مولد الاربعين بين الرواية الشعبية وسجلات حفر قناة السويس 

الاربعين بين الرواية الشعبية وسجلات حفر قناة السويس 
الاربعين بين الرواية الشعبية وسجلات حفر قناة السويس 

تختلف طرق الاحتفال بليلة النصف من شعبان في العالم الإسلامي، بين دولة وأخرى، فالذكرى التي ترتبط بنقل قبلة المسلمين في الصلاة من المسجد الأقصى الى المسجد الحرام، لها مكانة خاصة لدى الجميع، وربطوا بينها وبين مناسبات أخرى مستحدثه لها قيمتها التاريخية والمعنوية لديهم.

في السويس يحتفل أبناء مدينة الصمود في ليلة النصف من شعبان بمولد سيدي عبد الله الأربعين، اختلفت الروايات الشعبية حول قصته، بين من يرى انه وفد للسويس مع حفر القناة، وأخرين يرون انه كان رجلا صالحا كان ممن حاربوا ضد القرامطة لإعادة طريق الحج، لكنهم يؤمنون أنه رجل تقى ويتبركون بزيارته.

" ولي عارف بطل شهيد .. رياحين تحيط به وطيبَ.. له الاشراق في نور تجلى .. كشمس في شروق لا تغيب" تتصدر تلك الابيات لوحة تستحوذ على المشهد وانتباه كل من يزور ضريح ينسب إلى " البطل الشهيد الشيخ عبد الله الملقب بالأربعين "بحسب تلك اللوحة بالغرفة الكائنة خلف المصلين بمسجد الأربعين، والذي يحتفل مريديه بمولده في ليلة النصف من شعبان كل عام.

قبل عشرات السنين أطلق اسم الأربعين على الحي الشعبي الأكبر في السويس، والذي تتركز فيه أغلب الجمعيات التي تنتمي لأصول الصعايدة والفلاحين الذين توافدوا على السويس عقب حرب أكتوبر، ويضم أكثر من ربع الكتلة السكنية في المحافظة.

بين الروايات الشعبية، التي تستند على القصص المروية دون نسب حقيقي لها، وبين الأدلة المادية تختلط الحقائق حول هوية هذا الشيخ، وما إذا كان هذا " الأربعين" لقبا كان يحمله، أو أكتسبه، أو انه عدد لأشخاص اتفقوا في صفات معينة او ينتمون لقبيلة أو جماعة واحده.

أغلب المترددين على المولد، يعتقدون في الرواية الشعبية الأشهر والتي تقول ان الشيخ كان واحدا ضمن 40 رجل دين، وفدوا للسويس عقب البدء في حفر القناة، ليعرفوا العمال أمور دينهم ورفضوا نظام السخرة وازلال العمال.


يقول الشيخ محمود زرزور وكيل المشيخة العام لطرق الصوفية في السويس إن الاسم الحقيقي للأربعين هو "عبد الله بن مشهور بن على بن أبي بكر العلوي"، وكان مشهورا عنه رؤيته لسيدنا الخضر عليه السلام في المنام.

ويضيف الشيخ محمود زرزور، أن الشيخ عبد الله وصل السويس هو ورفاقه وكان عددهم 40 رجلا خلال حفر قناة السويس، وكانوا يرفضون نظام السخرة في العمل وثاروا بسبب المظالم التي تعرض لها المصريين خلال الحفر.


ويضيف الشيخ زرزور، ان الشيخ عبد الله وصل السويس هو ورفاقه وكان عددهم 40 رجلا خلال حفر قناة السويس، وكانوا يرفضون نظام السخرة في العمل وثاروا بسبب المظالم التي التعرض لها المصريين خلال الحفر.  

والي جانب ذلك فقد عهد الأربعين ورفاقه أن يتصدوا لمن يغيرون على قوافل الحجاج التي كانت تخرج من السويس، والتي ظلت عتبة الحجاج المصريين والافارقة حتى حقبة الخمسينات من القرن الماضي.

ويوضح وكيل المشيخة العام للصوفية في السويس، أن قوافل الحج كانت تتلاقي تباعا في مصر من مختلف دول شمال ووسط وغرب أفريقيا، بعد عيد الفطر، ثم ينطلقون في قافلة كبيرة من منطقة القلزم إلى أراضي الحجاز عبر البحر الأحمر، وفى تلك الحقبة كان هناك من يغيرون على قوافل الحجاج التي كانت تتلاقي الى أراضي الحجاز.

