طبخة سرية من أجل «نوبل».. هكذا أعد كوشنر صفقة القرن لترامب

ترامب وكوشنر
ترامب وكوشنر

- كيف أطاح «الصهر» بكل رجـال الرئيس وأقنعه بأنه الوحيد القادر على صنع السلام؟
- نجاح الخطة يعنى مؤامرة يضم بها نتانياهو مستوطنات الضفة الغربية ويعترف ترامب بالقرار
- نتانياهو علم بتفاصيل بنود الصفقة قبل نشرها بعد مبيته ليلة بمنزل كوشنر

قريبًا، وحينما تُعرض «صفقة قرن» دونالد ترامپ على العالم لإنهاء النزاع فى الشرق الأوسط، يقف چيرهارد كوشنر، الصهر اليهودى للرئيس الأمريكى أمام اختبار حياته: إذا لاقت قبولًا، فسيمهد كوشنر لصهره طريق الحصول على جائزة نوبل للسلام، فضلًا عن مكانة تاريخية مرموقة. وإذا فشلت، كما تتوقع الأكثرية، فمن غير المستبعد إشهار السكاكين فى البيت الأبيض. أورلى أزولاى (الصحفية الإسرائيلية مراسلة يديعوت احرونوت من واشنطن ترسم ملامح شخصية «فتى القدس الطيب»، الذى استحال إلى إحدى أقوى الشخصيات فى واشنطن، والذى يمكن أن يقود الخطة التى بادر إليهالأحد مكانين: إما السلام، أو باى باي.

على أضواء خافتة فى قاعة رقص بأحد فنادق واشنطن الفارهة، سُكبت الشامبانيا فى كؤوس كريستال متلألئة. الضيوف وأنا أحدهم، تلقوا دعوة لتبادل الآراء حول الشرق الأوسط، والاستماع إلى نجم الحدث، چيرهارد كوشنر، عشية عرض خطة السلام، التى عكف على إعدادها خلال الأشهر الأخيرة.  خطت أقدام جميعنا على بساط وثير، وأكرمونا بقطع بتيفور مزركشة، قدمها لنا نوادل وجهاء ومهندمين. جرى ذلك قبل عدة أيام على مأدبة عشاء معهد واشنطن السنوية. كوشنر بدا كأنه من عجينة تغاير هذا الجمع، ورافقه عدد كبير من أفضل الشخصيات، التى كرَّست حياتها لبحث النزاع الإسرائيلى - الفلسطيني، فضلًا عن جانب آخر لا يقل عددًا، اعتمد على كوشنر فى تحصيل قوت يومه طيلة عقود هانئة. وعلى سبيل المثال، كان هناك دنيس روس، الذى شهد على نفسه بالعمل على القضية زهاء 30 عامًا. وديفيد مكوبسكي، الذى قلب كل حجر فى الشرق الأوسط، وقدم العشرات من الأفكار والخطط، وأدار ندوات للحكماء حول الموضوع ذاته، وبالطبع، حضر روبرت ساتلوف، رئيس المعهد، الذى يعد هو الآخر ضليعًا ومخضرمًا فى القضية، فضلًا عن كونه محاورًا موهوبًا. 
الطاولات المستديرة
حينما دعا ساتلوف كوشنر إلى المنصة، للجلوس إلى جواره على المقعد، والرد على الأسئلة الموجهة، احتل الحضور أماكنهم حول الطاولات المستديرة، المزينة بأسلوب أنيق. تألَّف الحضور على وجه الخصوص من مستخدمين فى الكونجرس، وقيادات فى الخارجية الأمريكية، وأعضاء فى معاهد أبحاث المدينة. الجميع كان فى انتظار كل لفظة يتفوَّه بها صهر الرئيس، لكن نظراتهم امتلأت بمزيج من المشاعر الغريبة، التى وشى بعضها بفقدان الثقة فى فهم وقدرة الشاب الصغير، لكنها لم تخل من ترقُّب مشوب بالتوتر للاستماع: هل سيقدم أى بشرى؟ جانب من الأخبار؟ ربما وميضًا؟ لأن ما يمكن قوله عن النزاع الإسرائيلى - الفلسطينى قد قيل على الأقل ألف مرة. لم يخيب كوشنر الظنون، لقد كان واضحًا وفى أحيان أخرى داعب الحضور. تحدث كثيرًا، لكنه لم يقل الكثير. لم يتنازل ساتلوف: حاول طرح الأسئلة باستمرار، لكنه لم ينجح فى انتزاع عبارة قاطعة أو حاسمة من كوشنر لإيضاح الاتجاه الذى يسير فيه، حتى عندما وجه له سؤالًا مباشرًا حول ما إذا كانت خطته تتضمن حل الدولتين، فكان رد كوشنر مفاجئًا: «ربما من الأفضل العزوف عن تعبير دولتين، إذ يفسر كلا الطرفين المصطلح بطريقة مختلفة، لذا فإنه من الأفضل ببساطة عدم الحديث عن ذلك».
