حكايات| بطولات للفارين من المحارق.. يوم مأساوي في معسكرات «الروهينجا»

معسكرات"الروهينجا" ببنجلاديش
معسكرات"الروهينجا" ببنجلاديش

"بوابة أخبار اليوم" تقضي يوما كاملا فى معسكرات "الروهينجا" ببنجلاديش

حكايات بطولية للمسلمين الفارين من المحارق الجماعية بماينمار

"العم محمد اركان اقدم مهاجر": سبحت بأفراد اسرتي فوق ظهرى في المياه العميقة خمس ساعات

بنجلاديش تستر عورة النظام العالمى وتأوى 2مليون شريدا في 17معسكر على الحدود

محمد ساجون: سحبوا جوازات سفرنا وحرمونا جنسيتنا ونحلم بيوم العودة لبلادنا

مطلوب ضغط دولي على ميانمار لإعادة الحق لأصحابه

 

طوال رحلتي في الطريق إليهم كنت أفكر فى مصير هؤلاء المسلمين الذين فروا بدينهم من المحارق التي نصبها لهم أبناء بلادهم لا لشيء سوى لأنهم مسلمون.

وبعد أن قضيت بينهم يوما كاملا اكتشفت أن مفارقتهم أصعب من الوصول إليهم، ومهما سمعت عن حكاياتهم فليس من سمع كمن رأى.

سماع قصصهم البطولية على ألسنتهم يجعلك تشعر رغم المرارة بالفخر بهؤلاء البشر الذين يتحملون مالا يطيقه بشر فى سبيل الدفاع عن هويتهم ووجودهم بعد ان نجحوا في الفرار بأنفسهم وعائلاتهم وأطفالهم من المحارق التي نصبتها لهم الأغلبية البوذية في ماينمار أو بورما (80% من عدد السكان) والتي ترفض الاعتراف بالأقلية المسلمة كمواطنين أصليين للبلاد وتقوم بعمليات تطهير عرقي واسعة النطاق في تحد واضح للمجتمع الدولي.

وهو ماجعل منظمات الإغاثة الدولية تطلق صيحات التحذير الواحدة تلو الأخرى لإنقاذ سكان هذه المخيمات من تفشي الأوبئة والأمراض الناتجة عن تكدسهم فى تلك البقعة التي وصولوا إليها عبر موجات متتالية من الهجرة خلال عقود طويلة من الزمن.

15 ساعة جوًا

أكثر من 15 ساعة ما بين الطيران  والطرق البرية استغرقتها رحلة الوصول إلى معسكرات الروهينجا بدأت من مطار القاهرة إلى الكويت حوالي ثلاث ساعات ثم من مطار الكويت لمطار العاصمة البنغالية دكا ما يقرب من سبع ساعات ثم ساعة أخرى من مطار دكا إلى مطار المدينة الحدودية "كوكس بازار" التى تستضيف هؤلاء المسلمين في 17 معكسرًا أقامتها سلطات بنجلاديش لإيوائهم.

أما الطريق من مطار كوكس بازار إلى الحدود مع ماينمار فقد استغرق بالسيارة حوالي ثلاث ساعات متواصلة كلها على ساحل البحر في أطول شاطىء رملي والذي يعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.

ورغم إرهاق السفر إلا أنني لم أرغب أبدا في الحصول على أى قسط من الراحة قبل أن أتعرف على هؤلاء الناس الذين لا يعرفون طعمًا للراحة ولولا إنسانية بنجلاديش لكان مصيرهم الهلاك ما بين الصحراء القاسية أو غرقى فى بحر.

وعلى الرغم من ظروف ينجلاديش الاقتصاية القاسية إلا أن هؤلاء المسلمون رفضوا أن تتخلى عن دورها الذي يحتمه عليها الدين والجيرة.

