الغناء عن العنف ضد المرأة وأزمة الكهرباء على ايقاعات "ماما افريكا"

هنا "أبو رقراق" .. سحر الموسيقى الإفريقية في مهرجان "موازين"

فرقة أمازون إفريقيا خلال حفلها بمهرجان موازين
فرقة أمازون إفريقيا خلال حفلها بمهرجان موازين

يرسم مهرجان "موازين" الغنائي بالمغرب خريطته عبر ستة مسارح ضخمة موزعة على مختلف المناطق الحيوية بالعاصمة الرباط .

في مسرح "السويسي" يلتقي الجمهور مع نجوم الأغنية العالمية ، ثم يأتي مسرح "النهضة" ليستضيف نجوم الأغنية العربية ، وفي مسرح قلعة "شالة" يمكنك الاستمتاع بالموسيقات الفلكلورية، أما مسرح "محمد الخامس" فيلتقي فيه نجوم الأغنية الكلاسيكية وأصحاب المشاريع الفنية المختلفة ، وفي مسرح "سلا" يجد نجوم الأغنية الشعبية المغربية موقعًا مميزًا لفنهم، وأخيرًا ستتوقف طويلًا أمام مسرح "أبو رقراق" .. لماذا ؟ ببساطة هنا يحتضن المهرجان الموسيقى الإفريقية بكل ماتحملة من سحر وزخم وإيقاعات مدهشة .

الإسم بلا شك ملفت، لهذا بمجرد السؤال عن "أبو رقراق" ستعرف أنه نهر يفصل بين مدينتي الرباط وسلا ويصب في المحيط الأطلسي، ويقع المسرح على شاطئة في مشهد بديع تلتحم فيه الموسيقى مع هواء البحر وخضرة ضفاف النهر، أجواء تفتح الشهية نحو البحث عن موسيقى جديدة .

في سابع زياراتي لمهرجان موازين أجد نفسي متلبسًا باكتشاف الأصوات الإفريقية التي تقدم فنًا مختلفًا عما نتلقاه دائمًا، ولكن المدهش أن هذه الألوان الموسيقية الإفريقية تلقي رواجا كبيرًا بين الجمهور المغربي فتجد الألاف يحتشدون أسفل خشبة المسرح لتحية الفنانين القادمين من قلب القارة السمراء .

لا شك أيضًا أن برنامج "الموسيقى الإفريقية" بالمهرجان -الذي ترعاه الدولة- يعبر عن توجهها السياسي المنفتح على القارة الإفريقية، حتى أن الخطاب الإعلامي الرسمي في المغرب لا يغفل أبدًا التركيز على الهوية الإفريقية للبلد العربي المستلقي على شاطئي المتوسط والأطلسي.  

افتتح مسرح أو منصة "أبو رقراق" كما يسموه المغاربة جدول حفلاته يوم الجمعة الماضية بحفل لفرقة BCUC  الجنوب إفريقية المتميزة ، تحمل موسيقى الفرقة شيئًا من روح جيمس براون بمزيج من موسيقى الهيب هوب وكذلك الجاز ، هذا المزيج الغريب يخرج مشحونا ببصمة إفريقية تحت مسمى "الأفروجاز" ، تخيل أن هذه التركيبة الموسيقية تلقى شعبية كبيرة بين الشباب والمراهقين هنا الذين يبدوا أنهم على دراية تامة بما يسمعونه .

دعني أحدثك أيضًا عن فرقة "كوكوكو" من "الكونغو الديمقراطية"، نحن بلا شك أمام مشروع فني لن تراه سوى في أحراش إفريقيا، والسبب الإنقاطع المتكرر للكهرباء !

يقول أعضاء الفريق أن التأقلم قد يتحول إلى حافز للإبداع، بمعنى آخر ستظل الحاجة أم الإختراع ، ولأن استمرار تدفق التيار الكهربائي في شرايين الحياة بالمدن الكونغولية يبدو رفاهية غير دائمة تعزف موسيقاها مستخدمة الطبول والأدوات المعدنية، وربما أواني الطهي وسلال المهملات، وتمزج ذلك بالموسيقى الإليكترونية في تناسق تام !

التواجد وسط ستة مسارح أمر مرهق ولكنه ممتع، وإن كانت فرصة التقاط ولو دقائق معدودة من كل حفل أمر شبه مستحيل، ولهذا لم أتمكن من مشاهدة حفل مطرب الراب الفرنسي "كاري جيمس" صاحب الأصول الهايتية، الأنباء هنا تؤكد أن حفله في "أبو رقراق" كان مميزًا ، والسبب أن كاري يقدم الراب الفرنسي بطابع سياسي يتناول قضايا العنصرية والتمييز والهجرة ، وبالطبع اللغة الفرنسية في المغرب ليست عائقًا أمام الجمهور على الإطلاق إن لم تكن الأقرب إلى ثقافتهم وذائقتهم .

التنقل بين الألوان الموسيقية الإفريقية أمر ممتع، خاصة إذا صادفك الحظ لمشاهدة فرقة "أمازون إفريقيا" المختلفة الجنسيات فهي تضم فنانين من نيجيريا، مالي، بينين، والجابون ، مربع غرب إفريقيا يتسم بتشابه كبير في ملامحه الثقافية والفنية، ولهذا لم يكن غريبًا أن تضم الفرقة تسعة فنانات يغنين دعمًا لقضايا المرأة في بلادهن وعلى رأسها مكافحة "العنف ضد المرأة" ، بدى الأمر واضحًا في تصريحات عضوات الفريق مثل كانديا كوياني وماماني كيتا اللتين تحدثا بإستفاضة عما تعانية النساء في بلادهن من جهل وفقر يتصدرهما عنف مفرط دفع الفرقة لتبني القضية منذ اليوم الأول لتأسيسها .

في القارة السمراء فنانون حقيقيون، يناقشون قضايا بلادهم بعمق لا يخلو من بهجة في أعمالهم، لهذا يظل الرقص عنصرًا مشتركًا في كل الألوان الغنائية والموسيقية ، لا شك أن الإيقاع جزء من ثقافة أي شعب فما بالك لو مزجنا هذا الإيقاع بكلمة تحمل رسالة وهدف حقيقي .