من خلال التصريحات التى أدلى بها كوشنر يمكن فهم العمود الفقرى للخطة، التى من المقرر عرضها فيما يبدو بعد شهر رمضان، وبعد تشكيل الحكومة فى إسرائيل، وهو المال؛ الكثير من المال. المال الكثير يمكنه إغراء الفلسطينيين لنسيان تطلعاتهم السياسية، واشتياقهم إلى دولة، ونضالهم من أجل تحقيق هذا الهدف. ومن تصريحات كوشنر أيضًا يمكن الوقوف على أنه مهما حدث، يصر ترامب على عرض الخطة، وطرحها على الطاولة.
داعب كوشنر الحضور فى لحظة خاصة، عندما طُرح عليه سؤال حول ما إذا كان ترامب قد قرأ الخطة، فأثارت إجابته موجة من الضحك. ما يعرفه الجميع جيدًا أن الرئيس ليس الشخص المتعمق؛ ورد كوشنر، الذى يُعرف بكبير مستشارى الرئيس والمسؤول عن إعداد خطة السلام: «كان يتدخل، كما أنه ضالع فى التفاصيل»، وأسهب قليلًا، وأضاف: «لقد قرأ ترامب أجزاء من الخطة، لذا كان العمل معه ممتعًا».
أعلن كوشنر أنه من المتوقع أن يضطر الجانبان إلى تقديم تنازلات، وقال أقل من ذلك أو أكثر، يجب على الدول العربية، خاصة المملكة العربية السعودية، تخصيص حافظة كبيرة للاستثمار فى مشروعات من أجل تحسين حياة الفلسطينيين. 
«إذا وافق الفلسطينيون على الخطة، فسوف تتغير حياتهم بشكل واضح»، بحسب كوشنر، المعروف بعلاقاته مع البيت الملكى السعودي، وكانت هذه العلاقات سببًا فى إعلان الرئيس ترامب قبل وقت وجيز أن «الدول العربية بالكامل تقف إلى جانبنا» فى كل ما يتعلق بخطة السلام، التى وصفها بـ»اتفاق القرن».
وبإصرار قال كوشنر، إن الخطة تطرح حلولًا للقضايا الجوهرية، خاصة إشكالية الحدود، ووضع القدس، وحق العودة. وحينما أنهى حديثه، لخَّص المحيطون بى عرضه بأنه كان أقل كثيرًا من المأمول: إنه ساذج، ولا يعى التاريخ، ولا طبيعة المشاعر فى الشرق الأوسط؛ إنه يعتقد أن المال هو كل شيء، لأنه نشأ على ذلك، ويعيش فى الخيال، فالخطة التى يعكف عليها هى مجموعة من الأوهام؛ فحتى الآن لم تبد تفاصيلها، لكن الموسيقى التى يرددها غريبة، ما يمكن تصوره فقط، أن ما يردده على الآذان هو مجرد خداع.
وفى نهاية الأمسية، جرى التباحث بين الخبراء حول الإشكالية ذاتها، وما إذا كانت هناك فرصة بعد كل ذلك لتطبيق بنود الخطة، ففى ظل الوضع الراهن، الذى ينعدم فيه الحوار بشكل عام بين الولايات المتحدة والفلسطينيين، يمكن أن تطرح خطة السلام حلولًا للمشاكل الجوهرية. من جانبه قال دينيس روس المخضرم: «الفرصة صفرية». أما مايك هيرتسوج، وهو باحث فى قضايا الشرق الأوسط، فاتفقت رؤيته تمامًا مع روس، حتى أنه صنع بأصابعة دائرة، أشار بها إلى علامة صفر كبير.
