سوق البركة في تونس.. من تجارة العبيد لبيع الذهب

صورة لسوق البركة
صورة لسوق البركة

"لا عبوديّة في مملكتنا ولا يجوز وقوعها فيها، فكلّ إنسان حرّ مهما كان جنسه أو لونه ومن يقع عليه ما يمنع حريّته أو يخالفها، فله أن يرفع أمره للمحاكم"، كان هذا الفصل الأول من الأمر الذي أصدره باي تونس آنذاك، أحمد باي الأول في 1 ديسمبر من عام 1842 والذي يعتبر من يولد في البلاد التونسية حرا لا يباع ولا يشترى.

بهذا أصبحت تونس أول دولة عربية تلغي العبودية في التاريخ كما أنها تجاوزت أيضا دولا متقدمة على غرار الولايات المتحدة التي لم تمنع تجارة العبيد إلا في سنة 1863.

قبل إلغاء الرق وعتق العبيد في تونس أصدر أحمد باي الأول في 6 سبتمبر 1841 أمرا يقضي بمنع الاتجار بالرقيق وبيعهم في أسواق المملكة آنذاك كما أمر بهدم الدكاكين التي كانت معدة في ذلك الوقت لبيع العبيد مثل دكاكين "سوق البركة" أو ما يعرف بسوق الذهب في المدينة العتيقة بتونس.

اليوم بعد أكثر من 150 سنة تغيرت أمور كثيرة في تونس وتغيرت معها دكاكين "سوق البركة" لتصبح من مكان للعبيد إلى معارض للذهب يتوافد عليها التونسيون في موسم الزفاف.

بني سوق البركة في العهد العثماني من قبل يوسف داي سنة 1612 وتعود أصل تسمية "البركة" حسب بعض المؤرخين إلى الجمال التي تأتي حاملة العبيد من أجل بيعها فتبرك في ساحة السوق بعد إنزال العبيد فسمي "سوق البركة".

أول الأسواق المنظمة في تونس


يقول العم رضا، أحد تجار الذهب في السوق، "إن سوق البركة يعتبر من أول الأسواق المنظمة في تونس تاريخيا كما انه لم ينتقل مباشرة من سوق العبيد إلى سوق الذهب "بعد قرار منع بيع العبيد بل أصبح  قبل ذلك سوقا لبيع الحرير و الشاشية (قبعة توضع على الرأس) ثم شيئا فشيئا بدأت تتدفق محلات الذهب حتى اختفت المحلات الأخرى بشكل كلي وأصبح السوق كله حكرا على محلات الذهب".

عائلات تتوارث المهنة

تعتبر عائلة العم رضا من أقدم العائلات المتواجدة في السوق، جيلا بعد جيلا توارثت العائلة قصصا عن بيع العبيد، يقول العم رضا "كان يتم جلب العبيد من مناطق كثيرة من تونس ثم ينقلون إلى سوق البركة  ويتم إنزال العبيد في بطحاء السوق التي لا تزال شاهدة إلى الآن على تاريخ تلك الحقبة ثم يأتي أعيان البلاد للمزايدة على الأسعار فيما بينهم وشراء العبيد."

يقع سوق البركة قريبا من ساحة القصبة الساحة التاريخية التي لطالما كانت مركز حكم الدولة التونسية إلى حد اليوم، داخل المدينة العتيقة ووسط تقاطع أربعة أنهج رئيسية تجد سوق البركة بتونس ذو الشكل المربع والذي ينقسم الى 3 أروقة، يتخلل هذه الأروقة سطرين من الأعمدة الطويلة التي تنتشر بينها محلات الذهب ذات الأشكال الجميلة والمتقنة الصنع.

العم محمد تاجر ذهب آخر دخل لسوق البركة لأول مرة في  خمسينات القرن الماضي ، من بين القصص التي توارثها  العم محمد حول بيع العبيد "شكل السوق مقارنة بالوضع الذي كان عليه قبل 170 سنة لم يتغير كثيرا حتى أن "المصطبة" التي كان يجلس عليها العبيد لبيعهم لا تزال موجودة".

كساد يواجهه السوق اليوم

وبعيدا عن الخلفية التاريخية للسوق يعاني تجار الذهب اليوم من الكساد الكبير الذي يواجه مهنهم بسبب ارتفاع أسعار الذهب و انهيار القدرة الشرائية للمواطن التونسي حتى أن بعض المقبلين على الزواج يفضلون الاقتصار على خاتم و قرطين وقلادة للضغط على المصاريف.

يقول  العم محمد واصفا الوضع المتردي لسوق البركة " قبل عشرات السنين لم تكن هناك محلات لبيع الذهب في المدن الأخرى فكان أهاليها يتنقلون لسوق البركة لشراء حاجاتهم من الذهب، أما اليوم فقد أصبحت محلات الذهب منتشرة في جميع أنحاء البلاد أضف عليه سببا رئيسيا و مهما جدا وهو الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس و التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطن و بالتالي ركود سوق الذهب باعتباره مكملا و ليس شيئا أساسيا لدى المواطن التونسي" .

لازال سوق البركة في وسط المدينة العتيقة شاهدا على ممارسات العبودية  التي حصلت في تونس و تم إلغاؤها قبل أكثر  من 170 سنة، لكن اليوم و حسب بعض المنظمات الحقوقية لا يمكن تفسير العبودية بيعا و شراء إنسان و إنما أصبحت تأخذ أشكالا أخرى و لاتزال هذه المنظمات تناضل من أجل القضاء على هذه الأشكال التي يعتبرها بعض الباحثين رواسب ثقافية.