الصيام وكرة القدم.. بين رفض المدربين وحلول التغذية الرياضية الحديثة (ملف)

خبراء الكرة والتغذية يتحدثون لـ"بوابة أخبار اليوم"
خبراء الكرة والتغذية يتحدثون لـ"بوابة أخبار اليوم"

«رمضان لم يأت في الوقت المناسب بالنسبة للاعب كرة قدم».. تصريح أطلقه البرتغالي جوزيه مورينيو، المدير الفني الشهير إبان قيادته لإنتر ميلان الإيطالي، بعد أزمته الشهيرة مع الدولي الغاني سولي علي مونتاري بسبب إصراره على صيام شهر رمضان أثناء خوض المنافسات الرسمية، ورد عليه الفرنسي ديدييه ديشامب، المدير الفني ليوفنتوس آنذاك، قائلاً: «كلام مورينيو خاطىء، فالمشكلة ليست في الصيام، وإنما في طريقة إعداد اللاعب في ظله».

 

 

وتتلخص أزمة صيام لاعبي كرة القدم في التصريحين السابقين لمورينيو وديشامب، وإن كان الأخير على حق لأنه احترم شرائع الدين الإسلامي الذي ينتمي له عدد كبير من لاعبي كرة القدم العالميين في مختلف الدوريات الكبرى، ولكن الإشكالية العلمية والطبية في تأثير الصيام على أداء لاعب كرة القدم تظل مثار بحث وتدقيق علمي للوصول إلى الطريقة المثلى في التعامل مع الصيام.

 

وأثارت التصريحات التي أطلقها أحمد حسام «ميدو»، المدير الفني الأسبق للزمالك، ذوبعة كبيرة في الوسط الكروي بعدما طالب الفيفا بمنع صيام اللاعبين في المنافسات الرسمية الكبرى للحفاظ على حياتهم، في تعقيب منه على مشهد إفطار المغربي ناصر مزراوي، لاعب أياكس أمستردام الهولندي، في الملعب أثناء مواجهة توتنهام الإنجليزي في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

 

«بوابة أخبار اليوم» تقتحم الملف الشائك بحوارات مع عدد من خبراء كرة القدم العالميين وأصحاب التجارب مع الكرة العربية أو اللاعبين المسلمين في أوقات الصيام، للحديث عن التعامل مع اللاعب الصائم طبيًا وتدريبيًا قبل وأثناء المباريات الرسمية وطريقة التعامل طوال الشهر الكريم للخروج بأفضل نتيجة ممكنة.

 

فان دير مير: اللعب أثناء الصيام يزيد خطر الإصابات

يرى الهولندي إيريك فان دير مير، المدير الفني الأسبق لنادي الشمال القطري، أن لاعبي كرة القدم عليهم أن يتجنبوا الصيام خلال فترة خوض المباريات القوية بسبب زيادة خطر التعرض للإصابات.

 

وقال فان دير مير في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» إنه يعرف أن الشريعة الإسلامية تتيح إعادة صوم أيام رمضان في وقت لاحق في ظروف معينة، وهو ما يراه ينطبق على لاعبي كرة القدم، لأسباب طبية وعلمية، مشيرًا إلى أنه لا يناقش الأمر دينيًا.

 

وأضاف المدير الفني الهولندي: «طبيًا وبدنيًا غياب الطعام والشراب يؤثر على الإشارات الصادرة من المخ للأعصاب وهو ما يسبب اضطرابًا للعضلات، وهذا ما يزيد من أخطار تعرض اللاعبين للإصابات حال اللعب أثناء الصيام».

 

واختتم: «اضطراب العضلات بسبب الصيام قد يتسبب في أكثر من إصابة، وستتزايد أخطار الإصابات في منطقة الركبة».

 

جونز عن صيام اللاعبين بإنجلترا: «تجربة صعبة»

 

أكد ديف جونز، المدير الفني الأسبق لساوثهامبتون الإنجليزي، أن تجربة صيام اللاعبين العرب أو المسلمين في كرة القدم وعلى المستوى الاحترافي تعد من أصعاب المواقف التي واجهها خلال مسيرته التدريبية التي بدأت عام 1995.