وماذا عن كوشنر؟ إنه يحتفظ بكافة الأوراق قرب صدره: حتى أنه كان من المستحيل عن طريق التلميح فهم ما تحويه الخطة، المقرر عرضها بداية الشهر المقبل، إلا أنه قبل وقت وجيز من لقاء الأمسية التى يدور الحديث عنها، وبعد اللقاء أيضًا، طافت مسودَّة على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت حقًا مسودة الخطة، أم أنها بالون اختبار، أو نوع من السفسطة. لكنها نجحت فى إثارة غليان المجتمع الفلسطينى - العربي، وكذلك اليمين الإسرائيلي، إذ جرى الحديث هناك حول «فلسطين الجديدة». إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت دولة أو كيان أو خيال، مع جسر مرتفع يربط بين غزة والضفة.
جاء من عالم العقارات
فى الكتاب الذى رأى النور فى الولايات المتحدة قبل أقل من شهر، والصادر تحت عنوان «مؤسسة كوشنر، الجشع والطموح، والفساد»، كتبت المؤلفة فيكى وورد، وهى صحفية وباحثة، عكفت فى السابق على تأليف كتب، اعتبرتها قائمة «نيويورك تايمز»الأكثر مبيعًا، أن الشخص الذى رأى مسودة العرض الأمريكى يدعى احتواءها على تبادل أراضٍ، وأن هذا التبادل ليس فقط بين إسرائيل والفلسطينيين، وإنما من نوع صفقة التناوب؛ إذ تضم إسرائيل المستوطنات، بينما تنقل الأردن أراضٍ للفلسطينيين فى الضفة، وفى المقابل تنقل المملكة العربية السعودية جزءًا من أراضيها إلى الأردن. بعد نشر كتاب وورد، تلقت صحيفة «نيويورك تايمز» رسالة من آفى ليفال، وهو محامى كوشنر، جاء فيها أن «التصور الوارد فى الكتاب بعيد جدًا عن الواقع، فكل نقطة تطرحها السيدة وورد عارية تمامًا عن الصحة، ويبدو أنها ألفت كتابًا خياليًا، ودون تقصٍ للحقائق. إن تصحيح كل شيئ مكتوب فى المؤلف، يلزمه وقت طويل، ولن ينطوى على فائدة».
وجهة نظر أخرى سرية، تسرى بسرعة بين مراكز القوة فى العاصمة الأمريكية، وتشى تلك النظرية بعملية تخدير، يعرض بموجبها ترامب الخطة، وهو يعلم أن الفلسطينيين لن يقبلوا بها، لأنهم لن يتنازلوا عن دولة خاصة بهم، وعن القدس الشرقية عاصمة لها. من ثم، ووفقًا للمؤامرة التى يدور الحديث عنها، يعلن نتنياهو أنه لا يوجد شريك يمكن الحديث معه، ونتيجة لذلك يقوم بضم المستوطنات فى الضفة الغربية، ليعلن ترامب هو الآخر اعترافه بالضم، وتواصل الخطة حينئذ إثارة الغبار إلى جانب خطط أمريكية سابقة، جرى طرحها خلال السنوات الماضية.
وليام بيرنز، الذى شغل فى الماضى منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، وانشغل أكثر من غيره خلال العقود الثلاثة الماضية بموضوع الشرق الأوسط،والنزاع الإسرائيلى - الفلسطيني، قال خلال الآونة الأخيرة وفى سياق منتدى مغلق، وكتب مقالًا حول ذلك أيضًا: «لم أر أبدًا رئيسًا أمريكيًا يعطى الكثير ولا يأخذ شيئًا فى المقابل. لقد أعطى (ترامب) لنتنياهو اعترافًا بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته إليها، ومنحه اعترافًا بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، لكن كل ما يدور حول تلك الخطة التى يصفها ترامب بـ»اتفاق القرن»، يبدو فى نظرى وهمًا كبيرًا».
صائب عريقات هو الآخر وصف الخطة حتى قبل الكشف عن تفاصيلها بـ»فن الصفقة السيئة». وقال مؤخرًا إنه أجرى حديثًامع مصدر فلسطينى قبل عدة أشهر، أوضح فيه أن الفلسطينيين لم يتحاوروا حتى الآن مع ممثلين عن الإدارة الأمريكية، لكنه التقى كوشنر، وقال عريقات: «قلت له: لماذا تتحدث معي؟ إسرائيل هى المعنية بالحديث معي. لن تستطيع إحراز السلام إذا لم يكن هناك حوار بين الجانبين». ووفقًا لوصف عريقات، رد كوشنر غاضبًا، وقال إنه يعتبر تلك الخطة إبنه الوليد. ويشير عريقات إلى أنه قال لكوشنير: «حينما أتحدث معك، أشعر أننى أحاور سمسار عقارات؟».
