حوار| د. هشام حسن أستاذ الكبد بجامعة أريزونا الأمريكية: الكبد الدهنى أخطر

حوار| د. هشام حسن أستاذ الكبد بجامعة أريزونا الأمريكية: الكبد الدهنى أخطر
حوار| د. هشام حسن أستاذ الكبد بجامعة أريزونا الأمريكية: الكبد الدهنى أخطر


هو واحد من طيور مصر المهاجرة التى حققت نجاحا كبيرا بالخارج، حتى أصبح واحدا من كبار خبراء أمراض كبد الأطفال فى الولايات المتحدة الأمريكية.


هو أيضا صاحب العديد من الأبحاث العالمية فى مجال الكبد،إلى جانب اكتشافاته الطبية وأبحاثه المميزة فى مجال الكبد الدهنى الذى يعد أكبر خطر يهدد الكبد خلال السنوات الأخيرة.. هو د.هشام عبد القادر حسن أستاذ ورئيس قسم أمراض كبد الأطفال بجامعة أريزونا الأمريكية.. فى حوارى معه تحدث عن تجربة نجاحه بالخارج وعن نصائحه لشباب الأطباء، تحدث أيضا عن الأمراض الجديدة التى تهدد الكبد بعد نجاح العلماء في القضاء على فيروس سى، كما كشف عن خطورة مرض الكبد الدهنى الذى ينتشر فى مصر والذى أصبح ثانى سبب لزراعة الكبد على مستوى العالم.

 

-  فى البداية سألته:


> هل نستطيع أن نقول أن العالم نجح فى القضاء على فيروس سى، بعد ظهور العقاقير الحديثة التى ساعدت فى شفاء ملايين المرضى فى مصر والعالم؟


- رغم أننا اقتربنا بالفعل من القضاء على فيروس سى بعد ظهور العقاقير الحديثة، إلا أن هذا الفيروس لايزال يشغل الأطباء والعلماء، فالأبحاث لاتزال مستمرة لاكتشاف أدوية جديدة كل يوم تصلح للحالات المتأخرة التى لم يكن لها علاج،كما أن الأطباء والباحثين يواصلون دراساتهم المكثفة لمتابعة المرضى بعد
الشفاء، ومتابعة ما يحدث لهم بعد تخلصهم من الفيروس، والحمد لله فالنتائج حتى الآن جيدة جدا وتؤكد أننا بالفعل اقتربنا من القضاء على هذا الفيروس الذى حير العلماء زمنا طويلا.


> هل القضاء على فيروس سى يعنى اختفاء الأمراض الخطيرة التى كانت تهدد الكبد وعدم الحاجة مستقبلا

لجراحات زراعة الكبد؟


- للأسف لا،فهناك أمراض أخرى تهدد الكبد، وأكثرها انتشارا وخطورة حاليا هو مرض الكبد الدهنى أو تدهن الكبد، الذى بدأ ينتشر بصورة كبيرة فى مصر والعالم مع انتشار السمنة، حتى أصبح حاليا هو ثانى سبب لزراعة الكبد عالميا،وهو ما يجعلنا نعتبره بالفعل مرض السنوات القادمة.
الكبد الدهنى.


> وما المقصود بالكبد الدهنى؟


- الكبد الدهنى يعنى تراكم الدهون فى أنسجة الكبد، وهو مرض يصيب كل الأعمار وميزة هذا المرض أنه قابل للشفاء إذا تم اكتشافه مبكرا،ولكن المشكلة أن أعراضه لا تظهر إلا فى المراحل المتأخرة التى يصعب فيهاالعلاج، بعد أن تصل الحالة إلى التهاب خلايا الكبد ثم التليف ثم الفشل الكبدى. وأسباب الإصابة بهذا المرض كثيرة، منها، السمنة، أو استخدام أدوية معينة دون إشراف طبى، أو التهابات الأمعاء المزمنة،أو قد يحدث المرض كمضاعفات لفيروس سى.


