عاجل

المقال الأول

«داود» يكتب: «أنا والملحد».. اعترافات وحوار لم ينته

الدكتور محمد داود، أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس
الدكتور محمد داود، أستاذ علم اللغة بجامعة قناة السويس

في سلسلة مقالات للدكتور محمد داود أستاذ علم اللغة بجامعة قتاة السويس، يسلط الضوء على قضية الإلحاد، من خلال الرد على تساؤلات وردت بالفعل، ننقلها لكم يوميًا.

 

عمل بداية على نشر هذه التساؤلات عبر صفحة على موقع «فيسبوك»، تحمل اسم « الملحدون يعترفون»، ثم أشار عَليه بعض أصحابه بسلسلة تجمع خلاصة هذه الحوارات فى كتاب لتكون متاحة لمن لا زالوا يفضلون النسخة الورقية للكتاب على النسخة الإلكترونية.



وبدأت حكاية اللقاء الأول كالتالي: 


في لقاء ودود في أحد الأماكن النيلية بأسوان حيث كنت فى صحبة أحبة دعانا أحدهم كرمًا وجودًا، وذهبوا لبعض شأنهم، وأحببت أن أخلو وحدى أتأمل النيل يجري صافيا تحفُّ به الأشجار الخضراء خلفها جبال الرمال الذهبية الناعمة، ونسيم عليل، وهدوء يكسو المكان إلا من صوت أعشقه، له فى حياتى ذكريات إنه صوت الكروان، وإذ بخطًى هادئة تتقدم على استحياء يستأذن صاحبها فى الجلوس معي بعد السلام وعبارات التحية.
 جلس.. أحسست به إنه يريد أن يتكلم في شىء ما لكن شيئًا ما يمنعه... 


فقلت له، قل ما تريد بأي طريقة وفي أي موضوع... مهما كانت الأمور!! 


فقال لي بسرعة خاطفة: أنا ملحد... 


أخفيت الصدمة، وقلت له: ماذا يعنى كلامك؟!.


قال لي: أنت تقدس الإله وكلماته (القرآن) هي كتابك الهادي لك أما أنا فأقدس العقل فهو إلهي، وكتابي هو العلم، العلم هو قرآني. 


قلت له: لماذا تقول ذلك؟ ما الدافع؟ 


قال لي: الدافع وراء اعتقادى هذا أنى وجدت فى القرآن أخطاءً علمية !!! 


قلت له..مثل ماذا !؟ قال.. مثل وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 41]. 


بينما العلم أثبت أن خيوط العنكبوت أقوى من الفولاذ, لذلك يصنع منها الملابس الواقية من الرصاص– يعنى هناك تعارض بين حقائق العلم والقرآن- لذلك أنا أومن بالعلم ... وأقدس العقل الذى أنتج العلم...العقل اكتشف واخترع، والحضارة الحديثة مدينة له فى كل إنجازاتها. 


قلت له.. حسنًا أنت تقدر العلم والعقل... وأنا معك فى تقدير العلم والعقل...لكنى أختلف معك فى جعلهما إلهًا... أو مقدسين...فالعلم وسيلة وليس غاية، والعقل مخلوق وليس خالقًا. (وبشأن العنكبوت فإن دقة الأسلوب القرآنى تظهر لنا أن الوهن فى بيت العنكبوت وليس فى خيوط العنكبوت... وبينهما فرق... والعلم الحديث أفادنا أن بيت العنكبوت يحيط به الوهن بكل معنى : فبعض أنواع العنكبوت تقضى على الذكر قتلًا وافتراسًا بمجرد قيامه بعملية إخصاب الأنثى، وفى بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها، وفى بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إخصاب بيضها، ثم اقتتال الأخوة من أجل الطعام والمكان... فيقتل بعضهم بعضًا. 


وهذا يعنى أن بيت العنكبوت ليس فيه معنى الحماية ولا المودة بين أفراده ولكنه بيت كله شراسة ووحشية... ومن هنا ضرب القرآن به المثل فى الضعف والهوان). 


قال لى.. لماذا تختلف معى... وأنت تنتفع باكتشافات العقل والعلم فى الدواء والطائرات والتقنية الحديثة فى النانو تكنولوجى... ولم يقدم الدين شيئًا من ذلك. 


قلت له مهلًا..تعالَ نرى العقل فى القرآن بمعيار العقل والعلم، وكذلك نرى كيف وضَّح القرآن دور الإيمان ودور العلم.. وهل دور الإيمان أن يصنع لك الدواء والطائرات... إلخ أم أن هذا دور العلم؟!... هناك أفكار خاطئة غير علمية.. وغير عقلية تشاع عن القرآن... والمعلومات الخاطئة... حتمًا... حتمًا... تؤدى إلى نتائج خاطئة ومضللة. 


ثم هل تعلم أن العقل فى القرآن أساس التكليف.. وأنه هو المخاطب فى القرآن.. 


وأن القرآن جاء هاديًا للعقل فى ما وراء الطبيعة (الغيب)، وفى الأخلاق والمعاملات...أما فى العلوم الطبيعية فقد جعل القرآن مصدر المعرفة فيها التجربة... والمعمل... ورحم الله الشيخ الشعراوى... كان يقول: ليس هناك فرق بين كمياء عربى وكمياء أمريكى، لذلك حث القرآن على البحث العلمى وجعل التخلف العلمى جريمة فى حق البشر المسلمين المعاصرين، والقرآن منه برىء. 


والقرآن كذلك رسالة يفهمها العقل فى سهولة ويسر، وهو لا يناقض العقل ولكنه داعم له. 


