حكاية رزق الذي أبكى نعيمة عاكف

حكاية رزق الذي أبكى نعيمة عاكف
حكاية رزق الذي أبكى نعيمة عاكف

كان رزق يحبها حبا جما، ويحلو له اللعب معها، كما كانت تزداد سعادته عندما تصعد فوق ظهره، تساقطت دموعها بغزارة شديدة ونحيب بعد وفاته وكأنه أحدأفراد عائلتها إنه الحصان رزق الذي رأت فيه نعيمة عاكف صفات لم تراها في بعض الناس.

بصوت يشوبه حزن وحنان بدأت نعيمة عاكف كلماته قائلة أثناء أحد اللقاءات بها: أنا ربيبة السيرك.. ومهما بلغت من المجد والشهرة في السينما والمسرح، فانني مازلت أحن إلى السيرك باعتباره مهد طفولتي، وتعلمت كل شئ فيه من العبر والوفاء.


تقول نعيمة: «كان لدينا حصان أبيض أسميناه رزق وهو من أبطال الاستعراض الذي نقدمه في السيرك وكان له رداء خاص تتدلى منه الجلاجل الذهبية، وفوق رأسه ريشة حمراء، وبعد تدريبه على تقديم نمرة خاصة به أصبح يؤديها دون توجيه لمدة ١٥ عاما، حيث كان يقف خلف المسرح طوال العرض وما إن يعزف الموسيقيون يصعد من تلقاء نفسه على خشبة المسرح ويقوم بعدة رقصات، وفي نهاية العرض يحني رأسه للجمهور ثم يعود إلى مكانه يتناول طعامه ويستريح في حظيرته».


وتكمل: «كانت فقرة رزق من أنجح الفقرات التي يقدمها، إلى أن جاء اليوم الذي رأى فيه والدي أن رزق بدت عليه علامات الشيخوخة، وقرر أن يستبدله بحصان آخر أكثر شبابا، بالفعل استبدله والدي مع أحد التجار وأخذ منه حصانا آخر أسميناه فرج ، ورحلنا من طنطا وأخذنا نتنقل في مدن الوجه البحري نقدم عروض السيرك ، وبعد مرور عام كامل تدرب الحصان فرك على تقديم فقرته وأصبح يؤديها أيضا بمهارة».

وأثناء عودتنا إلى طنطا لتقديم العروش بمناسبة مولد السيد البدوي، طافت موسيقى السيرك تجوب الشوارع لتعلن عن قدومنا، وفوجئ العازفين بحصان أبيض يقذف بمحتويات عربة الخضار التي يجرها، ويجري مسرعا تجاههم .هو يصدر صهيلا عاليا وكأنه يتحدث إليهم، علت وجوههم الدهشة إلى أن تذكروه العازفين وأيقنوا بأنه الحصان رزق، وهرولوا جميعا يحتضنونه ويقبلونه كأنه صديق آدمي طال غيابه، وأتم رزق دورته في الطواف معهم، رافضا العودة في جر عربة الخضار، وما إن شاهدني أخذ يشمشم في كل جسدي ويشير برأسه على ظهره ففهمت أنه يطلب مني أن أصعد فوق ظهره كما كنت أفعل، وذهب والدي إلى تاجر الخضراوات ودفع له ثمنه وقرر أن يقيم رزق معنا لكن بلا عمل، نغلق عليه بابا حظيرته، وما إن سمع الموسيقى يزداد صهيله وينطح ويرفس الباب في محاولة للخروج، لكن كان الحصان فرج ئؤدي فقرته كالمعتاد، ومرت الأيام وكلما عزفت الموسيقى فقرة رزق إلا أنه عزف عن تناول الطعام، وأخذ يذبل شيئا فشيئا حتي مات.
 
 لم أتمالك نفسي وتساقطت دموعي كالنهر حزنا عليه وكآنه واحد منا، وأطلق أبي اسم رزق على حصان آخر تخليدا لوفاء الحصان الراحل، الذي اعتبرته صديق كما كان يصر على حملي فوق ظهره كل يوم بالرغم من صحته التي وهنت.