ويضيف قائلا: ورغم ارتباط المرض بالسمنة إلا أن نقص الوزن قد يكون أحيانا سببا فى تدهن الكبد، حيث تتحرك الدهون نحو الكبد لتمنح الجسم الطاقة، فتتراكم فى الكبد، ويحدث التدهن.


سمنة الأطفال


هل ينتشر الكبد الدهنى بين الأطفال أيضا؟
- يجيب بسرعة : طبعا، ينتشر مرض الكبد الدهنى بشدة بين الأطفال بسبب انتشار سمنة الأطفال، ورغم أننا فى مصر لا نملك احصائيات عن المرض،إلا أن المؤشرات توضح أن النسب متشابهة مع أمريكا التى تعانى أيضا من انتشار السمنة بين الأطفال، والإحصائيات الأمريكية تؤكد أن نسبة انتشار السمنة
بين الأطفال وصلت إلى 35%، ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الإصابة بالكبد الدهنى بين الأطفال لتصل إلى20%، وهى نسبة خطيرة خاصة أن المرض غالبا مايؤدى إلى تليف الكبد ثم التحجر ثم الفشل الكبدى وضرورة الزرع.


تحذيرات للأهل


 > وهل يمكن وقاية الطفل من مرض الكبد الدهنى؟


-  بالطبع يمكن الوقاية من خلال مكافحة السمنة، لذلك أنصح الأهالى بالاهتمام بأطفالهم من حيث نوعية التغذية والحرص على ممارستهم الرياضة، أما إذا كان الطفل يعانى بالفعل من السمنة فيتم عمل تحليل كوليسترول ووظائف كبد، وإذا ثبت أن الوظائف مرتفعة يتم عمل موجات فوق صوتية على الكبد (ألترا ساوند) لاكتشاف المرض مبكرا، وعلاجه قبل حدوث التليف،والعلاج الوحيد والحاسم هو نقص الوزن حيث يؤدى لاختفاء الدهون والتليف وعودة إنزيمات الكبد لمعدلها الطبيعى.


حساسية القمح
- ويضيف قائلا: من أهم أسباب الكبد الدهنى أيضا، مرض حساسية القمح، وهو تفاعل تحسسى للأطعمة التى تحتوى على القمح، ويؤدى لعدم امتصاص الكربوهيدرات والدهون والبروتينات والفيتامينات والأملاح والمعادن،مما يؤثر على نمو الطفل، ومرض حساسية القمح م الأمراض التى تؤدى لتدهن الكبد ورفع إنزيماته، وهو مرض ينتشر فى مصر والوطن العربى نتيجة انتشار الأمراض المعدية، ويتم الكشف عنه بتحليل الدم واكتشاف مضادات القمح،والمشكلة أن مرض حساسية القمح فى معظم الأحوال لا يتم تشخيصه مبكرا أويحدث خطأ فى تشخيصه مما يؤدى لتفاقم الحالة،وإن كان هذا الوضع تحسن مع تطور وسائل التشخيص.
- ومن أهم أعراضه التى يجب أن يلتفت إليها الأهل، الغثيان والقيئ والإسهال وآلام البطن والانتفاخ،بالإضافة إلى فقر الدم والتشنجات وآلام المفاصل، وحساسية الصدر، وطفح الجلد، ويمكن أن يؤدى المرض أيضا لالتهاب فى القلب. وسبب انتشار المرض يجمع بين العوامل البيئية والجانب الوراثى حيث لابد من توافر جينات معينة لمن يصاب به، وقد أثبتت الدراسات أن الرضاعة الطبيعية قد تقلل نسبة الإصابة به أو تؤخر حدوث الإصابة


علاج جديد


> وماذا عن العلاج.


- إذا كان سبب التدهن هو السمنة فإنه يمكن علاج المرض بخفض الوزن بشرط أن يتم اكتشافه مبكرا قبل إتلاف الكبد. أما بالنسبة للعلاجات الحديثة فمنذ حوالى شهر اكتشف العلماء علاجا للكبد الدهنى وتمت بالفعل الموافقة عليه، وهو فى صورة أقراص، تقلل نسبة إنزيمات الكبد ونسبة التليف، ويعد أول علاج تتم الموافقة عليه لهذا المرض، وإن شاء الله سيحمل فرصا كبيرة فى شفاء المرض.