وحينئذ جاءت إيڤانكا
استملحت الطائفة اليهودية فى واشنطن أن تطلق عليه لقب «فتى القدس الطيب»، أو «الفتى المتدين»، فحديثه رقيق، ولطيف المشية. وخلافًا لصهره، يعلم كيف يستمع إلى محادثيه، إلا أن شخصيته تنطوى على جانب آخر: من عمل معه يدعى أنه يعرف كيف يرفع صوته، وأن يطرق بيده على الطاولة، وأن يهين ويقيل أشخاص بدم بارد ودون مشاعر. أما فيما يخص إسرائيل، فمن المستحيل أن تجد صديقًا أفضل منه فى البيت الأبيض.
بعد أن أنهى دراسته، تعرف على إيڤانكا، التى طافت حول تلك الأوساط فى نيويورك: كان حبًا من النظرة الأولى، فوالديهما مهيمنان، فضلًا عن أن چيرهارد وإيڤانكا يحظيان بأفضلية لدى والديهما بين أبناء العائلتين. وفى كتابها الذى رأى النور مؤخرًا، كتبت فيكى وورد عن الزوجين كوشنر: «يبدوان كما لو كانا أميرًا وأميرة، إنهما وريثان يعلمان أن كل شيء سيعود إليهما. كلاهما يحتقر القانون والأخلاق، وهما مزيج من الجهل، ويهويان الغطرسة والرغبة المفرطة فى القوة والسلطة».
حينما اصطحب چيرهارد إيڤانكا للمرة الأولى إلى منزل والديه، حازت على إعجابهما، لكنهما اعترضا على العلاقة نظرًا لأنها غير يهودية، وذات مرة قال والد چيرهارد: «فهمت لماذا أرادت إيڤانكا إلى هذا الحد الانضمام  إلى أسرة كوشنر. إنها لم تشعر حولها ذات مرة بأسرة مرتبطة مثل أسرتنا». .
فى المقابل، وبعد صداقة استمرت عامًا تقريبًا، انفصلت إيڤانكا عن كوشنر، وقال أصدقاء سابقون لأسرة كوشنر إن الانفصال جاء على خلفية اختلاف الديانة بين الطرفين. وبشكل أدق: واجهت والدة كوشنر صعوبة فى القبول بحقيقة ارتباط مصير ابنها المدلل بفتاة غير يهودية. وبعد مرور ثلاثة أشهر على الانفصال، التقت إيڤانكا وكوشنر مصادفة على متن يخت لصديق مشترك، أبلغت إيڤانكا كوشنر فى نهاية إبحار اليخت أنها على استعداد لاعتناق اليهودية، وأخذت الموضوع بجدية أثارت دهشة الجميع.
وأشار والد كوشنر فى حينه إلى أن إيڤانكا لم تدرس فقط بعض الفقرات التوراتية، وإنما تعمقت فى الدراسة تمامًا، بينما قال الأب ترامب: «لا أتفهم ضرورة رغبتها فى اعتناق اليهودية حتى تتزوج من شخص ما». كما أنه لم يكن محبًا لوالد چيرهارد. ووفقًا لكتاب وورد، قال ترامب عن والد چيرهارد: «إنه يبدو مثل أحمق سقط فى قبضة الشرطة». لكن شهادة الأكثرية أكدت أن ترامب تعامل مع چيرهارد كما لو كان أحد أبنائه.