 

وتولى ديف جونز تدريب أندية ستوكبورت كاونتي وساوثهامبتون وولفرهامبتون وكذلك كارديف سيتي وشيفيلد وينزداي وهارتبول يونايتد.

 

وقال جونز في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن تجربة صيام اللاعبين ظلت صعبة بسبب ضرورة إحداث توازن في الجسم خلال ممارسة النشاط المتعلق بكرة القدم سواء كان تدريبًا أم مباراة رسمية أو ودية.

 

وأضاف المدير الفني الأسبق لساوثهامبتون: «كانت تواجهني مشكلة صيام اللاعبين أثناء فترات الإعداد، وتعلمون أن اللاعب يحتاج لبذل جهود مضاعفة خلال هذه الفترة ليبدأ الموسم وهو في أفضل حالة بدنية، وهو ما دفع عدد من اللاعبين الذين دربتهم لتأجيل صيامهم وأعلم أن هذا مسموح دينيًا».

 

وأوضح جونز: «الأزمة الكبرى كانت تكمن في نقص السوائل، فلاعب كرة القدم يحتاج لمعدل من السوائل ليستطيع ممارسة نشاطه وهو الأمر الذي كان مستحيلاً في حالة الصيام».

 

واختتم المدرب الإنجليزي: «لقد كنا نتعامل مع الموقف بتفهم شديد، ولدينا من الاحترافية ما يكفي لكي نخصص للاعبينا العرب والمسلمين أماكن لصلاتهم وكذلك الطعام الحلال في غرفهم، رغم أن ذلك كان في بعض الأحيان صعبًا لكننا كنا قادرين على التعامل مع الموقف بكل احترام دائمًا».

 

بوي: شهر رمضان يتطلب انضباطًا صارمًا من اللاعبين

 

أكد الهولندي فوكي بوي، المدير الفني الأسبق للنصر السعودي وأوتريخت الهولندي، أن شهر رمضان من أصعب الفترات المتعلقة بكرة القدم على الإطلاق في ظل حالة التغير التي تطرأ على الجسم والعضلات بسبب الصيام.

وقال بوي في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، إن التزام اللاعبين بالصيام وعدم تناول الطعام والشراب منذ شروق الشمس وحتى غروبها، يترتب عليه تفكك الجسم واخفاض مستوى السكر في الدم وبالتالي تنخفض معدلات اللياقة البدنية وسرعة اللاعبين، وهو الأمر الذي يزيد من خطر الإصابات.

 

وأضاف المدير الفني الهولندي: «هناك أيضًا أزمة أخرى عندما يكون الصيام في فترة الصيف والليل أطول من النهار، وبالتالي يحدث خلل في تناول الأطعمة خلال الصيام، وبالنظر إلى حالة جسد اللاعب وحالته الذهنية في الصيام، فإن الإشارات تمر بشكل أبطأ من المخ إلى الحبل الشوكي والعضلات وبالتالي قد يتعرض لتمزق الأربطة بسبب خلل الاستجابة للإشارات والحركة، وهو ما قد يسبب إصابات أيضًا في الركبة».

 

وعن أنواع الطعام المفضلة في رمضان قال بوي: «أفضل أن تناول الفريق للكربوهيدرات والبروتين، والابتعاد عن الدهون والسكريات».

 

واختتم المدرب الهولندي: «هذه وجهة نظري العقلانية بعيدًا عن الدين والعاطفة، ولكن كل الاحترام للمعتقدات الدينية، وأؤكد أن فترة الصيام وشهر رمضان يتطلب انضباطًا صارمًا من اللاعبين».

 

ارتوجرال: النوم كلمة السر في الصيام

 

تحدث الخبير التركي محسن ارتوجرال، المدير الفني الأسبق لمنتخب الكونغو الديمقراطية ونادي أياكس كيب تاون الجنوب إفريقي، عن النظام الذي يمكن أن يضعه للاعبيه أثناء الصيام.

ويملك ارتوجرال خبرات طويلة في عالم كرة القدم وكان أحد أعضاء لجنة التطوير بالاتحاد الدولي بعد مسيرة تدريبية حافلة قاد خلالها أندية ماترسبورج الألماني والإفريقي التونسي والإسماعيلي المصري وسيفاس سبور التركي وكايزر تشيفز وأياكس كيب تاون وأرولاندو بايرتس في جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى منتخب الكونغو الديمقراطية.

