نحقق فى «معجزة» القضاء على الهجرة غير الشرعية..

بركة غليون تحول برج مغيزل من تجمع للمهربين إلى مركز للتنمية

بركة غليون
بركة غليون

- عامل فى «البركة»: رفضت الهرب للخارج.. أجورنا ارتفعت وأتمتع بالأمان الوظيفى

- دعم أوروبى لتدريب وتشغيل 16 ألف شاب.. وسوركوش: ننتظر تصديق البرلمان لضخ 60 مليون يورو

الإشادة الدولية بمصر فى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية ليست مجاملة أو حديثا بروتوكوليا فجميع المسئولين الأوروبيين يرون فى عدم خروج مركب للهجرة غير الشرعية من مصر منذ سبتمبر 2016 معجزة لم يحلموا بها، والنجاح فى هذا الملف جاء نتاج عمل متعدد الأطراف سواء من الأجهزة الأمنية التى أجهضت شبكات التهريب ومنعت تكون شبكات أخرى كما احكمت السيطرة على الحدود البحرية، بالإضافة إلى الجهود التنموية لتوفير بدائل أغنت الشباب عن السفر إلى الخارج «الأخبار» انتقلت إلى برج مغيزل القرية التى خرج منها معظم ركاب مركب رشيد اخر ما خرج من السواحل المصرية تجاه أوروبا فى سبتمبر 2016وقد تم انتاج هذا الموضوع بدعم من مركز الاعلام الممول من الاتحاد الأوروبى.

