أمم إفريقيا 2019| البطولة «مش كورة وبس»..الكان «رزق»

أمم إفريقيا 2019
أمم إفريقيا 2019

نجاح باهر حققته مصر فى تنظيم بطولة الأمم الأفريقية المقامة فى الفترة من 21 يونيو إلى 19 يوليو الجارى أبهرت العالم فى قدرتها على التنظيم فى وقت قياسى، وهذا التفوق تأكيد على مكانة مصر الإقليمية والعالمية ويحقق الكثير من الفوائد فى مختلف المجالات وليس فى الرياضة وكرة القدم فقط، فهناك مكاسب اقتصادية تتمثل فى بيع حقوق البث التليفزيونى للبطولة، وحقوق الرعاية والتسويق، بالإضافة إلى تنشيط السياحة إلى جانب إيرادات التذاكر وغيرها، وتوفير فرص عمل وفرص استثمارية للشركات الوطنية، بالإضافة لترويج الإمكانيات الكبيرة التى تتمتع بها الدولة المصرية وحالة الأمن والاستقرار الذى يعيشها المجتمع.. كما أنها تعكس صورة إيجابية للعالم من خلال الدعاية والإعلام، بداية من تسويق النجاح الاقتصادى وصولا لترويج الثقافة وغيرها.. والتأكيد على عودة مصر لمكانتها العظيمة فى المنطقة.

«الأخبار» تناقش فى هذا الملف الفوائد المحققة من البطولة فى جميع الأصعدة، وكيفية استغلال البطولة بالشكل الأمثل لتعظيم الاستفادة.
فوائد اقتصادية بالجملة

1.5 مليار جنيه إيرادات مباشرة.. وفرصة لزيادة الاستثمارات
تنظيم البطولات القارية الكبرى يعود بإيجابيات كبيرة للاقتصاد، من حيث الاستثمارات وجذب المؤسسات والشركات الاقتصادية الكبرى، فما هى الفوائد التى ستعود على الدولة المصرية من الناحية الاقتصادية بعد التنظيم الناجح للبطولة والذى نال الإشادات العالمية؟

يجيب د.عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، بأن بطولة الأمم الأفريقية حدث عالمى حيث تعتبر أكبر ثالث بطولة كروية على مستوى العالم بعد كأس العالم وبطولة الأمم الأوروبية، وتنظيم مصر لهذا الحدث الرياضى الكبير يعطى ثقلا للدولة المصرية وتعد رسالة للعالم بأن مصر دولة آمنة ومستقرة والرد على الشائعات الزائفة التى تضرب مصر بالخارج.. ويتابع بأن للبطولة أهمية كبيرة للغاية من الناحية الاقتصادية لأسباب مباشرة وغير مباشرة، فالعوائد المباشرة تتمثل فى انتعاش السياحة لدرجة كبيرة والدليل على ذلك أن جميع فنادق القاهرة ممتلئة ولا يوجد بها حجوزات متاحة حيث تستضيف مصر وفود 23 دولة مشاركة ومشجعى هذه المنتخبات مما يعكس حركة من النشاط فى الفنادق والمطاعم وغيرها.

ويضيف أن الدولة تتحصل من خلال تنظيم البطولة على جزء من قيمة البث الفضائى من الاتحاد الأفريقى لكرة القدم «كاف» ومن المتوقع أن تحصل مصر على 25 مليون دولار، بالإضافة إلى الإعلانات والدعايا التى تتم داخل الاستادات الخاصة بالمباريات فستحصل الدولة على 300 مليون جنيه، كما تحصل مصر من «الكاف» على نسبة كبيرة من الإيرادات الخاصة ببيع التذاكر وهو مبلغ لن يقل عن 100 مليون جنيه.. فحصيلة مصر من البطولة لن تقل عن 1.5 مليار جنيه إيرادات، بالإضافة إلى المبالغ الأخرى التى يمكن أن تحصل عليها الدولة كجوائز من الاتحاد الأفريقى ففى حالة فوز مصر بالبطولة تحصل على 4.5 مليون دولار، والمركز الثانى يتحصل على 2.5 مليون دولار، والمركز الثالث يحصل على 1.25 مليون دولار.