 

يقول ارتوجرال في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»: «العامل الرئيسي المؤثر خلال فترة الصيام هو الاضطراب في نمط نوم للاعبين من خلال الجداول الخاصة بالتدريب والراحة والإفطار في المساء، وهناك عامل مؤثر آخر وهو درجة الحرارة في فترة الصيام، من الواضح أن فصل الصيف مختلف تمامًا كما هو الحال في فصل الشتاء».

 

وأضاف: «تتمثل الصعوبات التي واجهتها في تناول الكربوهيدرات بعد التدريب في وقت متأخر من الليل، حيث لا ينام اللاعبون ويستريحون بشكل صحيح. كذلك كانت بداية فترة الصيام إلى آخر 10 أيام تحمل فوارق كبيرة وتؤثر على الأداء».

 

وعن النظام التدريبي قال ارتوجرال: «أفضل دائمًا أن أتحدث مع اللاعبين بعناية لوضع برنامج التدريب والتغذية خلال هذه الفترة، ويظل الجزء الأكثر تحديًا في فترة الصيام هو وبكل وضوح تزايد احتمالات تعرض اللاعبين للإصابة».

 

وتابع المدير الفني الأسبق للإفريقي التونسي: «أفضل تجنب التدريبات البدنية تمامًا، والتركيز على الحصص الفنية والتكتيكية لمدة قصيرة، والحد من إمكانية الإفراط في تناول اللاعبين للسوائل، لأن هناك فوارق بدنية أيضًا بين اللاعبين، ومن المهم للغاية إجراء مناقشات صادقة مع اللاعبين لوضع الخطة الخاصة بشهر رمضان».

 

واختتم المدرب التركي الكبير: «أفضل عدم تناول اللاعبين للكربوهيدرات مختلطة مع البروتين، لتجنب إرهاق الجهاز الهضمي وسريان عملية الامتصاص قبل المباريات، وفي خطتي الأسبوعية أود أن أقول فقط 4 أيام من البروتين و 3 أيام من هيدرات الكربون في أيام متناوبة».

 

كيف يمكن التعامل علميًا" مع صيام لاعبي كرة القدم؟.. هشام العامري يجيب

 

يرى الدكتور هشام العامري، أخصائي التغذية الرياضية، أن شهر رمضان يتطلب نظامًا غذائيًا خاصًا للاعبي كرة القدم، مع تنظيم النوم ومواعيد التدريب والراحة حتى لا يتعرضوا لإصابات بسبب العادات الخاطئة.

 

وعن تغذية اللاعبين في شهر رمضان إذا كان التدريب بعد الإفطار بساعتين قال العامري في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»: «يمكن استبعاد البروتين من الإفطار للاعبي كرة القدم، وأن تحتوي الوجبة على سكريات ونشويات ودهون، مثل البيتزا بالجبن أو المكرونة مع الشوربة والخشاف وتناول كمية من الماء تعادل لتر ونصف خلال ساعة بعد المران لتعويض المفقود».

 

وأضاف العامري: «إذا كان موعد المران خلال نهار رمضان وأثناء صيام اللاعبين، فيجب تأهيل أنسجة الجسم خلال وجبتي السحور والإفطار مع النوم لعدد ساعات كافية لتفادي الإصابات، ويمكن أن تتكون وجبة الإفطار في هذه الحالة من كربوهيدرات وبروتينات وسكريات ونشويات مع إضافة الملح بنسبة أكبر قليلاً من المعتاد لحبس الماء داخل الجسم وتفادي الإصابة بالهزال مع التدريب نهارًا في شهر رمضان، مع الحرض على تناول كميات مناسبة من الماء في الفترة بين الإفطار والسحور».

 

واختتم: «عصير البرتقال قبل المباريات غني بالبوتاسيوم والماغنسيوم، ويمنع تقلص العضلات، وكذلك الفواكه المجففة تقي من الشد العضلي، لكن هذا كله لا يمكن أن يتم بمعزل عن النظام الغذائي وبالتزام وحرص شديدين وخصوصًا في عدد ساعات النوم».