طريق ممتد لأكثر من أربع ساعات قطعناه من القاهرة لواحدة من نقاط تخزين المهاجرين غير الشرعيين التى كان يقصدها الأفارقة والسوريون قبل 3 سنوات حينما تصاعدت موجات الهروب إلى أوروبا عبر الشواطيء الأوروبية، كانت قرية الهدرة إحدى القرى القريبة من برج مغيزل مركز مطوبس بكفر الشيخ مشهورة بمهربيها ويمكن رؤية الساعين وراء الحلم الأوروبى من مختلف الجنسيات قادمين إليها، لكن حين سألنا فى طريقنا عن القرية كانت الإجابة «القريبة من مشروع بركة غليون» لتتحول التنمية عنواناً للقرية بدلا من التهريب.
عقود من الإهمال
وفى قرى برج مغيزل تبدو الصورة منقسمة إلى نصفين أحدهما ناتج عن عقود من الإهمال وغياب التنمية يظهر فى ترعة غير مغطاة مليئة بالتلوث ومياه شرب تحتاج إلى التحسين، أما النصف الاخر من الصورة لمحاولات تسابق الزمن لتعويض المواطنين عن عقود الإهمال من خلال بدء انشاء مشروع للصرف الصحى يؤكد أهالى القرية أنهم لم يحلموا يوماً بوجوده.
على مدار نحو 3 عقود كان السفر إلى أوروبا بأى طريقة الحلم المسيطر على أهالى قرى برج مغيزل وغيرها من المناطق فى شمال الدلتا، استغل احلامهم سماسرة الهجرة وخرج الكثيرون ولم يعودوا، ولكن البعض استطاع الوصول للجانب الاخر من البحر المتوسط.. وفى قرية الهدرة التقينا أسرة فشلت على مدار جيلين فى السفر إلى أوروبا، أحمد المطوبسى 48 عاماً يعمل صيادا وحاول السفر بصورة غير شرعية 10 مرات آخرها عام 2004 تعرض خلالها للنصب من المهربين والسماسرة واضطر للاستدانة ومات زملاؤه على يديه فى البحر، لكن كل ذلك لم يجعله يعارض رغبة ابنه أحمد فى السفر عبر البحر عام 2013 حين كان عمر أحمد الابن 16 عاماً رغم عدم معرفته بالسباحة ومعاناته من مشكلة صحية فى القلب.. حلم أحمد الابن فى البقاء بايطاليا استمر ساعتين فقط حيث تم إلقاء القبض عليه وترحيله، تبرير الأب لالقاء نجله فى التهلكة «خفت عليه من الفقر أكتر من خوفى من الموت»، رد فعل «أم أحمد» حينها كان مختلفاً حيث تقدمت ببلاغ فى قسم الشرطة ضد المهربين الذين ساعدوا نجلها على السفر، ولكن الآن بعد 5 سنوات على محاولة أحمد الابن للهرب إلى إيطاليا تغيرت نظرة الأب للاعتراض التام على محاولة السفر مرة أخرى «التنمية اللى بتحصل دلوقتى فى البلد أكيد هيكون لولادنا نصيب منها حتى لو صبرنا شوية دلوقتي»، أما الابن فيأمل فى أن يترجم موظفو جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة توجه الدولة للتيسير عن الشباب فى تقليص الإجراءات البيروقراطية التى تصعب من الحصول على قروض الجهاز رغم رغبة الدولة فى الوصول لأكبر قدر من الشباب.
العلامة الفارقة لوقف نزيف المهاجرين عبر المتوسط كان حادث مركب رشيد فى سبتمبر 2016، التى كان على متنها نحو 400 مهاجر غير شرعى لقى 180 منهم حتفه غرقاً، لتكون مركب رشيد آخر ما يخرج من السواحل المصرية تجاه أوروبا حتى الآن، بفضل جهود التنمية فى شمال الدلتا والمجهودات الأمنية.
أحد الناجين
محمد مبروك أحد الناجين من مركب رشيد، شهد غرق ابن عمه وأقرب أصدقائه وهو لم يتخط 17 عاماً، دخل بعد الحادث فى حالة نفسية أقعدته شهرين فى منزله، لكنه خرج متمسكاً بحلم السفر إلى أوروبا ولكن بصورة شرعية، حيث أكمل تعليمه وتخرج من قسم الميكانيكا تشغيل معادن من مدرسة الصنايع، وأصبح من أمهر عاملى اللحام فى مجال تصنيع وصيانة السفن فى كفر الشيخ.. يسعى الآن محمد لاستخراج جواز السفر البحرى ذى اللون الأسود للعمل على السفن، ويعترف محمد أنه فكر فى الهجرة بشكل غير شرعى مرة أخرى لكن تحسن الوضع فى مجال لحام السفن وتقاضيه 150 جنيها فى اليوم دفعه للتراجع عن محاولة الهرب مرة أخرى، أملا فى خروج شرعى من البلاد يوماً ما.
حديث اهل برج مغيزل منذ دخولنا القرية كان عن بركة غليون المشروع الذى يبعد أقل من كيلو متر عن منازلهم، وأول مشروع تنموى حقيقى يرونه فى منطقتهم، يستوعب المشروع نحو 5 آلاف عامل، ومن بين أهالى القرية يعمل نحو 25 شاباً فى المشروع الذى ينتظر أن يستوعب المزيد فى مرحلته الثانية.. أحد الشباب العاملين فى المشروع تحدث إلى «الأخبار» رافضاً نشر اسمه، بدأ العمل فى المشروع منذ عام وخمسة أشهر فى أحد خطوط تقشير وتعبئة الأسماك والجمبري، بدأ بمرتب 1700 جنيه شهرياً وصل حالياً إلى 2140 جنيه كما تلقى العاملون وعدا بصرف أرباح سنوية من المشروع قريباً والتى ستصرف بعد ذلك سنوياً، ويؤكد أن اللواءات المشرفين على المشروع من جهاز مشروعات الخدمة الوطنية رفضوا محاولات التوسط