من جانبه يقول د.جمال القليوبى، رئيس مركز المستقبل للدراسات الاقتصادية والسياسية، إن الدولة ستحقق فوائد اقتصادية كبيرة من تنظيم البطولة، فما قامت به الدولة المصرية لاستضافة البطولة بنجاح أثار انتباه العالم من حيث التجهيزات وتطوير البنية التحتية فى فترة قصيرة لا تتعدى 4 أشهر، بالإضافة إلى التأمين الذى ظهر فى الاستادات التى تستضيف المباريات، ناهيك عن الصيانة والديكورات واستخدام التقنيات الحديثة فى الملاعب ووحدات البث المتقدمة، والاستعداد الدائم لأى طارئ، مما جعل الشعب المصرى فخورا للغاية بقدرتنا كدولة على إنجاز الأهداف الكبيرة.

ويضيف أن النجاح الباهر فى تنظيم البطولة لفت انتباه الأفارقة مما نشط حركة السياحة الأفريقية التى كانت مزدهرة فى مرحلة الستينيات واضمحلت تماما فى مرحلة التسعينيات، وهى من الأمور المهمة التى تعود بالنفع على الاقتصاد.

ويتابع القليوبى بأن البطولة تنقل قدرة مصر الكبيرة فى التنمية من حيث البنية التحتية وشبكة الطرق والكبارى والاستادات والملاعب مما يساهم فى جذب الانتباه لاستثمارات مصرية كبيرة فى الدول الأفريقية، ولذلك لابد من استغلال هذا الوضع فى إقامة صفقات تجارية واستثمارية فى هذه الدول.
«بيزنس التشجيع».. ينتعش
الأعلام من 10 إلى 70 جنيهاً.. و«الفوفوزيلا» بـ 15.. و«الصينى» يكسب

ترتبط البطولة بالعديد من الصناعات التى تعد مصدر رزق للكثير.. بائعو الأعلام و»الفوفوزيلا» وأصحاب محال الطعام والملابس وحديثاً بائعو أجهزة الإرسال والوصلات التى تبث القنوات الناقلة للبطولة.. «الأخبار» رصدت الحالة التجارية لبيع وصناعة أدوات التشجيع التى تشهد رواجًا خلال فترة البطولة.

داخل شارع محمد على بمنطقة العتبة فى محافظة القاهرة، تشهد ورش تصنيع الأعلام نشاطاً مكثفاً، وفى إحدى الورش الشهيرة يتواصل العمل كخلية نحل، أصوات ماكينات الخياطة لا تهدأ، الأقمشة منتشرة فى المكان والأعلام مصطفة على الأرفف، تنتظر عملية الشحن والتوزيع.
يقول عبد الله أحمد صاحب الورشة، إن البطولة تتسبب فى حالة من النشاط لصناعة الأعلام وأدوات التشجيع الأخرى مثل القبعات، وآلات النفخ الصوتية «الفوفوزيلا»، ولكن هناك أزمة تواجه الصناعة المحلية وهى الأعلام المستوردة من الصين، وهى أعلام تتميز بانخفاض الثمن بسبب الخامات الخفيفة أو «البوليستر» الرديئة التى يصنع منها العلم، ولكن الدقة فى اللمسات النهائية للعلم تجعل مظهره جيداً.

ويضيف أن من يستورد هذا النوع من البضائع تكون الكمية بـ»الكونتنر»، وهذه الكميات الكبيرة التى تغرق السوق تؤثر بالسلب على عمل الورش المحلية، ولكن تعود بالنفع على مستوردى الأعلام والباعة أمام الاستادات والملاعب.

ويتابع أن سعر العلم الصينى مقاس وسط 60-90 يصل إلى 15 جنيها كسعر البيع، بينما سعر الاستيراد 9 جنيهات، ومقاس 40-60 بسعر 10 جنيهات، بينما مقاس 30-50 «صغير» يبلغ سعره 7 جنيهات، فيما يصل ثمن المقاس الأصغر 20-30 إلى 3 جنيهات، وهذه الأسعار ليست ثابتة فتختلف حسب المكان والبائع، فهناك بعض البائعين يزيدون من سعر الربح بشكل مبالغ فيه مما يجعل سعر العلم مرتفعا.

ويشير عبد الله إلى أن أعلام الدول الأفريقية الأخرى المشاركة فى البطولة تعد مصدر ربح أيضاً للورش المحلية لأنه لا يتم استيرادها من الصين، وهذه الأعلام تشهد إقبالا كبيرا فى بداية البطولة من الجاليات والوفود المرافقة للمنتخبات وكذلك الفنادق و»الكافيهات»، ويكون سعرها أغلى لأن الخامة من القماش واستخدام الطباعة الكمبيوتر، فمقاس 60-90 يصل سعره إلى 35 جنيها، وهناك المقاس الأكبر 80-120 بسعر 125 جنيها.