بعد الزواج، أقامت إيڤانكا وكوشنر فى شقة فارهة بمنهاتن. وفى كتابها «مؤسسة كوشنر»، تصف فيكى وورد مشهدًا من منزل چيرهارد وإيڤانكا: «إليزابيث سبيرز، التى عملت محررة سابقة فى صحيفة «أوبزيرفر»، زارت منزلهما، وأصيبت بالدهشة حينما لم تجد فيه كتابًا واحدًا، وحصلت على انطباع بأن فضولهما الفكرى لا يتجاوز الصفر». بعد ذلك قالت سبيرز إن كوشنر وبخها ذات مرة حينما نشرت تقريرًا عن الأديب مارتن أميس، الذى انتقل من لندن إلى بروكلين. وصرخ فى وجهها قائلًا: «لا يعلم أحد عن أميس شيئًا، فلا يوجد من يقرأ فى الأدب». فردت سبيرز على ذلك قائلة: «لا. أنت الوحيد الذى لا يقرأ فى الأدب». أخذت سبيرز انطباعًا بأنه لا يفهم فى الإعلام ولا فى الصحافة، فلا يحترم الصحفيين باستثناء كل من هو إسرائيلى فقط، كما أنه لايمتلك فكر أو رؤية المحرر.. أنجب الزوجان كوشنر ثلاثة أبناء، يعكفان على تربيتهم  وتعليمهم  وفقًا للروح اليهودية،وفى منزل يحافظ على قدسية يوم السبت، ويأكل الطعام وفقًا للتعاليم اليهودية (كاشير)، ويحتفل بجميع الأعياد اليهودية. وتواصل إيڤانكا إدارة مشروعاتها فى شركة ترامب، بالإضافة إلى خط الموضة الذى يحمل اسمها: ملابس وأحذية للمرأة العاملة وربة المنزل والأطفال.
فى يونيو العام 2015، أعلن ترامب اعتزامه خوض المنافسة على الرئاسة، وفى البداية لم يكن كوشنر ضالعًا كثيرًا فى المسألة، حتى جاء اليوم الذى انضم فيه إلى حملة انتخابات ترامب، فرأى بأم عينيه أن هناك أغلبية تتحدث بشكل مختلف، وتتصرف بشكل مغاير فى نيويورك، واستشعر فى ذلك رغبة فى التغيير. بعد ذلك بفترة وجيزة، تلقى ترامب دعوة لإلقاء كلمة فى مؤتمر اللوبى اليهودى «إيباك». 
كان كوشنر من بين المستشارين لكتابة وصياغة الكلمة، فرأى فيه ترامب شخصًا يحيط علمًا باليهود، ويعلم آليات التحاور معهم. ليس ذلك فحسب: يعتبر كوشنر أحد أهم الشخصيات المقربة من نتانياهو، ووفقًا للقصة التى حكاها نتانياهو نفسه لمراسلين فى واشنطن، تولدت العلاقة فيما بينهما منذ عدة سنوات، حتى أنها كانت قبل وصول نتانياهو إلى مقعد رئاسة الوزراء. حدث ذلك حينما كان نتانياهو فى زيارة للولايات المتحدة، وفى حدث إعلامي، تلقى دعوة من عائلة كوشنر للإقامة فى منزلها، وحتى  يحصل الضيف على الغرفة الأفضل والأكثر راحة، أقام كوشنر فى الطابق الأرضي، ونام نتانياهو فى فراشه.
فى اللحظة التى قرر فيها كوشنر الضلوع فى المسائل السياسية، أصبح من بين دعامات حملة ترامب والمسؤول عن ميزانيتها، هو وإيڤانكا التى كانت تزور مكاتب الحملة، لم يحبا كورى ليفندوفسكي، الذى كان يعد من أقرب الشخصيات لترامب وكاتم أسراره. ووفقًا للعديد من التقارير، انفجرت فيه إيڤانكا ذات يوم، وادعت أنه يعكف على تسريب افتراءات لوسائل الإعلام ضد كوشنر. استغرق الأمر وقتًا، إلا أنه فى نهاية المطاف، رتبت إيڤانكا مع شقيقيها، وأدخلتهما مكتب والدها، وقالت له: «إما هو أو نحن»، فجرى طرد ليفندوفسكى هو الآخر. ومع ستيف بانون أيضًا، واضع استراتيجيات الحملة، لم يتفق الكوشنران. بدأت العلاقة معه بشكل جيد، وأخذ بانون انطباعًا جيدًا حول قوة وقدرات إيڤانكا القيادية، إلا أنه لم يمر وقت طويل، وأصبح يشعر بالقلق، وقال: «كلاهما جاهل وغير منظم»، وفقًا لما نشرته وسائل إعلام حول ابنة ترامب وزوجها خلال الحملة الانتخابية.
يسيطرون على البيت الأبيض
لقد أعلن ترامب صراحة، أنه لا يعلم لماذا عشق كوشنر السياسة بشكل مفاجئ، لاسيما أنه رجل موفق فى سوق العقارات، لكن كوشنر أوضح له أنه مهتم بالعمل إلى جانبه فى البيت الأبيض، كمستشار كبير، والعمل على ملف السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. انضم كوشنر إلى ستيف بانون، الذى كان نقيضًا له على طول الخط، فهو رجل قاسٍ وصلب، ويؤمن بالإدارة وسط الفوضى. فى المقابل أبلغت إيڤانكا والدها أنها هى الأخرى ترغب فى العمل إلى جانبه، والتزمت علانية بالعمل على دفع قضايا رفاه الطفل إلى الأمام، وتعهدت بإقناع والدها بالتراجع عن الانسحاب من اتفاق المناخ، وعدم إلغاء خطة التأمين الصحى التى كان قد عمل عليها أوباما، إلا أنها فشلت فى المهمتين. 
