إبداعات القراء| قصة قصيرة بعنوان «غريب الليل»

إبداعات القراء| قصة قصيرة بعنوان «غريب الليل»
إبداعات القراء| قصة قصيرة بعنوان «غريب الليل»

تنشر «بوابة أخبار اليوم»  قصة قصيرة بعنوان «غريب الليل» للقارئ يوسف صلاح الدين ضمن إبداعات القراء بتبويب «صحافة مواطن ببوابة أخبار اليوم».

 

انتشر الليل و اشتدت عتمته علي الأرض بغياب القمر في المحاق و افترشت النجوم  السماء الصافية تزينها  بأعداد فلكية و تتلألأ كعدد لا نهائي من قطع الماس تبعث نورا في قاع محيط مظلم  ، البرودة قارسة مقياسها بالسالب تداهم الاجساد بلا مهاودة ، و البشر يختبئون في بيوتهم بملابس ثقيلة ملتحفين اغطية غليظة تقيهم البرد و تنجيهم من قسوته ... خرج حذيفة  من منزله القائم علي حدود المدينة مع الصحراء الخالية ،  بثياب ثقيلة تقيه من لفحات البرد القارسة المنتشرة في الوجود .. مشي مقاوما للبرودة  في طريقه الي رحلته التي يخرج لها بشكل يومي ... قطع  الشوارع المظلمة للمدينة بجسده القوي و ملامحه الصلبة المخفية تحت الاضاءة الخافتة لأعمدة الانارة المعطلة بعضها ... حدق ببصره في الساعة المستقرة علي معصمه ليتحقق من الوقت و شرع يقول 

- باقي عشر  دقائق ، كدت اصل لا بأس لا بأس  ...

استمر في المشي حتي وصل الي المحل الذي هو مقصده ، احكم إغلاق معطفه الصوفي اسود اللون مع هجمات البرد الجديدة  و استند الي جدار البناية التي تواجه المحل المضيء واضعا يديه في جيوب معطفه و وقف منتظرا مراده ... خرجت صبرينة من المحل بعد ان اطفأت انواره فأزداد الشارع عتمة علي عتمته ، سحبت الباب من اعلى و اغلقته بأحكام  و وضعت المفاتيح في حقيبتها الصغيرة و تحركت في اتجاه منزلها الغير قريب... تشجع حذيفة و تحرك في اتجاه صبرينة الجميلة ، اقترب منها و تردد خائفا و بالاخير جاءته شجاعة النطق فنطق و قد بلغ الاضطراب غايته بنفسه

-لو سمحتِ

جعل هدير الرياح المنتشرة في الطريق صوت حذيفة خافتا لا يكاد يسمع فأعاد محاولته بنبرة اعلى من سابقتها و اضطرب اكثر من ذي قبل

-لو سمحتِ

ترددت صبرينة مابين خيارين اما ان تجيب نداء المنادي او تكمل مسيرتها دون حديث مع غريب لا تعرفه لكنها اختارت دون ان يستغرق الامر لحظات تذكر اجابة النداء  فألتفتت قائلة

-افندم

ضربت هجمات افرازات الأدرينالين جسد حذيفة و ازدادت نبضات المضخة الكامنة في صدره كأوقات الخوف الشديدة و تاه في بحر عسل عيناها و هي تتفرس في وجهه الشاحب من الموقف فوقف صريع اللحظة حائرا مابين الاستمتاع بالنظر اليها او مواصلة الحديث و تابع سائلا

- هل لي بدقيقة من وقتكِ ؟

- لم ؟

- اود لو سمحتِ لي بالتحدث معكِ في بعض الامور

- اتشارك الغرباء في امورك

- انا لا اعدك من الغرباء

- افندم !

- صدقيني

- لا أفهمك حقيقةٍ ، و اني لمرهقة من يوم عمل طويل و لا وقت معى لأهدره في ألغاز ، عن اذنك ...

تحركت صبرينة ساحبة معها قلب حذيفة و وجدانه و توقف غير مدرك ان الحديث الذي رغب في فتحه معها  منذ عام كامل قد بدأ فعليا و ان امنيته التي طلما تمناها قيد التنفيذ ، فتحرك من ورائها بعد ان بعُدت عنه عشرة خطوات انثوية او يزيدون و ندهها دون تردد

- صبرينة ، انتظري من فضلكِ

توقفت صبرينة في مكانها بعد سماع اسمها بصوته و اسعدها ذلك   ، هي تعلم انه يتبعها منذ مدة بعيدة  فقد لاحظته يسير من وراءها في ايام كثيرة و لكنها تظاهرت بعدم معرفة وجوده و اجابت مستنكرة

- اذن لستُ غريبة عنك كما هو واضح  ، من اين لك بأسمي ؟؟ من انت ؟!

- حذيفة ، اسمي حذيفة ..

فقالت صبرينة في تهكم ضاعف من توتر حذيفة و اضطرابه

- لم اسأل عن اسمك ، اسألك من تكون لتتبعني بهذه الطريقة و لتكون علي غلم بأسمي ...

-انا شخص يرغب في التقرب اليكِ

- في عتمة الليل هذه ؟!

-اخاف ان يفتضح امري في وضح النهار فواتتني الشجاعة ليلا ، فلو كان منكِ صدٍ رجعت لا يعرف بخبري سوى الظلام

- امممم ، ثم ؟؟

- اقسم لكِ ان الامر استغرق معي زمن طويل لكي اقف امامك مثل هذه وقفة ، فقد بت ليالي كثيرة بائسا و اخرى حزينا على امل لحظة كهذه و قد كان ، فلا تجعلي مني اضحكوة الليل بصدك !

صمتت صبرينة مليا و اخذت الاحلام تداعب مخيلتها ، الشاب وسيم و ملامحه جميلة ، ازرق عيناه يكاد يفتك بقلبها و لحيته المستوية تناشد  انوثتها بالموافقة  ، لم تأتيها فرصة كهذه لتدقق في ملامحه جيدا لكن الامر مختلف  تحت الاضاءة المنبعثة من العمود الذي توقفت من تحته  ، لمحته كثيرا واقفا ماشيا من وراءها لكن اللحظة غير،  فقد تشجع اخيرا لكنه و برغم كل شيء غريب او للدقة غريب الليل كما تطلق عليه ، و مع انبعاث الافكار الكثيرة  من داخل  مخيلتها سحبها حذيفة من افكارها قائلا في رجاء غير مصطنع

- هلا وجدت لي عندك اجابة لطلبي ؟

- لا يسعني الوقت الان للحديث ، دعنا نتحدث غدا في الصباح و لنرى ما سيجود به النهار علينا

- ايمكنني مرافقتك في طريقك الي المنزل ؟

- لا ، مستحيل

- لا بأس

- مع السلامة

قالتها صبرينة بنعومة فرد حذيفة محاكيا لنعومتها

- مع السلامة

توقف حذيفة في مكانه لا يسعه الوجود ، وقف  يراقب حلمه و هو يقطع الطريق المظلم و قد باتت ليلته سعيدة مع أقتراب تحقق امنيته ، اختفت صبرينة في عتمة الليل فسحب نفسه عائدا لمنزله ...