محمد البهنساوي يكتب: مصر و«عملية قلب مفتوح»

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

لحظات صعبة تمر على المريض داخل غرفة العناية المركزة.. لا هو يضمن فيها استمرار الحياة.. ولا حتى يستطيع أن يحلم بالموت لينقذه من آلامه.. وما بين الحياة والموت.. تتأرجح جوارحه باحثاً عن بصيص أمل في أن يهبه الله طبيبًا ماهراً متفوقاً وعبقريًا يدرك أن حالته لا تصلح معها «الأسترة أو الدعامات»، والجميل أن يتخذ الطبيب «بمهارة» قراراً سريعًا بإجراء عملية قلب مفتوح.. وينجح «بتفوقه» في إجراء العملية بدقة وتميز علمي وطبي.. والأجمل والأروع أن يقوم الطبيب معتمداً على «عبقريته» بإعادة خارطة الشرايين والأوردة والدورة الدموية كاملة من جديد ليخلصها من كل عيب أو مرض بل ويمنحها حيوية تعيد المريض ولو كان كهلاً إلى ريعان الشباب.

 

باختصار وصراحة.. هذا المشهد يجسد ما يحدث في مصر حاليا بمجال الطرق.. عدد غير مسبوق من المشروعات العملاقة في كل بقعة على أرض المحروسة، لا تعيد رسم خارطة الطرق فحسب إنما تؤسس خريطة جديدة عملاقة وواقعية على الأرض داخل القرى والمدن والمحافظات أو فيما بينها.. أكبر «عملية قلب مفتوح» تجرى على أرض مصر طوال تاريخها.. تختفي معها كل الطرق القديمة أو ما كنا نطلق عليها «وصف الطرق».. ليتم استبدالها بطرق ومحاور وكباري وأنفاق حقيقية بمواصفات عالمية تشكل «شرايين» لضخ التنمية بمختلف أنواعها في ربوع مصر.

 

«ربط أوصال الوطن»

 

هى بحق «عملية قلب مفتوح» تتم على أعلى مستوى لاستبدال شرايين الوطن التالفة بأخرى ذات كفاءة عالية، وتوسعة ما بدأ يضيق منها بأسلوب يضمن ألا يعود هذا الضيق يومًا، والأروع والأجمل والعبقري في هذه العملية أن هذه المشروعات يتم تنفيذها على مساحات شاسعة، وبمسافات متباعدة، وأماكن لا قرب أو علاقة بينها، ورغم كل هذا التباعد إلا أنها تجري في «سميترية واحدة» لتحقق هدفاً واحداً هو الربط والتواصل بينها جميعاً لربط أوصال الوطن.

 

إذا كنت قادماً من صعيد مصر وتريد التوجه لسيناء الحبيبة، سوف تسلك وجهة واحدة تسير فيها وهى طريق الكريمات الشرقي أو الصعيد الغربي «تحت التطوير» لتسلك أحد المحاور العملاقة التي تقود مباشرة إلى أنفاق الإسماعيلية لتدلف عبرها إلى أرض الفيروز في دقائق، أما إذا كنت من القناة أو الإسماعيلية أو سيناء أو الصعيد وتريد الذهاب إلى مطروح أو حتى ليبيا فسوف تسلك فور خروجك من منزلك أي محور داخلياً بمدينتك أو قريتك يقودك إلى محور إقليمي يصل بك إلى محور روض الفرج العملاق ليقودك هو عبر طريق عالمي إلى ساحلنا الشمالي، وتستمر في السير على طرق بنفس المستوى من الجودة والرقي حتى تصل إلى مطروح والسلوم ثم ليبيا الشقيقة.

 

«ما بين مصر وأمريكا .. إنجاز  وإعجاز»

 

شهادة حق أمام الله والتاريخ من مواطن عادي ليس له في مراوغات الهندسة ولا تعقيدات حساب المثلثات، لكن فقط مواطن أصبحت حركته داخل بلده سهلة وميسورة، أقول إن ما يحدث على أرض مصر في مجال الطرق من مشروعات تعد معجزة وإعجازا سوف يسطره التاريخ بأحرف من نور، وأوجه الإعجاز هنا متعددة، سواء فيما يتعلق بالجودة العالية التي -يعلم الله أنني- لم أجدها حتى في دول عظمى وأخرى ثرية، مع العلم أنني كنت في مهمة عمل بأمريكا منذ أسابيع فقط، وسرت في رحلة برية طلبتها للمتعة بين واشنطن ونيويورك، ولن أتحدث عن الطريق بينهما الذي لا يختلف كثيرا عن الطرق التي كنا نظنها حديثة بمصر قبل «عملية القلب المفتوح» الحالية وما يتخللها من مطبات مفاجئة وتكسير ونتوءات وشروخ لم نكن نتخيل أبدا أنها منتشرة في طرق أكبر دولة في العالم.

 

والإعجاز في التوقيت الذي يتم فيه تنفيذ مثل هذه المشروعات العملاقة التي لا نعلم حتى الآن كيف يتم الانتهاء منها في هذه المدد الزمنية المضغوطة، ناهيك عما نسمعه من المتخصصين في الإعجاز الهندسي والفني في التنفيذ، والإعجاز الأهم في رأيي أن كل هذا يتم بأيدي وعقول المصريين.