اقتحمت إيڤانكا البيت الأبيض مثل ريح عاصفة خلال التحضير لمرحلة انتقالية، وأبلغت الطاقم الإدارى برغبتها فى الحصول على الجناح الشرقى للبيت الأبيض، وتحويله إلى «مكتب أسرة ترامب»، وبالطبع كانت تقصد بذلك تبعيته لها. وفقًا للبروتوكولات، يتبع الجناح الشرقى السيدة الأولى وطاقمها، وعندما علمت مالينا بخطة إيڤانكا، فرضت عليها حق النقض الكامل (فيتو)، بحسب ما ذكرته وورد فى كتابها. وخلال مواصلة الاستعداد لمراسم يمين الولاء، استأجر الزوجان كوشنر منزلًا واسعًا فى حى كالورما الراقى بواشنطن، وهو المنزل الذى يقيمان فيه حتى الآن، ويقع المنزل بجوار أسرتى أوباما وجيف بزوس مالكة شركة «أمازون»، وصحيفة «واشنطن بوست»، وتقاسم كوشنر وبانون المكاتب المتجاورة بالقرب من الغرفة البيضاوية فى البيت الأبيض، وقررا أن يظل الباب الفاصل بين مكتبيهما مفتوحًا. 
على إحدى حوائط مكتب بانون، استقرت لوحة ضخمة تحمل تعهدات ترامب الانتخابية. كان ذلك للذكرى، وقرر أن يتبع الوفاء بكل تعهد احتفالًا، وإضافة حرف «V» على فقرة التعهد. وعلى رأس قائمة التعهدات كان موضوع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. چيرهارد الداعم بقوة لعملية نقل السفارة، طلب من بانون عرقلة تمرير الموضوع بعض الوقت، حتى يتسنى له الحصول على متسع من الوقت لإعداد خطة السلام، إذ كان چيرهارد يتخوف من أن يدمر ذلك فرصة الخطة قبل أن يبدأ فى العمل عليها. وحول هذا الموضوع بدأت التوترات بين الاثنين بعد وقت قصير من عملهما فى البيت الأبيض. 
التعهدات الانتخابية
تزامنت تلك التوترات مع المراسيم التى حظرت دخول مسلمين الولايات المتحدة، وهى الخطوة التى عارضها چيرهارد وإيڤانكا، بينما أيدها بانون بصوت عالٍ. وقال مصدر فى البيت الأبيض إنه منذ اليوم بدأ بانون فى العمل على الحملة الانتخابية للعام 2020، وقال بانون لكوشنر: «إن ترامب فاز فى الانتخابات بسبب أجندته»، وبرر بذلك سبب عمله المبكر على الوفاء بالتعهدات الانتخابية، إلا أن كوشنر رد على ذلك بقوله: «فاز ترامب لأنه ترامب». أصبح الصدع بين الزوجين وبانون معلنًا، وجرى إغلاق الباب الفاصل بين المكتبين، وتبادل الطرفان الكلمة الواحدة فيما بينهما بصعوبة.
وقال مصدر فى البيت الأبيض إن المستخدمين انتبهوا إلى وصول إيڤانكا يوميًا لممارسة عملها فى العاشرة صباحًا، وبدت كما لو كانت مكلفة بمهمة احترافية فى تصفيف الشعر والماكياج. كانت تدلف إلى الغرفة البيضاوية كلما راق لها ذلك، دون تنسيق أو استئذان من رئيس طاقم البيت الأبيض، ووفقًا لما نشر فى السابق عنفها بانون قائلًا: «إذا كان ذلك لأنك تؤيدين والدك فهو أمر جيد، لكن إذا كنت عضوة فى طاقم فهناك طاقم آخر يجب مراعاته. لا نتفهم سببًا لما تفعلين». استشاطت إيڤانكا غضبًا، وقالت: «لن أكون أبدًا عضوة فى طاقم، إننى الإبنة الأولى». 
