هل يجوز الصيام في النصف الثاني من شعبان؟| «الأزهر للفتوى» يجيب

صورة موضوعية
صورة موضوعية

ورد إلى مركز الأزهر العالمي للفتوى، سؤال  عبر الصفحة الرسمية على موقع «فيسبوك»، تصه: «هل يجوز الصيام في النصف الثاني من شعبان؟».


واستدل مركز الأزهر للفتوى، على قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.[الأحزاب: 21]، وقد ثبت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من الصيام في شهر شعبان، فعن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ».[مُتفق عليه]، وهذا في شهر شعبان مُطلقًا.


وأفادت أنه فيما يخص ابتداء الصوم بعد انتصاف شهر شعبان فقد اختلف في حكمه الفقهاء بعد اتفاقهم على جواز الصيام في النصف الأول منه؛ لتعدد روايات الحديثية الواردة في صيام النصف الثاني من شهر شعبان، فمنها أحاديث تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر أيام شهر شعبان مطلقًا كالحديث السابق ذكره، ومنها أحاديث تدل على جواز الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان لمن كانت عادته الصوم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ».[مُتفق عليه]. 
ومنها أحاديث تدل على عدم جواز الصوم في النصف الثاني من شعبان، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا». [أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما].
وذهب الشافعية في الجمع بين هذه الأحاديث إلى القول بتحريم صيام التطوّع في النصف الثاني من شعبان إلا صومًا اعتاده الشخص، أو وصله بصوم قبله في النصف الأول، أو كان عن نذر أو قضاء، ولو كان قضاءً لنفل أو كفارة، فإن كان كذلك فلا حرمة".[انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين 309/2].
بينما ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان، ولو لمن لم يعتده الإنسان ولم يصله بالنصف الأول منه، ولا يكره إلا صوم يوم الشك، وقالوا إن ما روى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا»، [أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما]، هو حديث ضعيف، قال أحمد وابن معين: إنه منكر، وقال الخطابي: هذا حديث كان ينكره عبد الرحمن بن مهدى من حديث العلاء، وقال أحمد: العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا؛ لأنه خلاف ما روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أنه كان يصل شعبان برمضان. [انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري 289/10].
ويُرَدُّ على الجمهور بأن الحديث الذي استدل به الشافعية «قد صححه ابن حبان وابن حزم وابن عبد البر... والعلاء بن عبد الرحمن احتج به مسلم وابن حبان وغيرهما ممن التزم الصحة، ووثقه النسائي، وروى عنه مالك والأئمة، ورواه عن العلاء جماعة: عبد العزيز الدراوردي وأبو العميس وروح بن عبادة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وزهير بن محمد وموسى بن عبيدة الربحي وعبد الرحمن ابن إبراهيم القاري المديني». [عمدة القاري شرح صحيح البخاري باختصار289/10]، وبالتالي فالحديث صحيح، والجمع بينه وبين باقي الألة أولى من إهمال أحدها.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في التوفيق بين الأدلة: «هذه الأحاديث لا تنافي الحديث المحرِّم لصوم ما بعد النصف من شعبان؛ لأن محل الحرمة فيمن صام بعد النصف ولم يصله؛ ومحل الجواز بل الندب فيمن صام قبل النصف وترك بعد النصف أو استمر؛ لكن وصل صومه بصوم يوم النصف؛ أو لم يصله وصام لنحو قضاء أو نذر أو ورد».