«حروب النفط».. تاريخ «صراع العمالقة» على الذهب الأسود

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

منذ أن اُكتشف ونُقب عليه من باطن الأرض ليخرج إلى سطحها، وهو يمثل عصبًا لاقتصاد بلدانٍ، ووسيلةً لثراء أخرى، وأحيانًا أداةً سياسيةً وعصى تستخدمها بعض البلدان لردع بلدانٍ أخرى.

ذلك الذهب الأسود المسمى "النفط"، فلا تقل قيمته عن الذهب الخالص، وإن كان يفقد بريق الأخير ولمعانه، لكن قوامه السائل اللزج له من الأثمان ما يكتال بالدولارات، وربما بسببه تندلع الحروب وتوزر الأسلحة.

الصراع الأمريكي الإيراني

ويعيش العالم حاليًا أجواء مشحونة بين الولايات المتحدة وإيران، بعد أن أعادت واشنطن فرض العقوبات الاقتصادية على طهران بدءًا من شهر مايو الماضي، بعدما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد انسحب في شهر مايو عام 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه باراك أوباما مع إيران رفقة خمسة من القوى العظمى في العالم في يوليو عام 2015.

العقوبات الأمريكية على إيران تستهدف قطاع النفط الإيراني، وهو ما ينذر بإحياء حربٍ نفطيةٍ جديدةٍ في العالم، على غرار حروبٍ شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وأخرى كانت الولايات المتحدة طرفًا فيها، وكان جوهرها "الصراع من أجل الذهب الأسود".

صراع بين أمريكا وكوبا

الولايات المتحدة سبق لها أن استخدمت سلاح النفط إبان حقبة الرئيس جون كينيدي عام 1962 ضد كوبا، في وقتٍ عرف العالم أزمة صواريخ كوبا،  ووضع وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت مكنامارا خطته لتوجيه ضربات جوية على منصات تلك الصواريخ بالإضافة إلى أهداف اقتصادية، كأماكن تخزين النفط.

كانت الولايات المتحدة تسعى بكل الطرق وقتها لتفكيك الصواريخ الكوبية، وجرت اتصالات بينها وبين الاتحاد السوفيتي، حليف كوبا الرئيسي آنذاك، لهذا الصدد.

أزمة صواريخ كوبا جاءت بعد عملية غزو خليج الخنازير في أبريل 1961، والتي كانت تستهدف منها الولايات المتحدة قلب نظام الحكم للزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وفشلت تلك العملية، التي دربها جهاز الاستخبارات الأمريكي، فشلًا ذريعًا، ولقى 118 جنديًا أمريكيًا مصرعهم، وتعرض ما يربو على 1200 جنديٍ للوقوع في قبضة القوات الكوبية والأسر.

الحرب الخليجية الأولى

الطرف الثاني في صراع النفط هذا العام "إيران"، كان على وقع حرب نفطٍ، هي حرب الخليج الأولى، التي دارت رحاها بين عامي 1980 و 1989، بين العراق وإيران.

كانت الحرب نتيجة النزاعات الحدودية بين البلدين، بعدما ألغى الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي عام 1969 اتفاقية الحدود المبرمة بين البلدين، وطالب بأن يكون خط منتصف النهر هو الحد الفاصل بين البلدين في شط العرب.

واندلعت الحرب التي كانت عبارة عن مناوشات حدودية تطورت الأمور واشتدت المعاركة الحربية بين الجانبين، وزادت معها المخاوف على سوق النفط من توقف الإمدادات العالمية، باعتبار أن البلدين من أكبر مصدري النفط في العالم.

وأصبحت الحدود الفاصلة بين البلدين شاهدةً على أطول حربٍ شهدها العالم في القرن العشرين، وأكثر الصراعات دمويةً في الشرق الأوسط، فكان ترسيم الحدود بسبب النفط له دورٌ في إشعال هذه الحرب.

حرب الخليج الثانية

ولم تكن هذه هي الحرب الوحيدة في الشرق الأوسط بسبب النفط، فبعد انقضاء حرب الخليج الأولى بعامٍ واحدٍ اندلعت حرب الخليج الثانية بين العراق والكويت، وبدأت حينما اتهمت بغداد الكويت بسرقة النفط العراقي عبر التنقيب بطرق مائلةً.

 واجتاحت القوات العراقية الكويت وقامت باحتلالها في أغسطس عام 1990، لتبدأ بعدها عملية درع الصحراء لتحرير الكويت من القوات العراقية، والتي تزعمتها الولايات المتحدة تحت غطاء مجلس الأمن والأمم المتحدة.

وبين الماضي والحاضر يبقى القاسم المشترك هو النفط، وإن كان للصراعات السياسية دورٌ في إشعال النزاعات بين البلدان، لكن للنفط أيضًا دورٌ في إزكائها، فهو عصبٌ حيويٌ لا تقبل البلدان المساس به.