محمد داود يكتب: إذا كان الله غنيًّا عن العالمين فلماذا خلق الخلق ليعبدوه؟

محمد داود
محمد داود

في سلسلة مقالات للدكتور محمد داود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس، يسلط الضوء على قضية الإلحاد، من خلال الرد على تساؤلات وردت بالفعل، ننقلها لكم يوميًا.

عمل «داوود» في البداية على نشر هذه التساؤلات عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، تحمل اسم «الملحدون يعترفون»، ثم أشار عَليه بعض أصحابه بسلسلة تجمع خلاصة هذه الحوارات في كتاب لتكون متاحة لمن لا زالوا يفضلون النسخة الورقية للكتاب على النسخة الإلكترونية.

وإلى اللقاء الجديد

عزيزى...
الله لا يحتاج إلى خلقه، ولكن يخلق الله من المخلوقات ما يكون دليلًا على طلاقة قدرته، ولإظهار عظمته وجلال قدره، من ذلك خلق العرش، ونحن البشر ليس لنا علم بأمور الغيب، ومصدر المعرفة الحقة الصحيحة الوحى، يعنى من الإله الخالق عن طريق الرسل، والذى جاءنا من أخبار عن العرش يدلنا على العظمة والجلال وطلاقة القدرة من كونه مختلفًا عن عروش المخلوقين؛ فهو على الماء وليس على الأرض، وجعل الخالق ملائكة مخصوصين لحمل العرش، وملائكة أخرى حول العرش يسبحون ويحمدون، والخالق لا يستشير خلقه فى شأنه ومراده، فليس أحد فى علم الله أو فى قدرته أو فى حكمته ليستشيره؛ بل أين كنا؟؟!! لم يكن لنا ذكر ولا وجود، ثم أنعم علينا الخالق فخلقنا وجعل لنا ذكرًا وجعل لنا وجودًا.
عزيزى... إن الله  ليس مفتقرًا إلى شىء، والدليل على أنه ليس مفتقرًا إلى غيره ـ سواء فى وجوده أو صفاته أو قدرته على منح الوجود والصفات للمخلوقات ـ أنَّ من كان قادرًا على منح الوجود لا يكون مفتقرًا فى وجوده إلى غيره؛ لأنه لو كان مفتقرًا لما كان قادرًا على المنح، ولو كان مخلوقًا لما كان قادرًا على الخلق.. انظر إلى الإنسان مثلًا هو مخلوق؛ لذا هو لا يقدر على أن يخلق شيئًا غيره من العدم، لماذا؟ لأنه مفتقر فى وجوده إلى خالقه، فكيف يمنح الوجود لغيره؟ أما الله  فهو القادر دون غيره على منح الوجود وإيجاد المخلوقات، لذلك فهو غير مفتقر إلى غيره؛ لأنه لو كان مفتقرًا فى وجوده أو صفاته أو أفعاله إلى غيره، لم يكن قادرًا على منح الوجود لغيره أصلًا.
عزيزى.. أسئلة تطرح نفسها على الإنسان أمام العبادات التى افترضها الله على عباده:
لماذا العبادة؟ ولماذا الصلاة؟ ولماذا الزكاة؟
وتأتى آيات القرآن الكريم لتبين لنا ـ فى وضوح تام ـ المقاصد الشرعية من وراء هذه العبادات، من ذلك:
ـ   الصـلاة:  {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]. 
ـ   الصيام: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
ـ   الحج:  {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37].
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200].
ولقد جاءت سورة الحج ـ فى مقاصدها العامة ـ لإتمام تكوين العبد تكوينًا إيمانيًّا يؤهله لإقامة منهج الله تعالى؛ حيث جاء نصف السورة الأول بيانًا لأحكام المناسك، وجاءت السورة فى نصفها الثانى تهيئة للقلب، وإصلاحًا للسلوك البشرى فى رحاب الإيمان، وإعدادًا للمسلم للقيام بمهمته فى الحياة، لإقامة دين الله تعالى، كما تأتى عبادة الحج لتخلِّص الإنسان من الأوزار والخطايا؛ ليرجع كيوم ولدته أمه...
الله حكيم، وتشريع الحكيم كله حكمة، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].