لتعيين البعض فى المشروع واعتبروا أن الكفاءة واستحقاق أهالى المنطقة المحيطة بالمشروع المعيار للتعيين، العامل الذى أتم 23 عاماً يشعر بالأمان الوظيفى فى «بركة غليون» بعدما رفض كلام أهله وأقاربه عن أحلام السفر والثراء فى أوروبا كباقى شباب القرية. جهود مصر لمواجهة الهجرة غير الشرعية لاقت تقديراً كبيراً من جانب الاتحاد الأوروبى المتأثر الأساسى بتدفق المهاجرين على أراضيها، وساعدت جدية مصر فى محاصرة الظاهرة تشريعيا وأمنيا وتنمويا الاتحاد الأوروبى على المساهمة فى عدة برامج لدعم الحكومة المصرية، منها برنامج - تحسين فرص التشغيل- التابع لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغرالذى يقوم على تمويل مشروعات لتشغيل الشباب، وهى جزء من البرنامج العاجل للاستثمار فى التشغيل كثيف العمالة بتكلفة 67.6 مليون يورو بتمويل من الإتحاد الأوروبى وبالتعاون مع البنك الدولى وتنفيذ جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى 20 محافظة على مدار 3 اعوام، حيث استفاد 13500 شاب وفتاة، تم تدريبهم وتأهليهم للعمل فى مجالات مختلفة، وتعدت نسبة توظيف الشباب الخاضعين للمبادرة 70%، كذلك أفادت الغالبية العظمى من الشركات التى عمل بها الشباب بالرضا عن الشراكة مع المنظمات غير الحكومية ومستوى مهارات المستفيدين بالبرنامج، مع الإشارة إلى أنها ما كانت لتتحمل تكلفة تدريب طاقم العمل لديها.
أزمة المهاجرين
ومن جانبه، أكد السفير إيفان سوركوش رئيس وفد الاتحاد الأوروبى فى مصر أن الاتحاد الأوروبى شريك مركزى لدول الجوار الأوروبى - التى تعتبر مصدر وكذلك معبر للمهاجرين- فى التعامل مع أزمة المهاجرين، وأشار إلى الالتزام القوى من الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء لتقوية وتعزيز تعاونها مع مصر فى مسائل الهجرة، بما يتجاوز الدعم الإنسانى إلى تحسين مستوى الحياة وضمان الكرامة الإنسانية.
وأوضح فى تصريحات خاصة لـ»الأخبار» أن الحوار المصرى الأوروبى حول مسألة الهجرة تم إطلاقه فى ديسمبر 2017 لتعزيز التعاون فى ذلك المجال ضمن الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى فى التعاون الثنائى بين الجانبين، للتعامل مع التحديات التى تواجه كلا من مصر والاتحاد الأوروبى وفق مبادئ الشراكة والمسئولية المشتركة والتضامن، لتحقيق الاستقرار طويل المدى على جانبى البحر المتوسط. وأضاف أن الاتحاد الأوروبى يتطلع لتصديق مجلس النواب على اتفاقية تمويل برنامج «الاستجابة لتحديات الهجرة فى مصر» بتمويل قيمته 60 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، والذى يتواءم مع خطة «فاليتا» الأوروبية للعمل والمجالات الأربعة التى حددتها الحكومة المصرية للتعاون فى مجال الهجرة مع الاتحاد الأوروبى وهى التعاون التنموى والتعليم الفنى والتقنى وبناء القدرات بالإضافة إلى دعم جهود مصر لاستضافة اللاجئين.
ويركز الدعم الأوروبى على مواجهة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية وعوامل حركة المهاجرين عبر اتباع برامج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية فى المحافظات الأكثر عرضة لخروج مهاجرين غير شرعيين، وبالتحديد عبر تأهيل الشباب لاكتساب مهارات أكثر تساعدهم فى دخول سوق العمل من خلال التدريب المهنى والتعليم الفني، بالإضافة لخلق فرص عمل من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، وتطوير أنشطة تدر دخلاً للشباب من الجنسين.
دعم التشغيل
وقال السفير إن الاتحاد الأوروبى ساهم بالفعل فى مجال تحسين قدرات ومهارات الشباب من خلال عدة برامج منها «برنامج الاستثمار العاجل لدعم التشغيل» الذى تم تطبيقه بين عامى 2014 و2017 وبلغ عدد المستفيدين من البرنامج 16 ألف شاب وفتاة حصلوا على فرص عمل وتدريبات، ما يرتبط بتغيير منظور هؤلاء الشباب بعيداً عن الاتجاه للهجرة غير الشرعية، وقد تم ذلك بالتعاون مع أكثر من 500 منظمة غير حكومية مصرية فى عدة محافظات.
كما أشار السفير سوركوش إلى برنامج التدريب والتأهيل الفنى لدعم جهود مصر لتحسين منظومة التعليم الفني، حيث وفر الاتحاد الأوروبى خبراء دوليين لنقل المعرفة وأفضل الأساليب لتوفير أفضل تدريب للشباب فى مدارس التعليم الفني، وكان الهدف الأساسى للبرنامج تصميم برامج تدريبية مطابقة لاحتياجات سوق العمل، عبر انخراط أصحاب الأعمال فى توفير معلومات عن احتياجاتهم ما يزيد من ثقتهم بقدرة خريجى برنامج التأهيل ويسرع من توظيفهم ويحسن من صورة خريجى المدارس الفنية.