انتقلنا بعدها إلى إحدى الورش المجاورة، لم يختلف الحال كثيراً، فيؤكد على إبراهيم، صاحب الورشة، أن البطولة تساعد فى توفير أرزاق الكثير من المواطنين، مثل العاملين فى المطابع والورش ناهيك عن الباعة وغيرهم.. وعلى الرغم من انتشار الأعلام الصينية فى الأسواق إلا أن الصناعة المحلية تظل صاحبة الجودة العالية، فالعمالة المصرية على مستوى عال من الكفاءة والحرفية.

يلتقط طرف الحديث، محمود عبد المنعم، عامل بالورشة، فيقول إن حركة البيع تزداد خلال فترة البطولة، ويكون الطلب أكثر على الأعلام المتوسطة والصغيرة لسهولة حملها بالنسبة للمشجعين، وأحيانا تطلب الشركات أو المؤسسات كميات من أعلام مصر عليه شعار الشركة أو المؤسسة، وهى من مصادر الدخل المهمة للورش.

ويشير أحمد شعبان، بائع أعلام، أنه يحرص على التواجد فى الاستاد قبل المباراة بساعات عندما يبدأ الجمهور بالتوافد وحينها تبدأ عملية البيع، ويشير أن هناك إقبالا كبيرا على شراء الأعلام و«الفوفوزيلا»، ويضيف أن أسعار الأعلام تبدأ من 10 جنيهات حتى 70 جنيها للأعلام الكبيرة، فهناك من يشتريها لتزين سيارته وغيرها، أما «الفوفوزيلا» فتباع بـ 15 جنيها.. الأمر لا يقتصر فقط على أدوات التشجيع، فهناك بيزنس آخر يتعلق بمشاهدة المباريات من المنزل، وهى وصلات التليفزيون الأرضية وجهاز الإرسال الأرضى الذى يبث القناة الناقلة للبطولة.

ويقول محسن السيد، صاحب محل أدوات كهربائية، إن هناك طرقا سهلة كثيرة لاستقبال القنوات الناقلة للبطولة بعيدا عن احتكار قنوات «بين سبورت»، ومن بين الطرق توجد طريقة سهلة عن طريق صناعة «إريال» أرضى بطريقة يدوية بدلا من شراء إريال من أحد المحال التجارية، وتبلغ تكلفة هذه التجربة حوالى 10 جنيهات فقط من خلال توصيل 2 متر سلك دش بجاك التليفزيون الأرضى، وعمل بحث تلقائى وضبط القناة.. وأحيانا يلجأ المواطن لشراء جهاز إريال أرضى، والذى توقف إنتاجه منذ سنوات بسبب انتشار أجهزة الريسيفر، ويبلغ سعر المصرى منه 100 جنيه، أما الطريقة الأكثر انتشارا هى «الجاك الأرضى» الذى يتم توصيله فى سلك الدش ثم تركيبه فى المخرج الأرضى للشاشة أو التليفزيون، وسعر هذه الوصلة 10 جنيهات وفى بعض الأماكن تتخطى الـ20 جنيها بسبب طمع التجار نظرا لشدة الإقبال.

السياحة ..أكثر المستفيدين
استقبال وفود 23 دولة أفريقية بالإضافة إلى مشجعيهم يعد حدثا مهما يحقق مكاسب سياحية كثيرة، فكيف ساعدت البطولة فى تنشيط السياحة، وما هى المكاسب المنتظرة؟

يؤكد هشام الدميرى رئيس هيئة تنشيط السياحة السابق أن أهم أهداف تنظيم بطولة الأمم الأفريقية هو تصحيح الصورة الذهنية عن مصر وتأكيد أن مصر بلد الأمن والأمان، وظهر ذلك جليا فى تنظيم حدث عالمى كبير ومهم فى وقت ضيق، لأن السائح يريد أن يستمتع بكل أوقاته فى جو آمن، وتأمين تلك الأحداث العالمية بهذا الشكل يعطى تأكيدا على أمن وأمان الشارع المصرى.

ويضيف أن تنظيم البطولة يساعد على تنشيط وتنمية العديد من الأنماط السياحية المختلفة والتى توقفت فى مصر جراء الثورة، كسياحة المهرجانات خاصة وأن افتتاحية المونديال ظهرت بشكل قوى إضافة إلى احتفالية القرعة، والسياحة الرياضية وهو ما يضع مصر فى صفوف الدول الأولى التى تستطيع تنظيم مباريات وبطولات عالمية، خاصة بعد ظهور الجماهير بشكل حضارى وراقٍ.