 

لكم شعرت بالفخر، وأنا أتابع أمس الأربعاء افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي، محور «تحيا مصر» بروض الفرج، وما شمله من مشروعات أخرى تربط شرق القاهرة بغربها، وجنوب وشمال مصر أيضا بشرقها وغربها، المشروع الذي يعد أحد أكبر وأهم المشاريع القومية في مصر، والذي نفذته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بالتعاون مع شركة المقاولون العرب، ودخل موسوعة جينيس كأعرض كوبري «ملجم بالعالم» بعرض 66.8 متر بسعة 6 حارات مرورية في الاتجاه الواحد، وتم تنفيذه في زمن قياسي بلغ 3 سنوات بحجم عمالة 5 آلاف من المهندسين والفنيين والعمال، ويتحمل أوزانًا تصل إلى 120 طنًا، ويمر من فوق أكبر فتحة ملاحية عبر نهر النيل التي يصل عرضها إلى 300 متر، ويحتوي على ممشى سياحي على جانبي الكوبري بعرض 110سم مغطى بلوح زجاجي 4 ملي مترات، ومحاط بالإضاءة ليعطى منظرًا جماليًا في الليل.

 

أما محور روض الفرج فيربط محافظات البحر الأحمر بمحافظات البحر الأبيض المتوسط مرورا بالقاهرة دون الانخراط في شوارعها المزدحمة وطوله 35 كيلومترًا، وبمخطط مستقبلي لربط المحور بمدينة 6 أكتوبر والعاصمة الإدارية الجديدة مرورا بمنطقة شبرا.

 

قبل افتتاح هذا المشروع العظيم بأيام شعرت بنفس الفخر والاعتزاز خلال حضوري حفل افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لأنفاق قناة السويس بالإسماعيلية التي تربط سيناء الحبيبة بقلب الوطن بعبور لا يتجاوز 10 دقائق في أنفاق يبلغ طولها 5820 متراً أسفل سطح الأرض والمجرى الملاحي للقناة بعمقي 70 و53 مترًا.

 

 

 

ومع كل إنجاز يتحقق على أرض مصر تنطلق أبواق الشيطان التي يؤرقها أي نجاح أو تطور، والمثال السريع جاء مما بثه أعوان إبليس من صور لزجاج محطم محاولين التشكيك وإفساد الفرحة، مرددين أنها لزجاج الممشى السياحي على جانبي محور روض الفرج، لتتضح الحقيقة أنها لبواقي زجاج كان في مرحلة الإنشاء، مما يؤكد سوء النية من وقت مبكر والتجهيز للشائعات.

 

 

«العادة الماسخة والبايخة بين الشائعات المعلبة وحديث إفك التنفيذ»

 

 

وكالعادة مع كل مشروع عملاق يتم إنجازه تعود النغمة التي أصبحت «ماسخة وبايخة» عن إسناد كل المشروعات الكبرى للجيش، فلم يتعظوا من الحقائق التي تكذبهم في كل مرة، ولكل ذي عقل يبصر ودون الحاجة إلا لنسبة قليلة من الحيادية تتأكد الحقيقة، فجيشنا الباسل المنشغل أساسا بمواجهة التحديات والتهديدات داخليا وخارجيا لديه بجانب مهامه الأساسية هيئات يحاول تسخير فائض طاقتها لصالح المواطن وراحته، وعلى رأسها ومنذ زمن الهيئة الهندسية التي أصبحت تملك خبرات هندسية وقدرات إدارية كبرى، بجانب ما يميز هيئات قواتنا المسلحة كافة من انضباط والتزام، تشرف على المشروعات القومية الكبرى، إشرافاً يضمن نجاح ودقة تلك المشروعات، أما التنفيذ فمفتوح لكل من يملك القدرة على الإنجاز، والأولوية المطلقة للشركات الوطنية ولمن لا يصدق عليه مراجعة أو زيارة أي مشروع وقراءة لوحة الشرف التي تحمل أسماء الشركات المنفذة.

 

لنأخذ مثالا، المشروعان اللذان نتحدث عنهما، وهما إنفاق قناة السويس تم إنشاؤها وحفرها وبناؤها وأعمال تشطيبها بأيادٍ مصرية عبر 4 شركات مصرية، استطاعت الانتهاء منها خلال 3 سنوات رغم تحديد دراسات الجدوى التي قدرت تنفيذ المشروع في مدة 5 سنوات، وشيدها 3 آلاف مهندس وفني وعامل مصري، وتعد الأكبر على الإطلاق على الصعيدين المحلي والقاري، شغل قطاع خاص، وكذلك محور روض الفرج الذي نفذته حوالي ٥ شركات مدنية على رأسها الشركة العملاقة المقاولون العرب...

خيرا فعلوا بإطلاق اسم «تحيا مصر» على الأنفاق والمحور.. فحقا وفخراً أمام هذا الإنجاز تحيا مصر مليون مرة رغم أنف المرجفين.