وأنشأت هذه المعسكرات التي تحتاج إلى كثير من النفقات حتى تتحول لأماكن صالحة لاستضافة كل هذا العدد من الهاربين من عمليات التطهير العرقي حيث أن المعسكرات بوضعها الحالي تفتقر للعديد من مقومات الحياة الآدمية وهو ما يتطلب وجود دعم دولي أكبر لبنجلاديش لإعانتها على توفير ذلك، ناهيك عن الدور الدولى الأهم المطلوب ألا وهو الضغط على ماينمار لإعادة هؤلاء الناس إلى ديارهم التى تم تشريدهم عنها وهو المطلب الذي لمسته من غالبية سكان المعسكرات في كوكس بازار الذين يقدرون تماما الدور الذي تلعبه بنجلاديش لكنهم فى نفس الوقت يعيشون على أمل أن يعودوا من جديد لديارهم وأعمالهم في ماينمار التي يحملون جنسيتها ووثائق هويتها ولكن النظام لايريد أن يعترف بهم لا لشيء إلا لأنهم مسلمون.

أما الحجة المعلنة التى يتذرع بها النظام فى ماينمار هى أن مسلمى الروهينجا جذورهم تعود إلى الهند وبنجلاديش وأنهم كانوا مجرد ضيوف فى ماينمار وحان موعد رحيلهم عن البلد فبدأت فى عامى 2016-2017 الحملة العسكرية المستمرة من قبل جيش وشرطة ميانمار على المسلمين في ولاية راخين  في المنطقة الشمالية الغربية للبلاد بحجة قيام بعض المتمردين من الروهينجا بمهاجمة الجيش البورمى.

وقد اتهم الجيش البورمي بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الانسان، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القانون،والاغتصاب الجماعي،وقتل الأطفال وواجهت الحملة العسكرية ضد شعب الروهينجا انتقادات من الامم المتحدة التي أشارت إلى "جرائم محتملة ضد الإنسانية"،وجماعة حقوق الإنسان,ومنظمة العفو الدولية وحكومتى بنجلاديش وماليزيا حيث فر العديد من لاجئين الروهينجا إليها.

ووجهت انتقادات خاصة إلى رئيسة الحكومة في ميانمار بسبب تقاعسها عن العمل والسكوت على هذه المسألة وعدم القيام بأي شيء لمنع الانتهاكات العسكرية.!

لغة الاشارة

بقليل من كلمات اللغة الانجليزية وكثير من لغة الإشارة نجحت فى التواصل مع بعض سكان تلك المعسكرات حيث لا يتقنون سوى اللغة الروهينجية ,التقيت بعدد من كبار السن من الذين قدموا إلى بنجلاديش فى الموجات الاولى من الهجرات المتتالية مثل العم عمران اركانى مثلما ينادونه وهو صاحب بطولة كبيرة حيث نجاح فى انقاذ جميع افراد اسرتهم وسبح بهم فى المياه العميقة التى تفصيل بين بورما وبنجلاديش وهو يتذكر تلك الأيام بنظرة بابتسامة رضا رغم قسوة الأحداث.


يقول عم محمد عمران اركان أنه لم يفكر فى الخطر المحدق به وهو يحمل على ضهره افراد اسرته واحدا تلو الأخر ليسبح بهم لمدة خمس ساعات هربا من المحارق التى نصبها البوذيون للمسليمن فى بورما غالبية شعب ميانمار من البوذيين (88٪ -90٪ من السكان)، مع بعض الأقليات الصغيرة من الديانات الأخرى، بما في ذلك أقلية صغيرة من المسلمين (4٪)، ومعظمهم تم منعهم من التصويت وحرمانهم من الجنسية ويهيمن على البلاد شعبها البورمى  ذو العنصرية العرقية والذي يمثل الأغلبية (68 في المائة)، ومعظمهم من البوذيين أما المجموعات العرقية الأخرى فإنها تعاني من التمييز وإساءة المعاملة والإهمال من جانب الحكومة؛ في الإقليم الساحلي الغربي من ولاية  راخين ، حيث الغالبية من البوذيين. وقد أدت التوترات بين المجتمعات البوذية والمسلمة أيضا إلى العنف، حيث البوذيين غالبا ما يستهدفون الروهينجا.