لكن من العقل أن تضع العقل فى منزلته ورتبته الحقيقية... إنه مخلوق وليس خالقًا... العقل يكتشف ولا يخلق. 


قال لى جليسى فى نغمة فيها انفعال مكتوم وبحدة فى الصوت.. مع امتعاض الشفتين وتقطيبة فى الوجه.. أليس القرآن سببًا فى جمود العقل.. بأوامره التى تسلب الإرادة والتفكير... ماذا تقول فى الآيات الآتية: 


لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ [آل عمران: ١٢٨]. 


وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: ٦٥]. 


وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [يوسف: ٢١]. 


وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ [الإنسان: ٣٠]. 


نظرت إليه بابتسامة حانية.. وقلت له فى هدوء بالغ..عزل أى كلام عن سياقه يخرجه عن معناه.. ومثل هذه الاستشهادات تأتى على طريقة من يستشهد بـ لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ [النساء: ٤٣]، فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ [الماعون: ٤]. 


ويقف عندها ولا يكمل الآية،.. أيضًا فى بعض الأحيان يفسر البعض القرآن الذى نزل بلسان عربى مبين... يفسره البعض بالعامية وليس بقواعد اللسان العربى المبين.. إن ضعف الناس فى اللغة العربية أفقدهم الحس اللغوى المرهف بلغة القرآن... حتى صاروا ينظرون إلى الحسن والكمال على أنه عيب ونقص!!!!! 


هل تعلم أن القرآن الكريم معجزة عقلية تخاطب العقل وتقنعه، وليس معجزة حسية. 


ثم قلت له: أما عن العلم والقرآن... لا تتعجل، وأدعوك لتدبر الحقائق التالية عن نظرة القرآن للعلم: 


أول آية نزلت: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1]. 


العلم سبب الرفعة يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]. 


العلم سبب التكريم..... وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 31-32]. 


العلم وسيلة للخشية والخشوع.... إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]. 


وقد جاءت تلك الآية فى سياق آيات تتحدث عن علوم كونية (الظلمات – النور, الظل والحر- السماء, الماء, الثمرات, الجبال, الدواب...إلخ) أرجو القراءة العلمية بتدبر للآيات. 


الحقيقة أن القرآن لا يناقض العلم أبدًا ...القرآن مع وكالة ناسا... 


فقال جليسى فى دهشة بالغة تحمل نبرة التعجب... هل هذا معقول؟!!.. القرآن مع وكالة ناسا!! 


وفى هدوء بالغ يعبر عن يقين راسخ.. قلت لجليسى: نعم القرآن مع وكالة ناسا ...يعنى القرآن مع حقائق العلم... وسأبين لك ذلك. 

(راجع: القرآن مع وكالة ناسا ص 15)


ومرت بنا حالة من الصمت...لعله التدبر..وإعادة التفكير فى ضوء الحقائق الجديدة.. فحاولت تدعيم هذه الحالة التأملية بشهادة العلم.. بالدليل العلمى... بالشاهد الثقة..بالشاهد المحايد... الذى لا يجامل أحدًا.. فقلت له: أنت تؤمن بالعلم.. فلماذا لا تعترف بنتائجه؟!!! 


لقد شهد العلم للآيات التى تحدثت عن الكون والإنسان.. 
(راجع : صمتًا الكون يشهد ص 28) 


ثم نظر إلىّ، وقال: الفكر حرية...لماذا لا تقبلون النقد؟! 


فقلت له.. دع عنك البشر... فلنركز فى الأصل.. والسؤال هنا هو: 


هل الإسلام يخشى النقد؟ 


والحقيقة..لا..الإسلام لا يخشى النقد، بل الإسلام هو الذى علمنا أن نسأل وأن لا نقبل الإيمان إلا بالحجة والبرهان ومنع الإكراه فى الدين.. 
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [ البقرة: ٢٥٦]. 


لأن الإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن... يكفى أن تتدبر الآيات التى تثير الذهن وتدفع العقل للتفكير فى أقدس قضية فى الوجود.. قضية الإيمان بالخالق. 


أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ [ النمل: 64]. 


وعلى حد تعبير جيفرى لانج أستاذ علم الرياضيات بجامعة واشنطن الذى كان شديد الإلحاد.. ثم آمن..وكتب كتابًا عنوانه... حتى الملائكة تسأل..يعنى من حق كل إنسان أن يسأل.. ومن الواجب على أهل العلم أن يبينوا.. بالعقل والعلم. 


لقد علمنا القرآن أن لا تبقى أسئلة دون أجوبة. 


مضى الوقت سريعًا من حيث لا نشعر... وإذا بالأصحاب الذين ذهبوا لبعض شأنهم قد عادوا... ورائحة السمك النيلى الأسوانى بعد طهيه تدعونا إلى وجبة الغداء... استأذنت الأصحاب فى دعوة جليسى إلى الطعام معنا... فرحبوا وتوجهنا جميعًا إلى مائدة الطعام على النيل... واستأذنت جليسى فى الانصراف بعد الطعام مباشرة حيث أتوجه مع أصحابى إلى المطار للعودة إلى القاهرة.. 


فقال لى جليسى.. لكن حوارنا لم يتم !!! 


فقلت له.. نعم، والحوار موصول... 


قال لى.. كيف ومتى؟!!! وأنت ذاهب الآن. 


قلت له.. عن طريق الشيخ جوجل... سأطلب منه أن يفتح لنا صفحة للحوار فى موضوع.. حوار الإيمان والإلحاد، ومن خلالها نتواصل يوميًّا على مدار الساعة...