محمد داود يكتب: هل الإسلام يُهْدِر حق الإنسان فى حريته الفكرية والدينية؟!

د.محمد داود
د.محمد داود

لقد جاء الإسلام فأقر مبدأ الحرية، وليس أدل على تعظيمه من شأن الحرية أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]،  {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22]، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45]. 


لقد كَفَلَ الإسلام للإنسان الحرية بكل جوانبها، فكفل له الحرية الشخصية، والحرية الفكرية، والحرية الدينية، والحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، وحرية القول، وحرية التعبير، أليست هذه هى جوانب الحرية التى يبحث عنها البشر؟!


وحتى لا يكون الكلام بمعزل عن الأدلة التى تثبته أو الواقع الذى يشهد له، فإنى أذكر لك ـ عزيزى ـ ما يؤيد صدق كلامى بالأدلة والبراهين، راجيًا أن نصل سويًّا إلى سواء السبيل.


 1ـ كفل الإسلام الحرية الشخصية، والتى تعنى أن يكون الإنسان قادرًا على التصرف فى شؤون نفسه، وهذا لا يتحقق إلا بحرية ذاته من كل مظاهر العبودية والذل، وتحقيق كرامته وصونها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].


كذلك بتحقيق تأمين ذاته، بأن يكون آمنًا على نفسه وعرضه وماله، فلا يجوز التعرض له بأى شكل من أشكال الاعتداء  {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].


2ـ كفل الإسلام حرية الاعتقاد، فلم يُكْرِه الإسلام الناس على اعتناقه أو اعتناق سواه من الأديان:  {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، والأدلة من القرآن أو السنة التى تؤكد حرية الاعتقاد كثيرة جدًّا.


وقد ترتب على كفالة الإسلام لحرية الاعتقاد عدة أمور، منها:
أ ـ إجراء الحوار والنقاش الدينى، وذلك بتبادل الأسئلة بين الرسل وأقوامهم، حتى يدخلوا فى هذا الدين عن طواعية واختيار دون إكراه أو إجبار، بل إن إبراهيم  حاور ربه ليزداد يقينًا إلى يقينه، وذلك فى قوله تعالى:  {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة: 260].
ب ـ ممارسة الشعائر الدينية، وذلك بأن يقوم المرء بممارسة شعائره الدينية، دون انتقاد أو انتقاص من أحد، ولعل موقف الإسلام تجاه أهل الذمة والذى سجله التاريخ من دواعى فخره واعتزازه، وقد شهد علماء الغرب وأقروا بذلك فى كتبهم، يقول (ميشود) فى كتابه (تاريخ الحروب الصليبية): إن الإسلام الذى أمر بالجهاد متسامح نحو الأديان الأخرى، وقد أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب، وقد حرم قتل الرهبان لعكوفهم على العبادة، ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس، وقد ذبح الصليبيون المسلمين، وحرقوا اليهود عندما دخلوها؛ أى مدينة القدس.
وهذه شهادة رجل غير مسلم على الحرية التى كفلها الإسلام فى ممارسة الشعائر الدينية... (راجع: حضارة العرب، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعتر، ص137، 138).
3 ـ كفل الإسلام حرية التفكير، فدعا إلى النظر والتفكر، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ: 46]، وعاب على الذين يتبعون الظنون والأوهام:  {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36]، واعتمد الإسلام فى إثبات العقيدة، على الأدلة العقلية، ولهذا قال علماء الإسلام: إن العقل الصريح أساس النقل الصحيح، فقضية وجود الله قامت بإثبات العقل، وقضية نبوة محمد ﷺ إنما تثبت بإثبات العقل أولًا، فهذا هو احترام الإسلام للعقل والفكر.
ومن هنا ظهر فى الإسلام نتيجة للحرية الفكرية، الحرية العلمية، فنجد العلماء يختلفون ويُخَطِّئ بعضهم بعضًا، ويرد بعضهم على بعض، ولا يجد أحد فى ذلك حرجًا، وكل هذا أثرى الحرية الفكرية والعلمية.
4 ـ كفل الإسلام الحرية السياسية، ويقصد بها حق الإنسان فى اختيار سلطة الحاكم، وانتخابها ومحاسبتها، وقد تجلت الحرية السياسية فى الإسلام من خلال مبدأ الشورى، فتحدث عنها القرآن بشكل واضح وصريح، قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [الشورى: 38].
بعد أن ذكرت لك هذا الكلام، وهو أن الإسلام كفل الحرية بكل جوانبها للإنسان، أيصح أن تقول بأن الإسلام أهدر حرية الإنسان الفكرية والعلمية؟!
وهل بعد سؤال الخالق: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 60]، هل يبقى لأحد حجة فى ادعاء أن الإسلام ضد الحرية الفكرية، أو أن الإسلام يكره أحدًا!!
إن هذا لا يصدر من منصف عاقل، فاعتبروا يا أولى الأبصار. 
الحرية المطلقة فوضى مطلقة:
ولكن يا عزيزى: اعلم بأن الحرية المطلقة فوضى مطلقة.. فحريتى مرتبطة باحترام حرية الآخرين، لذلك فإن الحرية فى الإسلام منضبطة بآداب تحترم حرية الآخرين، ومن هذه الآداب:
أ ـ  ألا تؤدى الحرية إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه.
ب ـ  ألا تُفَوِّت حقوقًا أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها ونتائجها.
ج ـ  ألا تؤدى حرية الفرد إلى الإضرار بحرية الآخرين.
وأما سؤالك يا عزيزى: هل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الإسلام ينافى الحرية الشخصية؟!
فاعلم يا عزيزى أنه لا تخلو أمة من الأمم فى أنظمتها من مبدأ النهى عن المنكر، فتطبيق القانون على أفرادها وإلزامهم به هو ـ فى حد ذاته ـ نهى عن المنكر، فكل ما ينص القانون على تحريمه وضع له عقوبات لمن ينتهكه ويتعداه، فهو نهى عن المنكر، وتنفيذ العقوبة على المخالفين للقانون صيانة للأمة جميعها، من إشاعة الفوضى والفساد والدمار، ولم يقل أحد إن تطبيق القانون على الخارجين ينافى الحرية الشخصية.
وشريعة الإسلام إن كلَّفت أتباعها بالأخذ على أيدى المفسدين، فما ذلك إلا حماية لهم ولغيرهم من الفساد والإفساد، فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى القرآن ـ يا عزيزى ـ نظام من أجل حراسة الفضيلة وحمايتها، والمحافظة على المجتمع من إشاعة الفوضى والفساد، فهو إذن للمحافظة على الحرية وليس ضد الحرية.

 

اقرأ أيضًا...

محمد داود يكتب: هل شقينا بالإسلام؟!

محمد داوود يكتب: هل يمكن أن توجد منظومة أخلاقية داخل مجتمع إلحادي؟

«داود» يكتب: «أنا والملحد».. اعترافات وحوار لم ينته

محمد داود يكتب: «أنا والملحد».. صمتًا الكون يشهد

«داود» يكتب «أنا والملحد»..هل الله يغوي خلقه لفعل الشر؟

محمد داود يكتب: لماذا يحاسبنا الله وقد كتب كل شىء؟

محمد داود يكتب: ما الحاجة إلى الدين في عصر العلم؟