ووهب الشيخ ورفاقه أنفسهم للجهاد في سبيل الله ضد المعتدين على القوافل، حتى استشهدوا واحدا تلو الاخر، وكان اخرهم عبد الله، ودفنهم الأهالي في الأربعين والتي كانت قديما مسكنا للعاملين بحفر القناة، ثم لمن يعملون في خدمات القناة، وعمال السكة الحديد عندما أنشأ الانجليز ثاني خط سكه حديد في العالم عام 1882.

الامر المثير أن بعض الكتب التي تتحدث عن الاضرحة والمشايخ تلقى بروايات تتضارب تاريخيا مع التسلسل الزمني في الاحداث، ووفقا لما هو منشور بتلك الكتب فان "الأربعين"، والذي يتكرر اسمه على عدد من المساجد في عدة محافظات استشهد عام 1124 هجريا، وهو التقويم الهجري الذي يقابله بالتقويم الميلادي عام 1712، وذلك ينفي أي علاقة تجمع بين الشيخ وحفر القناة الذي بدأ عام 1859 ميلاديا.

مر على انشاء المسجد في السويس أكثر من قرن، ويتفرد مسجد الأربعين في السويس عن باقي المساجد التي تشترك في نفس الأيم، أنه يضم ضريحا بالفعل، وخلال تلك الفترة أجريت أعمال تطوير وتوسعة للمسجد متتالية.

إلا أن احدى عمليات التطوير الذي جرت بالمسجد، عام 2001 والتي تزامنت مع تطوير منطقة الأربعين ورفع السكة الحديد تكشف عن رواية جديدة ثابتة بالأدلة، فالضريح قبل 17 عاما كان خارج المسجد، بجوار شريط السكة الحديد.

وبعد إزالة السكة الحديد وتطوير المنطقة استلزم نقل الضريح، وكان الدكتور كمال بربري مدير أوقاف السويس الأسبق مشارك في نقل الرفات بالضريح، ويروي أن الضريح فتح ليلا وفى سرية تامه، وقد تضمن رفات وعظام وجماجم مختلفة الاحجام.

وبحصر عدد الجماجم تبين أن الضريح هو معضمة لأربعين شخصا، لم تكن العظام والرفات كلها لرجال، فكان بينهم أطفال ونساء من مختلف الاعمال، وهو ما أكده الأثريين الذين فحصوا الجماجم والعظام، وافادوا بذلك بسبب اختلاف الاحجام، وتكوين الهيكل العظمي.

ويوضح الدكتور كمال بربري ان تاريخ منطقة القلزم قديما مهد السويس، لم يذكر أن تلك المنطقة كانت في يوم ما أرض مقابر، ولم تشهد حروبا او صراعات، وهناك افتراضات ترجح ان المعظمة التي ضمت رجال وسيدات وأطفال كانوا من أسرة واحدة وأصابهم مرض في رحلة الحج ودفنوا معا. 

بينما يرى أنور فتح الباب وكيل منطقة جنوب السويس التعليمية والباحث في تاريخ المدينة، أن سجلات حفر القناة القديمة ضمت أسماء سيدات وأطفال، فكانت أسر كامله تنزح للسويس للعمل في الحفر، واشتغل الرجال في الحفر وقدم النساء والأطفال الخدمات المعاونة من اعداد طعام وغسل الثياب وتمريض المرضى.

ووفقا لذلك السجل ايضا فأن صخرة كبيرة انهارت على مجموعة منهم اثناء العمل، خاصة ان المدخل الجنوبي للقناة منطقة صخرية، وكان الضحايا عددهم 40 شخصا أمر بدفنهم القائمين على العمل في مقبرة واحدة.

لكل رواية من يصدقها، ويبقي الامام الأربعين بطلا شعبيا في عيون السوايسة، ورجل صالح يزوره كل يوم ويقرأ له الفاتحة من آمن بقصته وكرامته، ويحتفلوا بمولده كل عام، وهناك من سلم بأدلة مادية زادها عظام لنساء ورجال وأطفال وثقت قصة تتناسب مع صفاتهم وتروى انهم قتلهم صخره كانت فيما مضى جزء من مجرى قناة السويس.