مرض يحير العلماء


> هل هناك أمراض أخرى تهدد كبد الأطفال؟
- هناك مرض لايزال يحير العلماء، هو مرض انعدام الاتصال بين الكبد والأمعاء عند الأطفال،والذى يؤدى لانسداد القنوات المرارية، التى تحمل العصارة الصفراوية من الكبد إلى الأمعاء، وهو مرض يصيب طفل واحد من كل ثمانية آلاف طفل، وقد يولد به الطفل أو يصيبه بعد شهرين من الولادة، ويؤدى تدريجيا لتليف الكبد ثم الفشل الكبدى، ولابد من إجراء جراحة لتوصيل الأمعاء بالكبد تسمى جراحة ( كاساى)، وهذه الجراحة تفيد الطفل فى المراحل الأولى،لكن فى حالات كثيرة تستمر مشاكل المرض ويحتاج الطفل فيما بعد لزراعة الكبد. وللأسف مازال العلماء يحاربون هذا المرض حتى الآن ولا يستطيعون معرفة أسبابه ولا علاجه.


إنجازات عالمية


> ما هى أهم إنجازاتك الطبية والعلمية بعد 33 عاما من الدراسة والعمل فى أكبر المؤسسات الطبية والعلمية الأمريكية ؟


-  طوال فترة عملى كان لى نشاط كبير فى مجال التدريس والبحث والعلاج، وأهم انجازاتى هى اكتشافى ودراساتى لمرض جديد وهو مرض الكبد الدهنى لدى الأشخاص أصحاب الوزن الطبيعى الذين لا يعانون من السمنة،كما أننى نشرت أكبر عدد من الأبحاث فى مجال الكبد الدهنى عامة، وخلال ال 18 عاما
الأخيرة أشغل منصب أستاذ ورئيس قسم أمراض كبد الأطفال وأنا الآن أستاذ متقاعد أواصل عملى فى العلاج والأبحاث والتعليم.


التعاون مع مصر


 > هل كانت لديك مشروعات تعاون مع مصر طوال فترة وجودك بالخارج؟


- أنا حريص على التعاون مع مصر منذ سفرى وحتى الآن، سواء فى المجال البحثى أو التعليمى أو الإكلينيكى، فمنذ سفرى وأنا أحرص على زيارة مستشفى أبو الريش كأستاذ زائر، حيث أقوم بمناظرة المرضى، وتنسيق أبحاث مشتركة بين الجانب المصرى والأمريكى،إلى جانب إعطاء محاضرات علمية للأطباء الممارسين، وفى عهد د. اسماعيل سلام قمت بمشروعات بحثية بالتعاون مع وزارة الصحة ممثلة فى هيئة المستشفيات التعليمية، مثل أبحاث عن دور مادة الكولشيسين فى علاج أمراض الكبد، وأبحاث عن قياسات وظائف الكبد، وأمراض كبد الأطفال، بالإضافة إلى التعاون المستمر مع الأطباء بجامعات عين شمس والمنصورة ومعهد الكبد وغيرها.