فى ظل هذه الظروف، اتهم بانون إيڤانكا بتسريب معلومات من البيت الأبيض، لكنها قذفته: «أنت كاذب وسخيف. كل كلمة تخرج من فمك هى كذب». فى هذه المرحلة علم بانون والمحيطون به أن أيامه فى البيت الأبيض باتت معدودة، نظرًا لأن كوشنر وإيڤانكا وضعاه فى رأسيهما. ولم تتوقف إيڤانكا عن دخول مكتب والدها الرئيس كلما أرادت، وكان ترامب يستقبلها بترحاب، وعند مغادرتها كان يقول لحضور الغرفة: «انظروا كيف هى متناسقة التقاطيع».
ونشرت وسائل إعلام أن كوشنر كان يُستدعى للبيت الأبيض فى كثير من الأحيان، ودائمًا ما كان يطلع دوائر البيت الأبيض على ما يجرى وراء ظهره، فلم يكن أحد يعلم طبيعة عمله. لقد بنى لنفسه مملكة صغيرة داخل المملكة الكبيرة، ولأنه صهر الرئيس، لم يجرؤ شخص على مواجهته أو الشكوى منه. وحتى ركس تيلرسون، وزير الخارجية الذى عينه ترامب، فاحتفظ هو الآخر فى جعبته بالعديد من المواقف حول چيرهارد، لكنه آثر كتمانها، ولم يسمع بتلك المواقف سوى مراسلى الخارجية الأمريكية خلال انضمامهم لسفريات تيلرسون. وبعيدًا عن النشر سمعوا عن مواقف أكثر صعوبة عن كوشنر، وكذلك عن الرئيس ذاته، الذى سمح له بالعمل بشكل يمزق أوصال وزارة الخارجية.
ذات مرة قال تيلرسون عن كوشنر، وفق شهادة أحد مستشاريه: «إنه شخص سطحى ولا يهتم بالتفاصيل». الحقيقة هى أن تيلرسون كان على قناعة بأن چيرهارد سينتحى جانبًا حينما يتولى المنصب، إلا أن چيرهارد واصل إدارة الشؤون الخارجية فى ملف المكسيك والشرق الأوسط، كما لو لم يكن هناك وجود لوزارة خارجية فاعلة. وبسرعة بالغة، تفهَّم عدد من زعماء العالم، أنهم إذا كانوا يريدون الاقتراب من أذن ترامب، فعليهم بالتحاور مع چيرهارد وليس مع تيلرسون، فحتى حينما تلقى ولى العهد السعودى دعوة لزيارة البيت الأبيض، كان تيلرسون بعيدًا عن الصورة، وعندما استضافته إيڤانكا وچيرهارد لتناول العشاء فى منزلهما، لم يتلق تيلرسون دعوة لحضور المأدبة.
إن السعوديين الذين شعروا بخيبة أمل إزاء حقيقة عزوف أوباما عن اقتحام إيران بقوة، وأبرم معها اتفاقًا، انتظروا بضيق صدر للعمل مع ترامب وكوشنر، واستحال كوشنر إلى صاحب منزل مرحبًا به لدى المملكة، ولم يكن غيره الذى أقنع ترامب بزيارة السعودية فى أول زيارة له كرئيس خارج الولايات المتحدة. لم يقتنع ترامب بسهولة، إلا أنه بعد تعهد كوشنر بأن السعودية ستشترى من الولايات المتحدة صفقات أسلحة ضخمة، وأنها ستحارب الإرهاب بكامل إرادتها، استجاب ترامب، وخرجت الزيارة إلى حيز التنفيذ.
وزير الخارجية تيلرسون، الذى كان فى عمله السابق مديرًا عامًا لشركة نفط كبيرة، ابتلع لسانه كذلك فى أعقاب زيارة چيرهارد للعراق، وقال لحاشيته: «الآن وبعد زيارة واحدة، سيتحول إلى خبير فى القضية». لكن ترامب، الذى بات على علم بأن كوشنر يدير فى البيت الأبيض وزارة خارجية مستقلة، كان مفعمًا بالحماس، وخلال لقاء مع وفد من المشرعين الذين التقوا به، وقرر أن يحدثهم عن الجهود التى يبذلها صهره من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، قال: «كوشنر جمع كل العرب إلى جانبنا». تفهم تيلرسون أنه أصبح محيدًا، وأن التحييد جاء من قبل كوشنر، وبدأ هو الآخر فى تعداد أيامه المتبقية فى الخدمة بإدارة ترامب.
