محمد داوود يكتب: هل يمكن أن توجد منظومة أخلاقية داخل مجتمع إلحادي؟

الدكتور محمد داوود
الدكتور محمد داوود

في سلسلة مقالات للدكتور محمد داوود أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس، يسلط الضوء على قضية الإلحاد، من خلال الرد على تساؤلات وردت بالفعل، ننقلها لكم يوميًا.

عمل «داوود» في البداية على نشر هذه التساؤلات عبر صفحته على موقع «فيسبوك»، تحمل اسم «الملحدون يعترفون»، ثم أشار عَليه بعض أصحابه بسلسلة تجمع خلاصة هذه الحوارات في كتاب لتكون متاحة لمن لا زالوا يفضلون النسخة الورقية للكتاب على النسخة الإلكترونية.

وإلى اللقاء الجديد
عزيزى... 
إن الأخلاق في اعتقاد الملحد نابعة من منظوره المادي النفعي.

ـ يقول لينين: «إن الأخلاق خدعة ميتافيزيقية.. خدعة البرجوازية»، وفي البيان الشيوعي: «العمال يرفضون الأخلاق».

ـ ولأن الملحد آخر منتهى نظرته وأمله وطموحه هذه الحياة المادية؛ حيث إنه لا يؤمن بإله ولا ببعث ولا جنة ولا نار... إلخ، فهو يطلب المتعة فى هذه الحياة بكل سبيل دون اعتبار لقيمة أخلاقية دينية، يقول جون لوك: «إذا كان أمل الإنسان قاصرًا على هذا العالم، وإذا كنا نستمتع بالحياة هنا فى هذه الدنيا فحسب، فليس غريبًا ولا مجافيًا للمنطق أن نبحث عن السعادة ولو على حساب الأبناء والآباء»؟!!!

وهنا سؤال مستحق:

ما هو موقع الضعفاء (المعاق ـ المريض... إلخ) في الميزان المادي للأخلاق عند الملحد؟ 

والجواب: لأن الملحد يؤمن بالانتخاب الطبيعى وأن البقاء للأقوى، وميزانه المادى للأخلاق؛ فهو يتخلص من الضعفاء فى المجتمع (المعاق ـ المريض ـ الفقراء)، ويراهم عبئًا على المجتمع.

بينما نظرة الإيمان تقوم على التعاطف مع الفقراء، فرعايتهم تكليف إيمانى، قال تعالى{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]، وقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]، وقال ﷺ: «هَلْ تُنْصَرُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ بِدَعْوَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ» (رواه البيهقى فى الكبرى، وأبو نعيم فى الحلية).. فالزكاة والصدقة تقوم بالضعفاء.

وهنا سؤال محوري: 

ماذا عن المرأة في مجتمع الملحدين وأخلاقهم؟! وماذا عن الزواج تحديدًا؟!

الجواب: من داخل المجتمع والفكر الإلحادي يقول (سيمون دي بوفوار): «إن الزواج وتكوين أسرة خديعة كبرى» وتباح الممارسات الجنسية دون زواج، وبحرية غير منضبطة، وبلا حدود، حتى مع المحارم!!!
إذن ما الذى يقدمه المجتمع الإلحادى إلا: (التفكك الأسرى، هروب الآباء, غلبة النظرة المادية النفعية بين الآباء والأبناء)؟

وما الفرق بين الإنسان والحيوان في المنظور الأخلاقي عند الملحد؟! 

والجواب: لا فرق، لقد انتكس الملحد من مستوى التكريم الذى منحه الخالق للإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [الإسراء: 70]إلى مستوى الحيوان.

وهكذا نرى بوضوح أن الأخلاق عند الملحد تتناقض مع الانتخاب الطبيعى والبقاء للأصلح والأقوى، ومن هنا بُرِّرت الحروب، وحملات التطهير العرقى فى المجتمعات الإلحادية.

أخلاق الملحد... والداروينية الاجتماعية:

الداروينية الاجتماعية تعني: أن الأقوى يسيطر ثقافيًّا وفكريًّا وبيولوجيًّا، والضعيف ينسحب بهدوء إلى أن يموت!!! البقاء للأقوى، وصراع البقاء يفرض نفسه فى المجتمع الإلحادى، بينما الإسلام فيه التعاطف والتعارف والتراحم.

أصداء فى حياتنا المعاصرة للداروينية الاجتماعية:

ولما كان الإلحاد فلسفة تتبنى فكرة الصراع من أجل البقاء، فقد ظهرت لها تطبيقات في إباحة القتل الجماعي في القرن العشرين في أوربا.

ومن أصدائها في المعاصر أننا نسمع عن: رصاصة الرحمة، القتل الرحيم فى الطب للتخلص من المرضى الذين لا يُرجى شفاؤهم، والتخلص من الفقراء والمساكين والمعاقين، ونظرية الخمس الثرى؛ حيث ترى القوى المتحكمة في العالم أن خمس العالم هو من يستحق الحياة؛ لأنه الذي يملك الثروة والعلم والسلطة، ويحق لهم التخلص أو التخفف من الأربعة أخماس الباقية من سكان الكوكب الأرضي.

يقول جيمس هل (jam Hill): «إن الثروات تُحدَّد طبقًا لقانون البقاء للأقوى».

إن أصل الصراعات فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان بسبب التنظير الإلحادى، والرؤية المادية للإنسان، وتفضيل جنس على جنس، ولون على لون، وهى رؤية إلحادية 100%.

سقوط نظرية داروين (الإنسان أصله إنسان) وليس قردًا!!!

عزيزي...

لقد سقطت نظرية داروين التى تدعى أن الإنسان أصلة قرد، هكذا قرر فريق من العلماء يتألف من أكثر من جامعة أمريكية، فقد كشفوا عن أقدم أثر معروف للبشر وهو هيكل عظمى في أثيوبيا، وكان أقرب لهيئة الإنسان ويتجول فى الأرض قبل أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة أطلق عليه اسم (أربي)، وعرضوه ليبطلوا به نظريته القائلة بأن أصل الإنسان قرد، وبهذا الهيكل تعرف الباحثون على معلومات تتعارض مع تلك التى استقاها فى السبعينيات من هيكل لوسى الشهير، فهذه أقدم من لوسى بمليون سنة.

إذا سألت أي شخص فى الشارع الآن عن تصوره لشكل أجدادنا فسيقول لك: ربما يشبهون لوسي، وإذا سألت أحدًا قبل هذه الأيام سيقول لك: يشبهون الشامبنزي.

إن الهيكل الذي بين أيديكم الآن يثبت علميًّا أن التصورات السابقة غير صحيحة بتاتًا، ويعتقد العلماء أن هذا الكشف هو أوضح دليل عرفوه حتى الآن يثبت أنه لا صلة بين أصول الإنسان وأصول القرود، حيث كان يمشي هذا الهيكل على قدميه كالإنسان وليس كالقرد، بإمكاننا أن نرى نظرًا لقدم هذا المخلوق أنه تطور بمواصفات خاصة تشير إلى أنه من شجرة عائلتنا، وأنه ليس من شجرة عائلة الشامبنزي، (أربى) هو أكثر الهياكل العظمية التي عثر عليها اكتمالًا بين العينات التي عُثر عليها حتى الآن، وقد عُثر عليه عام 1994 في صحراء (عثر الأثيوبية) بموقع ليس بعيدًا عن الموقع الذي عُثر فيه على الهيكل لوسي عام 1974م، وهذا الكشف كان بمثابة ضربة جديدة لنظرية داروين التي ظلت مثيرة للجدل منذ القرن التاسع عشر.