخيار الوحيد أمامها أن تخرج من قفصها الذهبي لتلتحق بسوق العمل.

 

تواصل أم عمرو حديثها قائلة «حين شعرت بأن الحياة غالية، قررت أن أذهب إلى أقرب محطة ليمون للعمل بها حتى أحصل على أموال لتلبية متطلبات المنزل، وبعدمرور 5 سنواتمن العمل بين أطنان الليمون أصبحت مشرفة على 30 سيدة، وأجري في اليوم يصل إلى 100 جنيه».

 

بنظرة رضا تقول أم عمرو«استيقظ من النوم في الساعة السابعة صباحًا، وأسير مسافة كيلو في الشمس لأصل إلى العمل، وأحاول جاهدة التوفيق بين عملي في الليمون ومنزلي والبركة في زوجة ابني فهي تساعدني في شغل البيت، ومبدأي في العمل "محدش أحسن من حد وكلنا سواسية "لذلك أقوم بجمع الليمون بنفسي».

 

توك توك أم سيد

 

أما أم سيد فهي سيدة مسنة تبلغ من العمر 60 سنة اضطرت رغم كبر سنها أن تشد رحالها وتبحث عن مهنة شريفة لتساعد زوجها خصوصًا بعدما سُرق " التوك توك" الذي اشتراه بالتقسيط ليسترزق منه، ولم يُسدد أقساطه حتى الآن فهي تدفع 1500 جنيه شهريًا قيمة القسط، فعاداتها وتقاليدها وتربيتها الحسنة جعلتها تترك عُشها لتساعد زوجها وتسانده في محنته، وعندما سمعت عن سيرة الحاج سعيد الطيبة قررت النزول معه في محطته للعمل في جمع الليمون.

 

 وبابتسامة تعكس الشقاء تقول أم سيد «بقالي 3 سنين شغالة مع الحاج سعيد في الليمون، بعد ما التوك توك اتسرق من جوزي وتراكمت عليا الديون بسبب زواج بنتي، اضطررت انزل اشتغل فالحياة صعبة، وأنا بقبض 100 جنيه يوميًا وأحيانًا 50».

وتضيف أم سيد «بصحي بدري كل يوم الصبح أروح الشعل أجمع اللي ربنا يقدرني عليه من الليمون وأحطه في شبكة، بعد كده أروح أعمل الأكل وأنام شوية واصحى أرتب الشقة وأخبز العيش».

 

زوجة العجوز

 

ما أن تشير عقارب الساعة إلى السادسة صباحًا تخرج «أم عزت» إلى عملها في جمع الليمون، تلك الفتاة العشرينية المتزوجة من رجل عجوز يتخطى عمرة الـ80 عام تغطس بين أكوام الليمون لتجمع أكبر قدر ممكن منه لتصرف على أبنائها.

 

«كنت متزوجة وبعد عدة أعوام انفصلت عن زوجي بعدما أنجبت منه طفل، تزوجت مرة أخرى من رجل لديه 82 عام لا يستطيع التحرك من المنزل، فواجبي كان يُحتم عليَ أن أقوم بدور الأب والأم في وقت واحد؛ لسد احتياجات المعيشة ومواجهة غلاء الأسعار، فأصبحت حياتي كالروتين أستيقظ من النوم وأذهب إلى محطة الليمون أقوم بفصل كل نوع على حدة، بعدها أعود إلى المنزل لأقوم "بالكنيس والمسيح" كل يوم على هذا الحال، وبالطبع يتم تقسيم ماهيتي بين إيجار الشقة ودروس أولادي» هكذا لخصت أم عزت حكايتها في سطور.

 

الحاج سعيد.. كلمة السر

وراء جميع هذه السيدات يقف «الحاج سعيد» صاحب محطة تصدير الليمون الرجل الطيب الأربعيني الذي أشادت به جميع العاملات ويقول «عندي في المحطة حوالي 35 سيدة منهن الأرملة والمطلقة ومعظمهن من القرية ، دورهن يقتصر في فصل الليمون عن بعضه وتجميعه داخل الشبك وبعدها يقومن بوزنه ووضعه داخل البراد لتصديره، ولم أسمح لهن الخروج في المزرعة حفاظًا عليهن، فهن مثل أخواتي البنات ، فكل 3 سيدات يجمعن "طن" من الليمون يوميًا، وورديتهن تبدأ من السابعة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا».

 

يلتقط «الحاج سعيد» أطراف الحديث مرة أخري قائلًا« قرية النجاح بالبحيرة هي أصل الليمون ونقوم بتصدير محصولنا خارج البلاد والجدير بالذكر أن الشبك الذي يتم تعبئة الليمون به من إنتاج مصانع محلية في بلدنا، فالتصديرمحلي 100%، وعن مواصفات الليمونة الجيدة المناسبة للتصدير يقول «سعيد» يجب أن تكون ملساء وتكون مصبوغة بـ 80% لون فقط، وتصديره يستغرق تقريباً 10 أيام والتي تبدأ من البحيرة مرورًا بسفاجا وميناء ضبا وصولًا لجدة حتى يصل للأسواق العربية».

 

وعلى الهامش يذكر الحاج سعيد أبرز أسباب ارتفاع أسعار الليمون في الفترة الماضية ويقول إن «جشع التجار هو السبب الرئيسي في ارتفاع سعره، فضلًا عن وجود المواسم و الأعياد».