حرمان من الجنسية

أما الشاب محمد ساجرون فيقول أن الروهينجا واحدة من أكثر الاقليات المسلمة اضطهادا في العالم فتم حرماننا  الحق في حرية الحركة والتعليم العالي  وحرمونا من الجنسية البورمية منذ صدور قانون الجنسية البورمية ولم يكن يسمح لنا بالسفر دون إذن رسمي، وكان يطلبون منا الالتزام بعدم وجود أكثر من طفلين، على الرغم من أن القانون لم ينفذ بدقة. وكنا نتعرض للعمل الجبري الروتيني حيث عادة مطلوب من رجل الروهينجا يوم  في الأسبوع للعمل في المشاريع العسكرية أو الحكومية و ليلة لواجب الحراسة. كما فقد الروهينجا الكثير من الاراضى الصالحة للزراعة التى صادرها الجيش لمنحها للمستوطنين البوذيين.

تصف الروهنجيا أنفسهم بأنهم أحفاد التجار العرب الذين استقروا في المنطقة منذ أجيال عديدة. وقد ذكر العلماء أنهم كانوا موجودين في المنطقة منذ القرن الخامس عشر. غير أن حكومة ميانمار رفضت مواطنتهم ووصفته بانهم مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش.

جدير بالذكر أن اضطهاد الروهينجا فى ميانمار قد بدأ من العصور القديمة بيينما يعود في العصر الحديث إلى سبعينات القرن الماضي ومنذ ذلك الحين، يتعرض شعب الروهينجا بانتظام للاضطهاد من قبل الحكومة والبوذيين وقد فر الكثيرون إلى بنغلاديش المجاورة نتيجة لذلك.

 

لن ننسي

"لن أنسي" هكذا بدأ جمال خارجون كلامه وهو يشير إلى أهله أولئك الذين فروا من الاضطهاد في ميانمار حيث تعرض النساء للاغتصاب الجماعي، وتم قتل الرجال، وأحرقت المنازل، وألقى الأطفال الصغار في منازل محترقة.  حتى القوارب التي تحمل اللاجئين من الروهينجا على نهر ناف تم إطلاق النار عليها من قبل جيش ميانمار الذي قام بعد ذلك بذرع الالغام على المنطقة الحدودية لضمان عدم عودة الفارين من المسليمن مرة اخري.

وفي فبراير 2017، أصدر مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تقريرا استنادا إلى مقابلات أجريت مع أكثر من 200 لاجئ من الروهينجا، قالوا إن الانتهاكات شملت الاغتصاب والقتل الجماعي, وذكر ما يقرب من نصف الذين أجريت معهم المقابلات أن أفراد أسرهم قد قتلوا. وأفادت نصف النساء اللواتي تمت مقابلتهن بأنهن تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي

في مارس 2017، أدرجت وثيقة للشرطة أن 423 شخصا من الروهينجا اعتقلتهم الشرطة منذ 9 أكتوبر 2016، كان 13 منهم أطفالا، أصغرهم عشر سنوات. وادعت شرطة ميانمار أيضا أن الأطفال اعترفوا بجرائمهم المزعومة أثناء الاستجواب، وأنهم لم يتعرضوا للضرب أو الضغط أثناء الاستجواب. ويبلغ متوسط عمر المعتقلين 34 عاما، والأصغر سنا هو 10 سنوات، والأكبر هو 75 عاما.

وماذا بعد؟

وبعد يوم كامل فى معسكرات الروهينجا انتهت زياتى لهؤلاء البشر الذين يضربون أروع الثمل فى الصبر والتحمل ولكن لم تنته حكاياتهم التى تستحق أن تروى للبشرية كلها لعل احدا يتحرك لإنقاذهم من مصيرهم المجهول وفى طريق العودة من مدينة «كوكس بازار» كان شغلى الشاغل هو التفكير فى مصير هؤلاء الناس.كيف سيقضون شهر رمضان الذي أصبح على الأبواب فى ظل طقس شديدة الحرارة وامكانيات حياة بسيطة رغم جهود حكومة بنجلاديش الكبيرة.من أين لهم بالمياه النظيفة ووسائل الحياة الآدمية التى تضمن لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة وإلى متى سيراهن المجتمع الدولى على شهامة وانسانية بنجلاديش التى تتحمل فوق طاقتها لحفظ ماتبقى من ماء وجه النظام العالمى الذي يصمت أمام هذا الجبروت من حكومة بورما التى نكلت بأصحاب البلد وشردتهم من أوطانهم؟.