أتى ترامب برئيس جديد لطاقم البيت الأبيض، وهو جون كيلي، وذلك من أجل ترتيب الأمور. كيلى جنرال متقاعد، بنى خطة لإدارة البيت الأبيض على الطراز العسكري. حاول الرجل، لكنه فشل فى السيطرة على إيڤانكا وچيرهارد، اللذان فعلا ما يحلو لهما. كان چيرهارد غارقًا حتى رقبته فى محاولاته الرامية إلى تأليف خطة السلام، لاسيما أنها أصبحت إبنه الوليد، وقبل أيام قليلة فقط، وخلال أمسية معهد واشنطن، حينما طُرح عليه سؤال حول ما إذا كان من الممكن تحوُّل الخطة إلى فشل، أجاب: «حينما تعمل من أجل الرئيس، ستبذل قصارى جهدك حتى لا تخذله، لكنك تستطيع. وحينما تعمل لدى صهرك، لا يمكنك خذلانه».
كانت إيڤانكا وچيرهارد على ثقة أن كيلى سيمنحهما غطاءً كاملًا ويقف إلى جوارهما، لكنه رصد المشكلة. ووفقًا لتقارير نشرتها وسائل إعلام فى تلك الآونة، ولم ينفها البيت الأبيض، طلب ترامب نفسه فى مرحلة معينة من كيلى أن يكون سببًا فى مغادرة إيڤانكا وچيرهارد البيت الأبيض. وقال ترامب: «إنهما لا يعلمان كيف تدار المباراة. من الأفضل لهما العودة إلى نيويورك». لكن ذلك لم يحدث، وبعد تيلرسون وبانون، رفع كيلى هو الآخر يده وانسحب.
مشروع حياته
بالعودة إلى البداية، وإلى النقطة الزمنية الحالية، التى تعد لحظة اختبار كوشنر الحرجة؛ فى هذه اللحظة، باتت خطة السلام التى أعدها إلى جانب جايسون جرينبليت جاهزة، وبمنظور كوشنر يدور الحديث حول مشروع حياته، فإذا نجح، سيدخل التاريخ ونادى الكبار، أما إذا فشل، فسوف يعتبره منتقدوه عديم الخبرة، ولا يفهم، ويعيش الأوهام. 
روبرت ساتلوف الذى حاور كوشنر على المنصة قبل عدة أيام فى واشنصطن أمام جمهور خبراء الشرق الأوسط، الذى اجتمع على المأدبة السنوية لمعهد واشنطن المرموق بحث خلال عشرات السنين عملية السلام. ورغم أنه لم يتولّ منصبًا رسميًا فى إدارة أمريكية، إلا أنه كان يمتلك دائمًا أذن منصتة داخل البيت الأبيض خلال عهود لرؤساء جمهوريين وديمقراطيين، وذلك بسبب معرفته وفهمه.
وبعد أيام معدودة من تحاوره مع كوشنر على المنصة، والاستماع له حول عدة أمور تتعلق بالخطة، نشر ساتلوف عبر موقع معهده نداء نادرًا فى حدته وتوقيته، وجاء فيه: «ستكون خطة كوشنر كارثية. الطريقة الوحيدة لحماية الجوانب الطيبة فى الخطة هى تصفيتها الآن». بعبارة أخرى: يدعو ساتلوف البيت الأبيض إلى وضع الخطة على الرف، لأنها لن تخلق أية فرصة.
إلا أنه يبدو أن تلك القاطرة انطلقت بالفعل فى طريقها، فكوشنر مارس عملًا شاقًا خلال عامين، ليس من أجل وضع الخطة على الرف، وإنما لكى يجنى تصفيق الجميع لها. إنه فى حقيقة الأمر يثق فى إمكانية تحقيق انفراجة. بعد وقت وجيز من شهر رمضان، وبعد أن يشكل نتانياهو حكومة، سيلقى الرئيس ترامب خطابًا، بينما يقف كوشنر إلى جواره، كأفضل رجل ومهندس معماري. وحتى يحدث ذلك، يدخل الشرق الأوسط بأسره مرحلة الانتظار العصبي. وبعد أن فشل تمامًا فى تحقيق نتائج أمام كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا والصين، يحتاج الرئيس ترامب إلى إنجاز حقيقي، يتردد صداه على الساحة الدولية، وهذا العبء الكبير مُلقى حاليًا بكامل ثقله على كاهل كوشنر.