هجرة الأطباء


 > ماذا تقول للأطباء الشباب الذين يحلمون بالسفر والهجرة؟
- يجيب بسرعة وعلى ملامحه الدهشة: هى بالفعل أصبحت ظاهرة، فأرى الشباب الآن يسارعون بالسفر بمجرد تخرجهم، ليس بهدف العلم والدراسة بل للهجرة والعمل فى أى مهنة حتى لو هجروا الطب.
- ويضيف بحزن : «على أيامنا» كان حلم كل طبيب يأخد نيابة فى الجامعة،وكان هناك صراع على هذه النيابات، أما الآن فأرى إعلانات نيابات الجامعة تنشر، دون أن يتقدم لها أحد، وأنا أعلم بالطبع أن الظروف الاقتصادية صعبة جدا، لكنى فى نفس الوقت أرى الأطباء الشباب متعجلين،وكثير منهم للأسف يفضلون السفر للخارج قبل استكمال فترة الامتياز، وتكون النتيجة أنهم يهجرون دراسة ومهنة الطب ويعملون فى مهن أخرى، وأنا شخصيا لم أسافر إلا بعد حصولى على الماجستير فى بلدى، ثم حصلت على منحة سلام وسافرت للخارج، واستكملت دراساتى هناك، فحصلت على الزمالة فى الجهاز الهضمى والكبد،وحصلت على بورد الأطفال فى الجهاز الهضمى والكبد والتغذية الإكلينيكية. ونصيحتى للشباب أن يكون أحد أهدافهم من السفر هو العلم وليس المال فقط، وأن يعيشوا فى مدن كبرى للاقتراب من الجاليات المصرية والحفاظ على التواصل ببلدهم.


ثمن الغربة

 

  لو عاد بك الزمن هل كنت تختار نفس الرحلة؟


- يقول بسرعة: «لو الزمن رجع مكنتش قعدت برة «، كنت سأسافر للدراسة والاستفادة من التقدم العلمى فى الخارج، ثم أعود لأستكمل حياتى فى بلدى وسط أهلى وأصدقائى.
- ويضيف قائلا: الغربة لها ثمن غالى، ويكفى ابتعادنا عن الأهل وعدم مساندتهم فى الكبر والمرض، أو فقدانهم ونحن بعيدون.


- ويضيف : من مشاكل الغربة أيضا، عدم الارتباط الكافى بين الأبناء والوطن، فأنا أعشق جو الأسرة، وكنت أتمنى لأولادى أن ينفتحوا على الحضارات الأخرى،لكن يعيشون فى النهاية فى بلدهم ووسط أهلهم، ليجمعوا أفضل ما فى الحضارتين.


بعيدا عن الطب


> معظم الأطباء لديهم هوايات إبداعية أدبية أو فنية، فهل لديك هوايات أخرى بعيدا عن الطب والأبحاث والمرضى؟


- لدىّ هوايات عديدة بعيدة عن العلم،أهمها هواية قد ترينها غريبة، هى تركيب نماذج للقطارات المصغرة وتصميم شبه مدينة متكاملة لوضع هذه القطارات، وقد حولت مساحة كبيرة من جراج منزلى إلى ساحة كبيرة لتركيب القطارات وتوصيلها بخدمات عديدة كالمطاعم والكافيهات والإسعاف والمطافئ
والمغسلة وغيرها، حتى أصبحت الساحة كأنها مدينة مصغرة متكاملة،أتولى إدارتها وإضاءتها وتسييرها، وكثيرا ما أجلس بها ليلا وأضىء أنوارها الجذابة فيأتى أطفال المنطقة للعب والمتعة، وحبى لهذه الهواية سببه حبى للأطفال وبراءتهم وهو الذى جعلنى أتخصص فى طب الأطفال، ومن بين هواياتى أيضا عزف البيانو والعود.


حكمة أستاذى


> ما الحكمة التى خرجت بها بعد هذا العمر وتحرص على نقلها لأبنائك وتلاميذك؟


-  حكمة تعلمتها من أستاذى الأمريكى د. أوهايو، كان يقول لى حينما يرانى غاضبا ومنفعلا من أى شخص أننى أضيع وقتى فى الغضب والكراهية، رغم أن هذه المشاعر لن تضر من أكرهه، بل تضرنى أنا أوافق.


 سر «البابيون»


> سؤال أخير يا دكتور،لاحظت إصرارك على ارتداء البابيون مع كل الملابس.. فما هو السر؟


- يبتسم قائلا: « طول عمرى باحب البابيون»، لدرجة أننى أصبحت مميزا بها،ومن خلال عملى كطبيب أطفال اكتشفت أنها تسعد أطفالى المرضى، وإذا شاهدونى الآن بدون بابيون يغضبون ويسألوننى عنها.