وأشار إلى السياحة الثقافية والشاطئية والترفيهية التى تم تنشيطها بسبب جولات المشاركين فى المونديال فى المتاحف والمعابد التى تم فتحها أمام الأفارقة وإتاحة التذاكر لهم بنفس أسعار المصريين لأن ضيوف كأس الأمم الأفريقية سيصبحون بمثابة سفراء جدد للسياحة المصرية، خاصة أن من بينهم شخصيات رياضية عالمية وإعلاميين ومشاهير على وسائل التواصل الاجتماعى، يملكون تأثيرا واسعا فى الرأى العام العالمى مما يجعل روايتهم لتجربتهم السياحية فى مصر لها الأثر الإيجابى على حركة السياحة الوافدة من السوق الأفريقية.

ويؤكد سامح سعد رئيس شركة الصوت والضوء السابق أن مصر استفادت بشكل كبير من تنظيمها لمباريات كأس الأمم الأفريقية فى العديد من المجالات، خاصة فى مجال السياحة، ونجحت فى تحقيق أهدافها المرجوة من تنظيم المونديال، لاسيما أن الحكومة مهدت لذلك فى مجالات عديدة منها إعادة تأهيل البنية التحتية واستحداث شبكات طرق جديدة سهلة وآمنة للمقاصد السياحية المصرية.. ومن جانبه يوضح د.عادل المصرى المستشار السياحى السابق بباريس، أن البطولة تعتبر فرصة ذهبية للترويج للسياحة المصرية وفتح آفاق للأسواق الأفريقية الواعدة، وإقامتها بالتزامن مع رئاسة مصر لمنظمة الدول الأفريقية يعطى بعدا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا يعود بالنفع على قطاع السياحة، خاصة وأن الدول الأفريقية بالرغم من تقدم العديد منها، لم تحظ بالاهتمام الكافى بعد للترويج للمقصد السياحى المصرى بها.

رسالة للعالم
تلعب وسائل الإعلام دورا مهما فى نقل صورة طيبة عن إمكانيات الدولة الكبيرة التى ظهرت فى تنظيم البطولة، بالإضافة لحالة الأمن والاستقرار واستمتاع جاليات ومشجعى الفرق المشاركة بالبطولة، مما يعكس للعالم دور مصر الكبير فى المنطقة والقارة الأفريقية، فما هو تقييم أداء وسائل الإعلام المصرية فى تغطية الحدث؟

يوضح د.صفوت العالم «أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة» أن التغطية الإعلامية لبطولة الأمم الأفريقية التى تقام حاليا على أرض مصر متميزة وهى الأكثر تميزًا عن التغطيات السابقة للبطولة، ولكن ينقصها بعض العناصر المهمة مثل النشرات المترجمة بلغات الجاليات الموجودة فى مصر والبرامج الثقافية عن الأماكن السياحية الموجودة والتى تستقبل 23 دولة أفريقية غير وسائل الإعلام الأجنبية التى ستغطى البطولة لتعريف شعوب أفريقيا بالثقافات المصرية، ويشير أستاذ الإعلام بأن الدورات الرياضية الكبرى مثل بطولة «الكان» وكأس العالم تدعم العلاقات بين الشعوب وتدر دخلا كبيرا على الدول التى تنظم هذه البطولات الدولية الكبيرة فلابد من استغلاله إعلاميا على مستوى العالم لأنه سوف يوضح للعالم أن مصر إذا أرادت أن تفعل شيئا فستقوم بذلك.

ويؤكد د.سامى عبد العزيز، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن التغطية الإعلامية تركز على البعد الرياضى وهو أمر جيد يعكس صورة البنية الأساسية الرياضية المتميزة التى تتمتع بها مصر حالياً، وأنه كان يتمنى إطلاق حملة يطلق عليها «مصر اللى متعرفهاش» من خلال مجموعة من الأفلام الوثائقية القصيرة التى تبث داخل شاشات الاستادات والملاعب تحكى عن المعالم التاريخية والأمور التى تعكس جمال وتاريخ مصر العظيم، كما أن جمهور الدول المشاركة عندما يرى هذه الأفلام التى تعكس حالة الأمن والاستقرار فى الشارع المصرى.